أنفلونزا الخنازير
داء قد يتحول إلى وباء
أصابت ثلث سكان العالم عام 1918 وقتلت 50 مليونًا
• الرياض: نزار الغنانيم
كل يوم، تطأ قدم أنفلونزا الخنازير أرضًا جديدة، تتسع معها مساحة انتشاره جغرافيًا، وترتفع أعداد الحالات المصابة، ثم عدد الوفيات. من أجل ذلك قررت منظمة الصحة العالمية رفع حالة التأهب لمواجهة انتشار الفيروس إلى الدرجة الخامسة، أي قبل درجة واحدة من إعلان حالة الوباء العالمي، ودعت جميع الدول إلى البدء فورًا في تطبيق خططها المعدة لمواجهة الأوبئة قائلة: «إن الإنسانية تواجه خطر وباء».
|
|
|
|
وحالات انتشار الأنفلونزا لا يمكن التنبؤ بها، لكنها متكررة وذات نتائج تكون، أحيانًا، كارثية على المجتمعات، ومنذ القرن السادس عشر تحدث حالات من فترة لأخرى قد تراوح بين 10 سنوات إلى 50 سنة، فقد شهدت البشرية العديد من حالات انتشار أنفلونزا الخنازير منها أنفلونزا الخنازير الإسبانية، التي كانت السبب في الوباء المدمر للبشر عام 1918، إذ أصيب نحو 500 مليون شخص، وهو ما يعادل ثلث سكان العالم، ووفاة 50 مليونًا. هذه السلالة بقيت في الخنازير ثم انتقلت إلى البشر حتى ظهور الأنفلونزا الآسيوية عام 1957، ومن ثم عادت وظهرت عام 1977، غير أن الانتقال المباشر للإنسان كان نادرًا في 12 حالة تم رصدها في الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 2005.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الحالات التي ظهرت في المكسيك والولايات المتحدة قد تكون الشرارة التي تولد وباءً على الصعيد العالمي، مؤكدة أن الوضع خطير جدًا، لكنها، أيضًا، تُلح على أن الوقت مبكر جدًا لتقييم الوضع بشكل كامل، فيما يقول مسؤولون: إن العالم أقرب اليوم إلى وباء أنفلونزا منذ 1968.
وصف المرض
وفق د.خالد الزهراني، الوكيل المساعد للطب الوقائي في وزارة الصحة السعودية: فإن أنفلونزا الخنازير هي أحد أمراض الجهاز التنفسي لدى الخنازير، والتي يسببها النوع (A) من فيروس الأنفلونزا الذي يسبب حالات تفشي الأنفلونزا في الخنازير، وتسبب هذه الفيروسات مستويات عالية من المرض بين الخنازير، لكن معدلات الوفاة لدى الخنازير الناتجة عن المرض تبقى منخفضة، كما أن فيروسات أنفلونزا الخنازير قد تصيب الخنازير على مدار السنة، إلا أن معظم حالات الانتشار الوبائي تحدث أثناء فترات الخريف والشتاء كما هو الحال لدى البشر.
وهناك ثلاثة أنواع من فيروسات الأنفلونزا: الأول (A) وهو أكثر شيوعًا إلى حد ما، والنوع الثاني (C) وهو من النوع النادر، وكلا النوعين يستوطنان في الخنازير، أما النوع الثالث (B) فلم يتم عزله من تلك الحيوانات كما أن هناك أنواعًا فرعية من فيروسات الأنفلونزا تندرج تحت النوع (A) مثل فيروس (H3N1،H3N1،H3N2، H2N3).
العدوى
ينتقل الفيروس للبشر حين يحدث اتصال مع الخنازير، خصوصًا الذين يتعرضون لتلك الحيوانات. كما تحدث العدوى إذا كانت تلك النوعية من سلالة الفيروسات قادرة على اختراق مناعة الجسم، في حين أن هناك مجموعة سلالات أخرى من تلك الفيروسات قد تحدث لها طفرة فتتحول إلى فيروسات قادرة وبسهولة على الانتقال من شخص إلى آخر، وما حدث هذا العام من تفشي أنفلونزا الخنازير، إنما هو نتيجة طفرة أدت إلى تحول سلالة معينة من الفيروسات إلى سلالة أخرى قادرة على الانتقال بين البشر.
كما تنتقل العدوى من شخص إلى شخص آخر بالطريقة نفسها التي تنتقل بها عدوى الأنفلونزا الموسمية عن طريق الرذاذ من السعال، أو العطس، أو لمس أي شيء ملوث بذلك الفيروس، ومن ثم لمس الأنف أو الفم. ولا ينتقل المرض عن طريق الغذاء، ويعد المرض معديًا جدًا خصوصًا في الأيام الخمسة الأولى، وقد تطول مدة العدوى بالنسبة للأطفال إلى عشرة أيام، ويمكن لهذا الفيروس البقاء ساعات عدة لا سيما في الجو البارد والرطوبة المنخفضة.
شرارة الوباء
ويمكن حدوث وباء عالمي بالأنفلونزا نتيجة تحول فيروس الأنفلونزا الحيواني إلى فيروس الأنفلونزا البشري، بظهور نمط فيروسي جديد يصيب الإنسان، وأن يكتسب الفيروس القدرة على التكاثر في الإنسان، وإحداث الصورة المرضية، وأن ينتقل الفيروس بسهولة بين البشر على شكل سلسلة انتقال منتظمة تؤدي إلى تفشي المرض.
ومن وجهة النظر الجينية، فإن الوباء العالمي للأنفلونزا يمكن أن يحدث من خلال عاملين: الأول إعادة تشكيل جينات الفيروس، وهي عملية يحدث خلالها تداخل وخلط بين جينات فيروس الأنفلونزا الحيواني والبشري، وينتج عن ذلك فيروس الأنفلونزا الحيواني البشري. الآخر التحور الجيني، وهي عملية يتحور فيها فيروس الأنفلونزا الحيواني ليصبح قادرًا على عدوى البشر والانتقال بينهم.
وبمتابعة الوضع نجد أنه، ومنذ عام 1997، تحقق المطلب الأول والثاني أربع مرات في هونج كونج عام 1997 (H5N1)، هونج كونج عام 2003 (H5N1)، هولندا عام 2003 (H7N7) وفيتنام وتايلاند عام 2004 (H5N1)، وتميز التفشي بفيروس (H5N1) بشدة حدة المرض وارتفاع معدلات الوفاة. ويوضح ما سبق المخاطر الحقيقية لانبعاث وباء عالمي للأنفلونزا وظهورها، ويؤكد أن العالم تحت تهديد حقيقي قد يستمر لسنوات، إلا أن ذلك يُتيح الفرصة المناسبة للاستعداد المبكر والتحسب الذي يمكن أن يقلص الآثار السلبية للوباء المتوقع.
الأعراض
تبدو أعراض أنفلونزا الخنازير في البشر مماثلة لأعراض الأنفلونزا الموسمية، وهي تبدأ في الظهور بعد يومين أو ثلاثة أيام من التعرض للفيروس، وتستمر لمدة 10 أيام تقريبًا، وتتمثل هذه الأعراض في ارتفاع درجة الحرارة، والسعال، وألم بالحلق، وألم في العضلات، وتعب عام في الجسم، ورافق المرض، في هذا العام في بعض الحالات، إسهال، وتقيؤ، واحمرار الأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي واحتقانها، مع ازدياد إفراز خروج البلغم. في بعض الحالات الخطرة يكون هناك التهاب شديد في الرئتين.
الوقاية
هناك عدد من الخطوات التي يجب الالتزام بها على المستوى الفردي للوقاية من الإصابة بالمرض، منها: غسل الأيدي جيدًا بالصابون والماء الجاري، تفادي الأماكن العامة ووسائل المواصلات المزدحمة، وتغطية الأنف والفم عند العطس أو السعال مع استخدام المناديل الورقية، الإقامة في مكان جيد التهوية، تناول الغذاء الصحي والغني بفيتامين (C)، تفادي الاختلاط بالحالات المصابة أو مخالطيهم وعدم استخدام أدواتهم الشخصية، التوجه إلى الطبيب فور الإحساس بأعراض الأنفلونزا، متابعة الرسائل التوعوية الصادرة من الجهات الصحية والامتثال لها.
احتياطات واجبة
يُنصح المسافر لمناطق موبوءة بأخذ العديد من الاحتياطات، منها: الاعتماد على ما تصدره منظمة الصحة العالمية في تقييد السفر إلى أي دولة ظهرت فيها عدوى بفيروس الأنفلونزا، والاعتماد على منظمة الصحة العالمية في أي إجراء نحو مناظرة القادمين من الدول التي ظهرت فيها عدوى بفيروس الأنفلونزا، ومراجعة الطبيب، وأخذ المشورة الصحية قبل السفر لأي من البلاد التي ظهرت فيها العدوى، كما يُنصح عند الوصول إلى وجهة السفر بالحصول على أي معلومات صحية، أو تعليمات خاصة بالعدوى، وأي تطورات تحدث خلال مدة الإقامة.
وعند وجود المسافر في أي بلد ظهرت فيه إصابات، ينصح بتجنب الأماكن التي يمكن أن توجد فيها العدوى، مثل: الأسواق، والتجمعات البشرية الحاشدة، وغسل الأيدي جيدًا بالماء والصابون، ومراجعة الطبيب عند ظهور أعراض للمرض. |
|
العلاج
ويبين د.الزهراني أنه يتوافر العديد من الأدوية لعلاج الحالات المشابهة والمؤكدة من مرض أنفلونزا الخنازير منها أربعة أنواع من مضادات فيروسات الأنفلونزا: Zanamivir, Amantidine, Rimantidin, Oseltamivir، وتستخدم حسب حساسية الفيروس للدواء، وحسب موجهات منظمة الصحة العالمية.
ويمكن استعمال بعض الأدوية مثل: «التاميفلو»، أو «الريلينزا» في منع أو علاجها بعض الحالات بالرغم من أن الغالبية منها تُشفى دون استعمال مضادات للفيروسات، ويُوصى باستعمال تلك الأدوية في حالة الإصابة. وقد وفرت وزارة الصحة في المملكة عقار «التاميفلو» بكميات كافية، إضافة إلى عقار «الزاناميفير»، والذي يستخدم لعلاج الحالات المشتبه بها والمؤكدة.
الخطة الوطنية
وبحسب د.الزهراني: يعد وباء الأنفلونزا كأي وضع صحي طارئ، يستدعي اتخاذ إجراءات عدة من شأنها خلق توازن بين اهتمامات الأفراد وسلامة المجتمع، وقد عملت وزارة الصحة على تركيب كاميرات حرارية عبر المنافذ الجوية والبرية للملكة، باستثناء المنافذ البحرية التي هي بصدد التركيب، لمتابعة كل ما يتعلق بأنفلونزا الخنازير، كما وضعت جميع القطاعات الصحية والجهات ذات العلاقات على أهبة الاستعداد لحماية المملكة وكل من يعيش ويزور هذه البلاد من هذا الوباء، وتم التركيز على حماية المشاعر المقدسة والقادمين إليها.
وتم وضع خطة وطنية متوافقة مع خطة منظمة الصحة العالمية. وحسب المستجدات، وضعت تحت إشراف لجنة وطنية علمية، كما تم عمل دليل إرشادي لمقدمي الخدمة الصحية عن كيفية التعامل مع هذه الأنفلونزا، بدءًا بالإجراءات اللازمة في المنافذ الدولية، وحسب توجهات منظمة الصحة العالمية، وتفعيل لجان الاستعداد المبكر لمكافحة الأوبئة على مستوى المناطق، إضافة إلى المتابعة المستمرة لوبائية المرض عالميًا. كما تم الرفع من جاهزية الترصد الوبائي، والترصد المخبري، ومكافحة العدوى داخل المستشفيات، كذلك تم تأمين العقاقير المضادة للفيروسات، والأقنعة والألبسة الواقية، وتأمين الكواشف اللازمة للمختبرات.