الكريكيت
الرياضة الإنجليزية الأولى بلا منازع
نشأت على أيدي أطفال المزارعين في منطقة ويلد خلال العصور الوسطى.
• لندن: أهلاً وسهلاً
تعد لعبة الكريكيت إحدى أعرق الرياضات الإنجليزية التي يُختلف على نشأتها، وبعكس الاعتقاد السائد بأن كرة القدم هي الرياضة الوطنية في إنجلترا، فالحقيقة هي أن هذا اللقب يخص رياضة الكريكيت دون غيرها، رغم الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها كرة القدم، والرغبي، والتنس في المملكة المتحدة.
هناك اتجاه يرى أن هذه الرياضة نشأت في القرن السادس عشر في أثناء حكم تيودور، في حين تتفق معظم الآراء مع الرأي القائل بنشأتها على أيدي أطفال المزارعين في منطقة ويلد الواقعة بين كنت وسوسكس خلال العصور الوسطى، ثم امتدت فيما بعد إلى نظرائهم البالغين. ففي عام 1624 سقط أول ضحايا تلك اللعبة، عندما تلقى اللاعب جاسبر فينيل ضربة على رأسه أردته قتيلاً في الحال خلال مباراة للكريكيت بقرية سوسكس. كما تتضارب الآراء، أيضًا، حول جذور كلمة «كريكيت» ومعناها، فهناك من يرى أنها ذات جذور هولندية، وتعني العصاة، وهناك من يرى أنها ذات جذور فرنسية وتعني مطرقة، وهناك من يرى أنها ذات جذور ساكسونية.
ما هي اللعبة؟
الكريكيت رياضة جماعية يشارك فيها فريقان مكون كل منهما من أحد عشر لاعبًا، تضرب فيها كرة بحجم قبضة اليد من قبل لاعب يدعى رامي الكرة، أما اللاعب الخصم فيدعى رجل المضرب، ويحاول صد الكرة باستخدام مضرب نحيف شبيه بالمجداف، ويتركز الانتباه أساسًا حول علامتين تشكلان الأهداف تدعيان ويكيت (Wicket)، وهما مجموعة من ثلاث عصي متصلة تسمى (Stumps)، ويحاول رامي الكرة إصابتها لكي يوقع قطعتين خشبيتين اثنتين منهما مثبتتين على الجذوع. وتلعب رياضة الكريكيت في ميدان من العشب الأخضر تتوسطه مساحة بيضاء طولها 20.12 متر، أو ما يقرب من 22 ياردة تسمى «أرض الكريكيت».
تطور تاريخي
لعبت المراهنات دورًا مهمًا فيما شهدته رياضة الكريكيت من طفرة خلال القرن الثامن عشر، خصوصًا مع الاعتراف بها كرياضة قومية لإنجلترا، حيث كان عدد كبير من أفراد الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا يهوون المراهنات، وقد هيأت مباريات الكريكيت فرصة سخية لهم لإشباع تلك الهواية، ويروى في هذا الصدد أن مجموع المراهنات التي أجريت بمناسبة المباراة بين فريقين من داخل بريطانيا نفسها بلغ في إحدى المرات 20.000 جنيه إسترليني. إزاء ضخامة المبالغ التي كانت تشملها المراهنات في ذلك الحين على مباريات الكريكيت، أخذت شعبية رياضة الكريكيت في التراجع في بريطانيا، إذ إن المراهنات كثيرًا ما كانت تؤدي إلى وقوع عمليات تلاعب واحتيال. كما قام نادي ماريليبون للكريكيت بوضع الكثير من القيود لوقف المراهنات التي تجرى على لعبة الكريكيت. هذا ويعد الكثيرون تأسيس نادي ماريليبون للكريكيت عام 1787 من أهم التطورات التي شهدتها لعبة الكريكيت، وقد كون لاعبو الكريكيت في هذا النادي فريقهم الخاص الذي كان يلعب مبارياته فوق ملاعب وايت كوندويت في ايسلنجتون، وبعد موسمين اتخذ الفريق لنفسه اسم تلك الملاعب، وأصبح يعرف باسم «نادي وايت كوندويت للكريكيت»، وضمت إدارة النادي الجديد في ذلك الوقت توماس لورد، وهو ابن أحد أثرياء مقاطعة يوركشاير، وبمعاونة كبار المتحمسين للعبة تمكن من بناء ملعب آخر للكريكيت في ماريليبون، وفي عام 1787 انتقل نادي وايت كوندويت إلى أرضه الجديدة التي أطلق عليها اسم لورد نسبة إلى اسم مؤسس النادي، وفي الوقت نفسه تغير اسم النادي من «نادي وايت كوندويت للكريكيت» إلى «نادي ماريليبون للكريكيت».
ويعد نادي هامبلدن للكريكيت القابع حاليًا جنوب شرق مقاطعة هامبشاير، والذي أسس عام 1760 على أيدي جماعة من الأرستقراطيين البريطانيين المحليين من أعظم نوادي لعبة الكريكيت، كما يعود إليه الفضل في وضع أول قانون لرياضة الكريكيت عام 1744، ومنذ ذلك التاريخ ولعبة الكريكيت تعرف بشكلها الحالي المألوف لدى كثير منا، وفي عام 1844 شهد العالم إجراء أول مباراة دولية للعبة الكريكيت بين كندا والولايات المتحدة، وفي عام 1859 شاركت بريطانيا في أول مباراة دولية لها تجرى في أمريكا الشمالية، كما شاركت، أيضًا، في أول مباراة دولية لها تجرى بأستراليا عام 1877.
عظماء الرياضة
يعد الكثيرون من عشاق لعبة الكريكيت اللاعب دبليو. ج. جرايس من أعظم لاعبي اللعبة على مر تاريخها. ولد جريس عام 1848، ونشأ في أسرة كل أفرادها من لاعبي الكريكيت، ولم تكد سنه تتجاوز الثانية عشرة عندما شارك في أول مباراة له ضد فريق ويست جلوسستر شاير، حتى قام بعد ذلك بست سنوات بتمثيل منتخب بريطانيا رسميًا، وقد تمكن في أول مباراة رسمية له مع منتخب بريطانيا من تسجيل 224 مرحلة، وجاء بعد جريس عدد لا يكاد يحصى من اللاعبين المهرة أشهرهم اللاعب الأسترالي دونالد برادمان، الذي يعد بداية لانطلاق أستراليا في لعبة الكريكيت.
هذا وقد درج إطلاق اصطلاح «الفوز بالرماد» على الفريق الفائز في مباريات دوري الكريكيت بين إنجلترا وأستراليا، ومنشأ هذه القصة التي بني عليه اللقب يعود إلى عام 1882 عندما فاز فريق أستراليا على فريق بريطانيا في أوفال، وكانت المباراة عنيفة لدرجة أن أحد المشاهدين توفي لفرط الإثارة، في حين أن مشاهدًا آخر أخذ يقضم بأسنانه مقبض مظلته حتى فتته، وكان فوز الفريق الأسترالي بفارق بسيط لم يتجاوز سبع نقاط فقط على منافسه البريطاني حديث الصحف في اليوم التالي، حيث نشرت إحدى الصحف الرياضة الشهيرة الإعلان التهكمي التالي: إحياء للذكرى الحبيبة للكريكيت الإنجليزية التي وافها الأجل في أوفال يوم 29 أغسطس 1882، وبكاها جمهور عظيم من أصدقائها ومعارفها ملاحظة: سوف يحرق جثمان الفقيدة، وينقل الرماد إلى أستراليا.
لكن في العام التالي تمكن الفريق البريطاني من هزيمة أستراليا والأخذ بالثأر للإنجليز، وإثر ذلك قام فريق من سيدات ملبورن بإهداء رئيس الفريق الفائز هدية شخصية هي كأس مليئة بالرماد، وكان الرماد في هذه المرة يرمز إلى وفاة الكريكيت الأسترالية.
ويرجع اهتمام أستراليا بلعبة الكريكيت إلى المهاجرين الأوائل في نيو سوث ويلز، فهم من نقلوا اللعبة معهم إلى أستراليا، وظلوا يلعبونها منذ السنوات الأولى للقرن التاسع عشر، خصوصًا أن حاكمها كان سخيًا في الإنفاق على تلك اللعبة، ما أعطى فرصة كبيرة لإجراء توسعات في إنشاء الملاعب الخاصة، بها والاهتمام بالرياضة عمومًا في أستراليا، فضلاً عن أن امتداد الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس كان له تأثير في انتشار لعبة الكريكيت خلال منتصف القرن التاسع عشر في عدد من الدول مثل: الهند، وأمريكا الشمالية، ومنطقة الكاريبي، وجنوب أفريقيا، وأستراليا، ونيوزيلندا. وتمارس الآن لعبة الكريكيت أكثر من 100 دولة، كما تعد الهند وباكستان من البلاد العاشقة لها، والتي تتنافس عليها في مباريات الدوري التي تجرى بين فرقها.