ليس شرطًا أن تكون عالمًا
كيف تكون مسلمًا؟
الدعوة أمانة في أعناقنا وهي رسالة الجميع.
• إسماعيل العُمري
الدعاة إلى الله، جلّ في علاه، نحبهم ونعترف بفضلهم ودورهم في الأمة، بهم يحفظ الله دينه، وبهم ينشر الدين، وبهم يعرف.
ونحن نخشى عليهم، فإذا تمزق الدعاة تمزقت الأمة، وإذا تفرق الدعاة تفرقت الأمة، فالله تعالى قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}.
الدعوة رسالة الجميع كل حسب قدرته وفهمه وعلمه ومكانته، وكل منا له حد لا يتعداه، ولكن تبقى الدعوة أمانة في أعناقنا جميعًا، ويختلف الحكم باختلاف الموقع ووضع القاصد والمقصود. فالدعوة إصلاح، وحماية، وتوجيه، وإرشاد، وتعليم، وبيان للحق.
نحن مطالبون بدعوة أبنائنا، وأزواجنا، وإخواننا، وبناتنا، وجيراننا ومن تربطنا بهم صلة قرابة أو عمل أو دراسة.
ندعو إخوة العقيدة وأخواتها، ومن تجمعنا بهم شهادة التوحيد.
ندعو من نصل إليه ونرى فيه الرغبة والقرب من غير المسلمين.
فالمسؤولية حتمية
ألا يضيرك ويحزنك أن ترى ابنك يهلك نفسه ويتفحم في النار؟ ألا يحزنك أن ترى شقيقك يعمل بعمل الفجار؟ ألا تأسى لما يصيب المسلمين؟ «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». وبمرور الأيام نلمس ونرى بوضوح حاجة الأمة الإسلامية إلى الدعوة إلى الله، والنظر في حال كل منا تجاه الدعوة والعمل بالنصيحة التي قام عليها هذا الدين وانتشر بهما وعم أرجاء الدنيا.
بدأ هذا الدين بداعية وحيد فريد في شخصه وفي صفاته، وهو سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم. مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يعد رجالاً من أصحابه ليكونوا دعاة، وكانت الدعوة الصفة التي لازمتهم طيلة أعمارهم، رغم أنهم حاربوا وجاهدوا وقاتلوا إلا أن الدعوة إلى الحق هي مهمتهم الأولى، ورسالتهم التي حملوها وعملوا لها، فلم يحملوا سوى هَمِّ نشر هذا الدين حتى عمّ وانتشر وبلغ الصين، وأوروبا، وأفريقيا.
المسؤولية حتمية
لأننا اليوم نُحارب من كل جانب.. نُحارب في الفكر، وفي العقيدة، وفي السلوك والأخلاق.
المسؤولية حتمية
لأن منا من يسيء إلى سمعة البلاد بسلوك شاذ، لا يقره دين ولا خلق، ويرتكبون أفعالاً لا تمت إلينا بصلة بحجة السياحة، والسفر، والتسلية.
الدعوة حتمية
بوجود الشبكة العنكبوتية، الإنترنت، هذه الثورة العلمية، تستخدمها الدنيا للتطور والإصلاح، ومنا من يستخدمها ليفسد بها، ويحرق بها الحرث والنسل.
لذلك فالدعوة حتمية وهي رسالة الجميع، ويختلف حكمها باختلاف الزمان والمكان، فإن كنت في قرية أو مجتمع ورأيت أنهم لا يجيدون الصلاة ولا يعرفون أحكامها، فبادر إلى تعليمهم ما تعرف، وإن كانوا لا يعرفون قراءة الفاتحة فعلِّمْهم، وليس شرطًا أن تكون حافظًا للقرآن مُجَوِّدًا له عالمًا به.
علِّمْهم الفاتحة ليتمكنوا من الصلاة، وإذا رأيت من يرتكب إثمًا أو خطيئة وأنت تعرف الحكم، وتملك الدليل، فانصحه بالحسنى. وإذا رأيت ما يوجب التغيير باليد فبلغ من يملك حق التغيير باليد ولا تتعدَ، وإن كان ولا بد من الإنكار فأنكر بقلبك، وهذا معنى حديث: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». وفي الحديث شواهد كثيرة على ما يجب أن يكون عليه المسلم في يومه وليلته.
ولأن الدنيا كلها تعاني شذوذًا فكريًا أخل بالأمن وقضّ المضجع، فلا بد من العلم لتعديل المسار ودحض الحجة بالحجة، فالله تعالى يقول: }فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذورا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذورن{.
ونحن نحتاج إلى علم، وفقه، ودراية لنتعلم كيف نقود سفننا، ونسيّر بيوتنا، ونناقش مَنْ شذ من أبنائنا، فالأب يحتاج إلى شيء من الحجة ليصد شذوذ ابنه الفكري، وانحداره الأخلاقي، وفساده العملي. وكذا يحتاج الأخ الأكبر، والقريب، والمعلم، والخطيب، والواعظ، حتى الأصدقاء في المجالس قد يواجهون شاذًا في فكره أو سلوكه، وستبرز لهم الحاجة إلى حجة وبرهان لصد الشذوذ ودحره وتنقية ضحاياه.. فالدعوة حتمية في زمن تكثر فيه الفتن والمضلات والمغريات.. قال الشاعر:
ومن لم يُدارِ الناس على علم بهم
انصرفــــوا وكلهـــــم له عِـــــــــــدا
وما أجمل قول الأول: «الحكمة تدعو إلى الحق، والجهل يدعو إلى السفه، والحجة تدعو إلى المذهب الصحيح، والشبهة تدعو إلى المذهب الفاسد»! ومسؤولية إعداد العدة لمواجهة انحراف الفكر والسلوك يشترك فيها الجميع: البيت، والمدرسة، والمسجد، والجامعة، والإعلام بكل أنواعه، والمجتمع بكل طوائفه، لنصل إلى ما نبتغيه من أمن فكري، وسلامة مجتمعاتنا مما يحيط بها من فتن. نحن نرى التجار يبذلون غاية جهدهم وأقصى طاقاتهم للوصول إلى مآربهم.. نرى إعلانات يومية متكررة على مختلف الوسائل الإعلامية.
نراهم يتتبعون المعارض السنوية العالمية.. نراهم يستعينون بالخبرات كل في مجاله. وللأسف القليل القليل منهم جعل من تجاربه مع الله مغنمًا إلى جانب تجارته في دنياه، فينتقل، ويسافر، ويجوب الدنيا تاجرًا، وداعيًا إلى ربه ومولاه بجانب تجارته.
لدينا مئات الألوف من الطلبة في مشارق الأرض ومغاربها، والقليل القليل منهم جعلوا بيان محاسن الدين وهاجسهم وهمهم بجوار ما يتلقونه من العلم، ولو أن التجار والطلبة الذين ابتعثوا للدراسة ومعهم من يسافر للسياحة حرصوا على إظهار حقيقة الإسلام بسلوكهم لانتشر الدين وأسلمت الدنيا.
وما بلغ الإسلام جنوب شرق آسيا وأفريقيا إلا بتجار تعاملوا مع الله جلّ في علاه، فأجرى الخير على أيديهم. وأكرر القول: إنه لا بد لمن يتصدى للدعوة من العلم إلا إذا كان بسلوك وحسن خلق.
فالنبي، صلى الله عليه وسلم، اشترط الوعي قبل التبليغ حين قال: «نضَّر الله امرءًا سمع مني مقالة فوعاها، فبلَّغها كما وعاها فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامع».
وشرط التبليغ الوعي بجانب العمل بما علمته ووعيته، فلا تكن ممن قال فيهم الشاعر:
فلا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فلا يُعقل أن تقرب الناس إلى ما تبتعد أنت عنه.. }يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون{.
والخلاصة:
نحن مطالبون بحماية ديننا ووطننا ومكتسباتنا في كل مكان نحل فيه، أو نرتحل إليه. مطالبون بأن نكون سفراء للفضيلة وعناوين للهدى في الحل والترحال. مطالبون بطاعة الله ورسوله، وطاعة من ولاهم الله أمرنا. مطالبون بشكر النعم التي أنعم الله بها علينا، وشكرها بالعمل بما يرضى به المنعم.
فإن أثرنا نحن بالذات أبناء الأرض الطيبة والبلد المبارك على الدنيا كلها وليس في بيوتنا فقط.
كنت مرة في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وجاء أحد الدعاة يرافقه رجل يوناني ليعلن إسلامه، وبعد أن أعلن إسلامه وصلى العشاء معنا قال لي: «أتعلم أنكم أخرتم إسلامي عشرات السنين؟ استغربت وسألته: كيف؟ قال: كنت أرى ما يفعله السياح في بلادي وغيرها وأقول إذا كان هذا هو الإسلام فهو دين غير صالح، كنت أحكم على الإسلام من خلال ما أراه من المسلمين، حتى عرفت الدين الحق مما رأيته من صاحبي هذا، انشرح صدري وأسلمت». هذه القصة تظهر أثر السلوك في الدعوة.
فليس شرطًا أن تكون عالمًا لتدعو إلى الله، ولكن كن مسلمًا كما يحب الله لتكون داعيًا إليه بعملك.
قال لي طبيب سويدي، كان يعمل في مجمع الملك خالد الطبي بالحرس الوطني: «كنت مسيحيًا متدينًا، وأبحث دائمًا عن الحق والهدى، ولم تكن لي صبوة ولا جنوح، وحين قدمت هنا للعمل كنت أمر بجوار المصلى، فأرى المسلمين يسجدون ويركعون، فأعجبتني العبودية التي يظهرونها، وصرت أرى الخير وأبحث عن الخير، ولا أهتم بما أراه من مخالفات المسلمين، فأنا في الأصل أعلم أن الخير ينزل من السماء، والشر يصعد من الأرض حتى هداني الله وأسلمت».
وهذه القصة، أيضًا، تثبت أن المسلم حين يؤدي رسالته ويتفانى في أداء واجبه، ويحسن تمثيل أمته، يحدث أثرًا عظيمًا في محيطه الذي يعيش فيه، والعكس يحدث حين يكون متفلتًا فينقض بتفلته ما بناه الآباء والأجداد!!
وأكرر القول: ليس شرطًا أن تكون عالمًا.. ولكن كن مسلمًا.
|