مجتمع


من ضرورات الحياة الاجتماعية
ثقافة الحوار
انسداد آفاق الحوار بين أفراد الأسرة يخلق العديد من المشكلات.

• الرياض: سحر فؤاد أحمد

Communitypict1

إذا تابعت برامج السجال في فضائياتنا العربية، أو استمعت إلى حوار بين تلميذ ومعلمه، أو بين أم وابنتها، أو بين زوج وزوجته، فإنك حتمًا ستخرج بنتيجة مفادها أن هناك خللاً في ثقافة الحوار في حياتنا.
شيرين العوفي، المدربة المتخصصة في إعداد دورات نشر ثقافة الحوار وتنفيذها في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تضيء على آفاق هذه القضية بأبعادها الاجتماعية والحضارية.

  • المحاور الناجح ينصت جيدًا ويدفع عن نفسه حب الظهور والتعالي على الآخرين

  • على المحاور احترام جميع الآراء حتى لو كانت ضعيفة أو غير منطقية

  • المحاور الجيد ينتقي ألفاظه وينأى بنفسه عن أسلوب الطعن، والتجريح، والتهديد، والسخرية، والاستفزاز

Communitypict2

فاقد الشيء لا يعطيه
بدأت العوفي حديثها بالتأكيد على أهمية نشر ثقافة الحوار في مجتمعاتنا، لكي نرتقي بمستوى الحوار في حياتنا، فالحوار أساس لنجاح العلاقات الزوجية، والأسرية، والعملية، والأمة الناهضة هي الأمة التي تشيع فيها ثقافة الحوار بين أبنائها، وانسداد آفاق الحوار في المجتمع يخلق العديد من المشكلات.
ويعد الحوار من أهم أدوات التآلف والتحبب وتكوين علاقات طيبة مع المحيطين، وهو من وسائل الاتصال، والإقناع، والتأثير في الآخرين بالحجج، والبراهين، والأدلة، ومن خلال الحوار يمكن الرد على الهجوم والشبهات بأسلوب حضاري دون اتهام أو بحث في أسباب القائلين بهذه الشبهات ودوافعهم، ما يسهم في ارتقاء مستوى التعامل بين الأفراد.
فمعظم المشكلات التي تواجه الأسرة والمجتمع في وقتنا الحاضر ترجع إلى افتقاد الحوار بين الوالدين وأبنائهما في وقت تزداد فيه الحاجة إلى التواصل بينهم في ضوء ثورة الاتصالات وانتشار وسائل الإعلام التي جعلت أفراد الأسرة في حالة انشغال دائم، ما قلل فرص الحوار والتواصل، والأسرة مدعوة إلى غرس ثقافة الحوار في نفوس أبنائها منذ الصغر، ما ينعكس إيجابًا على اتجاهاتهم وسلوكهم. فالحوار الأسري الراقي يكسب الطفل الكثير من الصفات كالثقة بالنفس، والشجاعة، والجرأة، والتواصل الاجتماعي، ما يؤهله للاندماج الإيجابي في المجتمع.
من ناحية أخرى فإن الحوار بين الزوجين هو مفتاح التفاهم والانسجام في الأسرة، وانعدام الحوار الزوجي يعني النزاع الأسري الذي تترتب عليه مشكلات نفسية واجتماعية قد تؤدي إلى الطلاق، وقد أرجعت الدراسات ارتفاع نسب الطلاق في الدول العربية عمومًا والخليجية خصوصًا إلى غياب الحوار بين الزوجين.
ولكي يؤتي الحوار ثماره يجب أن يكون بناءً وإيجابيًا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال قراءة الكتب المتخصصة وحضور الدورات التدريبية والحلقات الحوارية. والأهم من ذلك أن نمارس الحوار ونصحح أخطاءنا، فإذا أردنا أن نتغير ونرتقي بالحوار، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا، ففاقد الشيء لا يعطيه.

معوقات الحوار
وفقًا للعوفي فإن الحوار عندما يحتوي على عبارات السخرية واللوم والاتهام للآخر يفقد إيجابيته، ويحوله إلى جدل يثير الكراهية والبغضاء بين المتحاورين، ولذلك على المحاور أن ينتقي الألفاظ الحسنة وينأى بنفسه عن أسلوب الطعن، والتجريح، والسخرية، والإثارة، والاستفزاز.
كما أن إطلاق التهديدات والأوامر في أثناء الحوار يعد نوعًا من فرض السلطة، وعندما تفرض السلطة يغيب الحوار، لذا ينبغي التأكيد على الاحترام المتبادل بين أطراف الحوار، ما يقود إلى قبول الحق، لكن ذلك لا يعني التملق، والنفاق، والإقرار على الباطل وعدم النصح، وتصحيح الأخطاء بأساليب راقية، ويمكن أن يتم ذلك بالتركيز على القضية المطروحة بعيدًا عن صاحبها أو قائلها.
وإذا تحول الحوار إلى محاضرة أو درس في الأخلاق يسبب الملل لدى المتحاورين، خصوصًا إذا كانوا يحتاجون إلى التعبير عن آرائهم ومشكلاتهم، لذا يجب منح الآخرين فرصة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، واحترام كل رأي حتى لو كان ضعيفًا أو غير منطقي، فالمحاور الناجح هو المصغي الجيد الذي لا يقطع حديث الآخرين. فمن الخطأ أن ينحصر التفكير فيما سنقوله، ولا نلقي بالاً لما يقوله الطرف الآخر، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، والنظر إليه، والوعي لما يقوله.

الفرق بين الحوار والجدل
حتى لا يتحول الحوار إلى جدل تدعو العوفي إلى مراعاة الفرق بينهما، فالحوار حديث بين طرفين يسعى كل منهما إلى عرض أفكاره وفهم أفكار الآخر، أما الجدل فهو طريقة مناقشة تعتمد على الاستدلال والقياس والاستنتاج ويكثر فيها الخلاف، ما يجعل ميدان الحوار ضيقًا، ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشجيع كل طرف على الرد على صاحبه متتبعًا لعثراته وزلاته لإبرازها وتضخيمها، فيتحول الحوار إلى نوع من المنافسة غير الشريفة، ما يحول دون تحقيق الهدف. والمحاور الناجح هو الذي يقنع الآخر بأهمية الحوار كوسيلة للوصول إلى هدف مشترك مع الحفاظ على استمرارية الحوار والتغلب على أي معوقات تحول دونه.Communitypict3
ومن أسس الحوار الناجح أن يبدأ المحاور بمواطن الاتفاق مع الطرف الآخر، فذلك أدعى إلى كسب الثقة وشيوع روح التفاهم بين المتحاورين، وفتح آفاق من التلاقي والقبول والإقبال، ما يقلل الفجوة ويجعل فرص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب، مع مراعاة الاتفاق على أصل يرجع إليه في حالة الاختلاف على أي مسألة وردت في الحوار ليكون المرجع الذي يستند إليه المحاورون.
ويجب بدء الحوار بما يسترعي انتباه من تحاوره، مع الحرص على استخدام اسمه في أثناء الحوار والالتفات إلى لقبه الصحيح، ومكانته، والمنصب الذي يشغله، مع ضرورة حضور البديهة في الحوار باستحضار المعلومات ولو كان بالتحضير المسبق، وتوقع الأسئلة، والحضور الذهني، مع الحفاظ على قوة الذاكرة، فالمحاور قوي الذاكرة يكون حواره ونقاشه مترابط الأطراف.
وعلى المحاور أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميز، وإظهار البراعة وعمق الثقافة، والتعالي، ويساعده على ذلك تطبيق القاعدة «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وتدريب النفس على الرضا والارتياح إذا ظهر الحق على لسان الآخر، فالصواب ليس حكرًا على شخص بعينه.
ويحسن بالمحاور ألا يرفع الصوت أكثر ما يحتاج إليه السامع، وألا ينعكس مزاجه على نبرة صوته في أثناء الحوار، واستخدام نبرة صوت مرحة وهادئة ليتمكن من لفت انتباه الحاضرين، مع مراعاة تجنب عبارات الإلزام والفرض على الطرف الآخر، أو اتهام نيته والطعن في مقصده.
ولإقناع الآخر بفكرة جديدة، على المحاور مقارنة تلك الفكرة بفكرة مألوفة لدى الآخر، والتأكيد على بعض الكلمات المقبولة «جديد، مجرب، فعال» وعرض القصص والأمثلة، والاستشهاد بها بأسلوب جذاب.
واستخدام طريقة السؤال «الاستفهام» في أثناء الحوار للحصول على معلومات لتجعل منها عناصر حديثك وطريقة لإشراك المحاور في التفكير معك في موضوع الحوار. وفرصة لإبداء وجهة نظره.
وعلى المحاور الناجح أن يتمسك بروح المرونة والمرح مع من يحاوره لتلطيف بيئة الحوار، وتقليل التوتر خلالها، ومراعاة اللباقة بأن يقول أصعب الأشياء وأقساها بأرق العبارات وأحلاها، مع الحفاظ على رباطة الجأش والهدوء عند تبادل الآراء في أثناء الحوار، والتأكيد في الختام على الأشياء والأفكار التي يريد تثبيتها، مع التفريق بين الفكرة وصاحبها بتناول الفكرة بالبحث والتحليل أو بالنقد والنقض بعيدًا عن الأمور الشخصية.
وأخيرًا ينبغي أن يستقر في ذهن المحاور ألا يستأثر بالكلام، أو يطيل في الحديث ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والذوق الرفيع.