|
باسمة يونس:
ليس صحيحـا أن الناس لا يقرؤون
القصة المشوقة والمعبرة يتابعون قراءتها حتى النهاية ولو استغرقت أيامًا وأسابيع. |
• أبو ظبي: أهلاً وسهلاً
باسمة يونس كاتبة إماراتية، تكتب الرواية والقصة والمسرحية، عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ترفض مقولة أن الناس لا يقرؤون، وترى أن الأعمال الجيدة والتي تكتب بلغة جيدة ومشوقة يتابعها الناس بشوق ولهفة.
|
|
|
|
تتنوع كتابات الكاتبة الإماراتية باسمة يونس بين كتابة القصة، والرواية، والمسرحية، والأعمال الدرامية، وحصلت على اثنتي عشرة جائزة، ماذا يعني كل هذا بالنسبة لها؟ وهل هي راضية عما حققته؟
كتابة القصة والرواية والمسرحية والدراما، جميعها تعني حياتي ومفرداتها، ذلك أنني أعيش لأكتب، وهي الحقيقة التي لم تتبدل طوال حياتي ولن تتبدل أبدًا، والجوائز التي حصلت عليها هي شهادات التقدير لما أعمله، وتحقق لي شيئًا من الرضا عن نفسي لكنها لا تصنع الرضا الذي يجعلني أتوقف عن التفكير في الكتابة والاستمرار في خوض عالمها.
القصة القصيرة
القصة القصيرة في الإمارات وفي العالم العربي، هل هي كاملة الأوصاف، أم ينقصها شيء ما؟
القصة القصيرة لم تكتمل أوصافها ذات يوم ولن تكتمل، فهي إن وصلت إلى حد المثالية أو الكمال فسوف تنتهي، وهذا ما يحدث مع أي شيء يكتمل في العالم، حتى البناء الفاخر والأجمل لا بد أن يتحول إلى مجرد بناء بعد إنجازه، وسيبدأ صاحبه في النظر إليه على أنه لم يكن ما يطمح إليه ويرغب فيه. والقصة القصيرة، أجمل ما فيها أنها تتغير، وتتنقل برشاقة بين عدة مدارس وفنون وأساليب في كتابتها، وتظل أحكام فنياتها مثل المركز الذي يقيدها إليه، لكنه لا يحرمها من التمتع بالانطلاق والحرية الكاملة.
الأدب النسائي
كيف تنظر باسمة يونس إلى النتاج الأدبي النسائي في الإمارات؟ وإلى أين وصلت المرأة الإماراتية المبدعة؟
النتاج الأدبي النسائي في الإمارات جيد ومتنوع، لكنه بشكل عام مقصر ولا يزال أقل مما يجب حتى القضايا التي يعالجها هي قضايا تعيشها أغلب نساء المجتمعات ولا تتخطى القضايا المجتمعية العادية، المرأة قادرة على البوح بأكثر من حكاية وشعور، لكن هناك أشياء كثيرة تجعلها محجمة عن الكتابة، أو لا تمنحها تلك الانطلاقة التي ترغب فيها.
والمرأة في الإمارات لا تحتاج إلى القصة لكي تطلق من خلالها صوتها، لأن لديها أكثر من ميزة تعيشها، فقد وصلت إلى أعلى المناصب وحققت أهم الإنجازات بدعم من القيادة والحكومة. ولا يخفى عليك أن أكثر الكتابات الأدبية تكون عبارة عن شرفات حرية تطلق عليها المرأة وحتى الرجل أجنحة البحث عن مفتاح يكسر القيد.
القصة الإماراتية
هل من تطورات طرأت على القصة الإماراتية خلال السنوات العشر الماضية، من حيث ابتكار طريقة جديدة للكتابة، ومن حيث التناول وأسلوب المعالجة؟
لم تطرأ على القصة الإماراتية تطورات ملموسة، والقصة لم تتطور بشكل عام في العالم كله، ربما لأن القصة يجب ألا تتطور إلى حد يخفي معالمها أو يغير شكلها الذي نعرفها فيه، وهناك محاولات لكتابة القصة القصيرة جدًا، والتي لا تتجاوز بضعة سطور، ولكن تبقى هذه المحاولات غير معممة أو لا تستقطب الكثيرين، أو لنقل لا يكتبها إلا القادرون بالفعل على مزج كلمات السطرين بحكاية طويلة، لأن القصة لها متعة خاصة بها، وهي قراءة تصاعدية تجعل القارئ يعيش مع الحدث ويصعد وإياه، ثم لا يلبث أن يكتشف ما يراه من خلف القمة التي وصل إليها.
وأهم شرط في كتابة القصة القصيرة وغيرها من الآداب وحتى في الفنون هو الموهبة، ولو لم تكن هناك موهبة فليس هناك عمل إبداعي، ويلي ذلك بقية الشروط الأخرى التي تزيد أو تقل، لكن الموهبة أساس وتمكن القاص من معالجة الحكاية بين ضلعي قصة قصيرة يضمن موهبته.
ماذا يحتاج الروائي؟
المكان: هل هو حاجة ضرورية للروائي؟ المكان ليس بعزلة جغرافية، وإنما بعزلة روحية حتى يتأمل ويستعيد الشخوص والأحداث وتحليلها وتركيبها، ومن ثم ضخها على الورق، فما رأيك؟
يحتاج الروائي إلى مكان يصنع منه أحداثه ويعيش فيه مع شخصياته، ولكن ليس من الضروري أن يكون منعزلاً عن الحياة، فالروائي أحيانًا يكتب قصته وهو جالس في مقهى، ليس بالضرورة أن يحمل قلمًا وورقة ويسجل كل ما يمر به أو يرسم كل شخصية يلتقيها أو يراها، بل يكتب في رأسه ومخيلته ما يراه. وفي أحايين كثيرة، يأتي المكان بالفكرة دون تدخل من الكاتب، فتراها تضع نفسها بين يديه وتجعله، حينما يبدأ بالكتابة، جاهزًا لتفاصيل الأحداث وكل ما رآه، وبدأ ينقله على الورق.
الروائي.. والمتلقي
فنية الرواية وجماليتها هما حلقة الوصل بين الروائي والمتلقي، وعليهما يتوقف نجاح تلك العلاقة أو فشلها، ماذا على الروائي أن يفعل حتى ينجح في تحقيق التوازن داخل تلك العلاقة ويجعل القارئ يعيش اللحظات الحلوة والمرة: يغمض عينيه، ويمضي مع خياله إلى آفاق بعيدة؟
اللغة أولاً، لغة الروائي هي التي تشد القارئ وتعلقه بالرواية، في رواية «قصة حب مجوسية» مثلاً، لم ينفتح عبدالرحمن منيف على كثير من الشخصيات، وكان الحدث واحدًا، والتفاصيل الصغيرة التي صنعت الحكاية كانت تدور من وجهة نظر البطل، لكن قدرة عبدالرحمن منيف على الرواية بسهولة وانسيابية جميلة، تجعل القارئ مشدودًا لمعرفة النهاية. فالكلمات وصياغة العبارات، ووضوح الفكرة، وكيفية التلاعب بالحوارات والألفاظ والأوصاف هي التوليفة التي تجعل القارئ يعيش مع الرواية عالمًا من الخيال، ولربما تكون مخيلة القارئ في التقاط الفكرة تصنع قصة أجمل مما كتبها الروائي.
عقل القارئ
هل الرواية في الوقت الراهن قادرة على الاحتفاظ بالقارئ المثابر على القراءة التي قد تمتد لأيام؟
بالطبع، وليس صحيحًا أن الناس لا يقرؤون، يكفي أن تضع بين أيديهم رواية فيها قصة مشوقة بأسلوب ذكي، ولغة جميلة ومعبرة، ستجدهم يقرؤونها بل ويتابعون قراءتها حتى النهاية ولو استغرقت أيامًا وأسابيع. وفي أحيان كثيرة تسرق الرواية بحكايتها تفكير القارئ وعقله إلى درجة تجعله يحكي عنها أينما حل، بل ويحملها معه كي يصل إلى النهاية. وحينما ينتهي منها يبدو كمن يتمنى لو أنها كانت أطول، أو لو كان يمكنه الاستمرار في قراءتها لسنوات!
المسرح الإماراتي
ماذا قدمت الحركة المسرحية الإماراتية حتى الآن؟
المسرح قديم في الإمارات، وكان له رواده وعشاقه، ولا زال المسرح ذا مكانة عالية بين الإماراتيين، لأنه جزء من التاريخ. وفي الإمارات كثير من المسرحيات التي قدمت خصوصًا من خلال أيام الشارقة المسرحية، الذي يدعم المسرح بشكل هائل ويتابع حضوره، ويؤكد ضرورة الاهتمام به. وقد تبرز إحدى المسرحيات عن سواها خلال فترات، لكننا لا نزال بحاجة إلى الكثير من الاشتغال على المسرح والمسرحيين، لكي نطمئن إلى وصوله إلى المستوى الذي نطمح إليه.
والمسرح الإماراتي له وضع جيد بين المسارح الخليجية، كانت الكويت هي المتفردة في مجال المسرح، لكنها تفردت في المسرح التجاري ولم تقدم أعمالاً يمكن القول عنها إنها تضاهي أعمال المسارح العالمية حتى اليوم، على الرغم من كفاءة الممثلين فيها والاهتمام الواسع بالمسرح. أما في الإمارات فالمسرحيات التي تقدم هنا أغلبها تميل نحو التراث والمسرح الشعبي وتغوص في مفرداته.. والإماراتي يعتز كثيرًا بوطنه ويفخر بنتاجه وتراثه، وهو ما يجعل المسرح يهتم بهذه القضية التي يعيشها كل إماراتي، وهي حب الوطن والفخر بهويته الوطنية. وقد كتبت العديد من المسرحيات التي تتداول القضايا الشعبية التي تحكي عن المرأة في فترة سابقة مثل مسرحية «بنات النوخذة»، و«مساء للموت»،، وكذلك القصص القصيرة التي تعالج أكثر من قضية مجتمعية إماراتية، والبيئة الإماراتية تحمل الأصالة العربية بشكل واضح ومميز، فالإماراتي كريم وشهم ومحب ومساعد للآخرين.. وفي قصصي أجدني محبة ومسالمة وكريمة مع الشخصيات ومع المواقف.
قصص.. وقضايا
ما سبب تراجع القراء العرب عن الأجناس الأدبية، هل لغلاء الكتاب، أم إلى تدني مستوى التعليم بين أبناء الشعب العربي، أم لأن القارئ لا يجد في القصة والرواية تعبيرًا عن همومه ومشاكله وقضاياه؟
جميعها أسباب جيدة وصحيحة لتبرير حالة عامة ليست موجودة فقط في المجتمع العربي، ولكننا لا نسمع عنها كثيرًا في الغرب لأسباب أخرى. الفاجعة التي سمعنا بها مؤخرًا عن نسبة الأمية في العالم العربي تعيدنا إلى الوراء آلاف السنين، وتجعلنا نخجل حتى من القول بأننا نتطور تقنيًا، بينما هناك أمية منتشرة بيننا والروايات التي تكتب اليوم، أصبح أغلبها يتعمد الإثارة من خلال طرح قصص وقضايا لا تشكل ظاهرة في المجتمع، بل ربما تكون قصة منفردة تنتمي لكاتبها فقط.
وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه أغلب الكتاب حينما يلتقطون ظواهر نادرة ويعززونها في الكتابة، الناس في المجتمعات يرغبون في قراءة مشكلاتهم، وكل منهم يعتبر نفسه صاحب أكبر قضية، والرواية تسهم في معالجة هذه المشاعر والأحاسيس كما يفعل الأطباء النفسيون مع مرضاهم. لذا فإن الكتابة بلغة واضحة وقضية مطروحة ومعالجتها ببراعة تعيد القراء للكتب، وتضعهم أمام صفحاتها دون تردد.
اللغة العربية
ما اللغة التي تفضلها باسمة يونس عند الكتابة القصصية والروائية؟ وهل تجعل من اللغة بطلاً في أعمالها؟
العربية الفصحى ولغة الحوار التي تتلاءم مع كل شخصية بحسب موقعها في الرواية أو المسرحية، وكتبت مسرحية «مساء للموت» بالعربية الفصيحة واللهجة الشعبية بحيث جعلت الأبطال يتحاورون بالشعبي، بينما يردد الكورس المرافق لهم كلماته بالعربية الفصيحة. لكنني أفضل اللغة العربية الفصيحة لأنني أؤمن بأن اللغة هي البطلة دائمًا بالنسبة لي، وأحب دائمًا أن تكون الإشادة بأعمالي تلتفت نحو لغتي أكثر من أي شيء آخر فيها.
الأعمال الأدبية
كمنتجة للنص القصصي والروائي والمسرحي، هل لباسمة يونس غنى عن فعالية النقد؟
ليت النقد يتواصل مع الأعمال الأدبية، فنحن جميعًا لا نستغني عنه، ولابد من القول بأن العمل الأدبي الذي لا يحظى بنقد يقف موقفين، فهو إما أن يكون عملاً مثاليًا لا يمكن نقده، لأنه استكمل جميع الشروط، والفنيات، والمواصفات اللازمة لبنائه، وهذا غير صحيح ولم يحدث ولن يحدث أبدًا، أو يكون عملاً رديئًا سيئًا إلى درجة أن النقاد أنفسهم لا يستشعرون وجوده، ولا يفكرون في إضاعة أوقاتهم في انتقاده أو التعبير عنه! وهو ما يجعلنا نكرر القول بأن النقد حاجة ماسة ومطلوبة، وبدونه هناك معاناة حقيقية في قياس درجة تأثير المشهد الثقافي وتأثره بأي تطورات حاصلة!
النص الأدبي
هل النقد يسير خلف النص الأدبي، أم النص الأدبي يسير خلف النقد؟:
تختلف الحالات باختلاف النصوص، فالنقد الذي يكتب عقب انجاز النص يسير خلفه والنقد الذي يأتي لكاتب لم ينشر نصه بعد، يمكنه أن يجعله يسير بنصه خلف النقد الذي وصله وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون النقد هو التحليل الواضح للعمل الأدبي ومحاولة دعمه وتبين الهنات التي وقع فيها لا مجرد محاولة لتحطيم الكاتب أو تقريعه لأنه كتب نصًا لا يوافق عليه رأي أحد النقاد.