زيارة ميدان الخيل
• بقلم: محمد سعيد المولوي
• رسوم: ريم العسكري
قال الأب: يا أبنائي سيقام اليوم بعد الظهر في المدينة مهرجان ضخم هو مهرجان استعراض الخيل، وأنا أحب الخيل وأحب زيارة هذا المهرجان، فمن منكم يريد مصاحبتي؟ وصاح الجميع أنا يا بابا، وقال الأب: سنذهب جميعًا إن شاء الله.
صلى الجميع صلاة العصر، وركبوا السيارة متجهين إلى مكان المهرجان، وحين وصلوا إلى ميدان الخيل كان المكان يعج بالقادمين، والزحام شديدًا، ولا يكاد المرء يستطيع السير، وبصعوبة وجد الأب لنفسه ولأولاده أمكنة جلسوا فيها.
نظر الجميع إلى ساحة الميدان فإذا مجموعة من الخيول تحوص يمنة ويسرة، ويمنعها من الانطلاق أرسنتها، فقد كان كل سائس يمسك برسن حصان ويمنعه من الجري. وبدأ استعراض الخيول وكان السائس يمضي إلى منتصف الميدان ثم يرخي لحصانه الحبل فينطلق الحصان في دائرة مركزها السائس وقطرها الحبل الطويل ما بين يد السائس ورأس الحصان، وعيون الحاضرين تتابع الحصان في حركته وجسمه وقد ملأ الإعجاب والسرور قلوبها، وهكذا كان حصان يذهب ليحل آخر بدلاً منه. وقال الأب: يا أولادي هذا العرض ضروري كي يتعرف الناظر إلى خصائص الخيل المعروضة وميزاتها، واعلموا أن الحصان العربي صديق ورفيق وأليف العربي منذ ثلاثة آلاف سنة، فالعربي يحب حصانه والحصان يحب العربي. وقد بلغ من اهتمام العرب بالخيل أن العرب تفردوا بين الأمم بأنهم حافظوا على أنساب الخيل، وألفوا الكتب فيها، وسجلوا صفات الخيل الجيدة التي تجعل الحصان أصيلاً، وذكروا الصفات السيئة التي تهبط بالحصان عن مرتبة الأصالة والجودة. ولقد كان من الصفات النبيلة والممدوحة في الحصان أن يكون صغير الرأس، منتصب الأذنين، كبير فتحتي الأنف، ويفضل من كان ذا عينين واسعتين سليمتين براقتين، وفم صغير، ورقبة طويلة، وصدر مرتفع، وأرجل دقيقة، وحوافر صغيرة مدورة، وبطن ضامر، ومؤخرة عالية، وخاصرتين ضامرتين، وغرة بيضاء في الجبهة.
أما الصفات السيئة للحصان غير الأصيل فهي بطء الحركة، وكبر الرأس، وارتخاء الأذنين، والبطن الكبير، ومثل هذا الحصان يستعمل في الركوب أو حمل الأثقال، أو جر العربات.
انتهى استعراض الخيول الدائري، وبدأ استعراض هياكل الخيل وسيرها ونشاطها وقسمات أجسامها، وراح كل سائس وقد أمسك برسن الحصان من قرب رأسه يجري بفرسه، والفرس يختال يمنة ويسرة، ويحاول أن يحرر نفسه من يد سائسه بالانطلاق إلى الأمام. كان المنظر في غاية الروعة والجمال، واندفع الحاضرون إلى التصفيق الشديد والبسمات تعلو وجوههم، وأحس الجميع بالفخر بالحصان العربي وصفاته النبيلة.
ثم بدأ استعراض قدرة الخيل على القفز من فوق الحواجز، وسرعان ما نصبت الحواجز ذات الارتفاعات المختلفة في الساحة، وبدأ الفرسان يقفزون من فوق الحواجز بخيولهم بكل خفة وبراعة، وبين لحظة وأخرى يعلو صوت تصفيق المشاهدين من شدة الإعجاب.
وحين انتهت الخيل من القفز أزيلت الحواجز، ثم أنزل حاجز كبير وطويل فيه فتحات عديدة ووقف وراء كل فتحة فارس على فرسه وقد استعدت الخيل للانطلاق، وأطلقت رصاصة فانطلقت الخيل تعدو بفرسانها في سباق عنيف والفرسان تحثها على السرعة، فهذا فرس يتقدم فترة ثم يتقدم عليه فرس آخر، ثم يتجاوزهما ثالث، وهكذا والمشاهدون يشجعون الفرسان حتى وصل الفارس الفائز بفرسه إلى خط النهاية وعاد مزهوًا بنفسه والفرس يتصبب عرقًا ويختال يمنة ويسرة حتى وصل إلى المنصة الرئيسة، وتعالى التصفيق والهتاف، وتقدم راعي المهرجان فقدم للفارس كأسًا من الفضة، وقلَّد الفرس قلادة جميلة، وقال الأب: انظروا يا أولادي إلى الحصان وسترون أنه فخور بنفسه وبفوزه، وهو يرفع رأسه مزهوًا.. ولا عجب في ذلك، فإن الحصان أذكى الحيوانات على الإطلاق.