صحة


بين سعادة الإنسان وتعاسته
المزاج.. والشخصية
نشاط الفرد يتبع مزاجه وحسب الانفعالات التي يمر بها.

 

• خديجة محمد عجاج

المزاج أو المزاجية قد تجلب إلى الإنسان السعادة أو التعاسة على حسب تحسن مزاجيته والظروف المحيطة به. والمزاج ظاهرة مميزة لطبيعة الفرد في الجانب الانفعالي من شخصيته التي تضمن قابلية الاستثارة الانفعالية، وقوة استجابته وسرعتها بما يحقق حالة من التكيف الاجتماعي مع المحيط الذي حوله، ويعزز شخصيته نحو الأفضل.

Mood_Personality1
  • المزاج أساس انفعالي ثابت إلى حد ما يختلف باختلاف الحالة العقلية

  • ظاهرة ذات طابع خاص متميز في طبيعة الفرد الانفعالي، تشمل سرعة تأثره بالتحفز الانفعالي

  • يمكن للمزاج كما هي الحال لبنية الجسم، والذكاء أن يتغير ضمن حدود معينة، عن طريق التأثيرات العلاجية والجراحية، والغذائية

يقول د.عبدالحسين رزوقي مجيد الجبوري، أستاذ مساعد الصحة والاختبارات النفسية في جامعة بغداد: في عصر النهضة اعتمد سلوك الإنسان على توازن الأمزجة أو عدم توازنها، والمتمثلة في المزاج البلغمي، والدموي، والصفراوي، والسوداوي. وكل مادة من هذه المواد موجودة في جسم الإنسان، ولكن إذا هيمنت مادة من هذه المواد على الأخرى فإن مزاجه سوف يتأثر حسب طبيعة تلك المادة.

طبيعة الفرد
والمزاج هو ظاهرة ذات طابع خاص متميز في طبيعة الفرد الانفعالي، تشمل سرعة تأثره بالتحفز الانفعالي، وسرعة قوة استجابته التي ألفها، ونوعية مزاجه الحالي، وجميع خصوصيات التذبذب في المزاج وشدته، إذ تعتمد هذه الظاهرة على التكوين الوراثي. وعلى الرغم من أن هناك افتراضًا مفاده أن المزاج لا يتغير بدءًا من الولادة حتى الموت، إلا أنه يمكن للمزاج كما هو الحال لبنية الجسم، والذكاء أن يتغير ضمن حدود معينة، عن طريق التأثيرات العلاجية والجراحية، والغذائية، فضلاً عن طريق التعلم والخبرات، وهناك حقيقة مفادها أن عدة مستويات تكوينية، وكيماوية، وعصبية، تمنح للفرد منذ الولادة، وتصبح سمة لشخصيته، وأن التبدلات والتغيرات التي تطرأ له ممكنة، ولكنها محدودة.

الغدد الصماء
ويعتقد قديمًا أن المزاج يعود أصله إلى الوراثة، وأن الأخلاط الأربعة الموجودة في الجسم والغدد الصماء، وبنية الجسم هي التي تقرره، إلا أن هناك دليلاً معاصرًا يقول إن مزاج الشخص يتأثر بالتعلم إلى حد كبير.
ويضع كل من «باس وبلومن» ثلاثة افتراضات لتكوين المزاج، الأول يرى أن الأطفال يبدؤون حياتهم بعدد من استعدادات الشخصية الموروثة، وتكون هذه الميول الفطرية واسعة، وهي تؤكد بشدة أشكالاً مختلفة من سمات الشخصية. أما الافتراض الثاني فيرى أن الاستعدادات الموروثة تحدد الكثير من الفروق الفردية في الشخصية، أي أن بعض التصرفات ترجع بالدرجة الأولى للوراثة، بينما الافتراض الثالث يرى أن الميول الموروثة الواسعة تقوم البيئة بتدعيمها، وتحويرها.

المزاج.. والشخصية
وقد تأثر علماء الشخصية في رسم العلاقة بين المزاج والشخصية بنظرية الفعل، والنشاط، والتي تقدم بها توماسسكي (Tomaszewaki) التي هي في الواقع امتداد لوجهات نظر فيجوتسكي (Vegotsky).
فالشخصية تعد النظام المركزي الذي ينظم النشاط الذي يقوم به الفرد، وتعمل على تكامله، فضلاً عن إنها مجموعة من الآليات التنظيمية المناسبة التي تتشكل في أثناء قيام الفرد ضمن سياقات وبيئات تاريخية اجتماعية معينة. ومن هنا تتضح العلاقة، وذلك بأن نشاط الفرد يتبع حسب مزاجه، وحسب الانفعالات التي يمر بها.

الشعور بالسعادة
إن شخصية الفرد تتأثر بنوع الانفعالات التي يتعرض لها، وبهيمنة استعدادات انفعالية لنمط معين متميز أو مزاج سائد، فمثلاً التوجس الذي يبديه الفرد لموقف معين يدل على حالته المزاجية من عدم الارتياح، بينما في موقف آخر فيه نوع من الرضا، والشعور بالسعادة فإن حالته المزاجية تميل إلى الابتهاج.
ولا شك أن البيئة بوسعها أن تعدل المزاج، ولكن هناك عددًا من القيود. فأثر بيئة معينة يعدل جزئيًا من المزاج.. وعلى المدى البعيد الضغط الشديد من البيئة لا يمكن أن يغير جذريًا من الاستعداد الطبيعي الوراثي للمزاج، وهذا ما جعل علماء النفس يركزون على الجوانب المعرفية، ومنها الذكاء، أكثر من الاهتمام بالجوانب الانفعالية ومنها المزاج. وكان الذكاء هو السمة التي شغلت اهتماماتهم البحثية في تناول ظاهرة الفروق الفردية وقياسها.

سلوك الفرد
والنظرة الحديثة للمزاج، كأساس انفعالي للشخصية، تجعل الفرد متميزًا بذاته، وهو لا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا اختلف عن الآخرين في أساليب استجاباته وحالته الانفعالية، ودوافعه وميوله التي تتضمن قياس سلوك الفرد من خلال تصرفاته المتكررة اليومية، والتي تميزه عن غيره من الأفراد في المواقف العادية، فهناك أفراد بطبيعتهم يميلون إلى الانطواء في حين بعضهم الآخر يميل إلى الانبساط، وإظهار الذات في المواقف العادية التي تخلو الظروف والبواعث الاستثنائية بالنسبة لهذا الفرد، لأن ما يبدو أنه نموذج من سلوكه اليومي.
أما الذكاء فإنه يمثل أقصى الأداء يتحدد فيما يمكن أن يقوم به الفرد في المواقف التي تحتاج إلى حل المشكلات الذهنية المختلفة التي تواجه الفرد، والتي يتعين فيها استخدام ذكائه، وقدراته المختلفة.Mood_Personality2

التنظيم المعرفي
والتكوين النفسي للفرد يشمل التنظيم الانفعالي الذي يزود ه بغايات السلوك ودوافعه، والذي يعتمد على الحالة الانفعالية بينما التنظيم المعرفي للفرد يتعلق بطرق تحقيق هذه الدوافع، وتكون وظيفة النشاط العقلي هي خدمة دوافع الفرد ورسم طرق تحقيقها، وإشباعها التي غالبًا ما تتأثر بتكوين الفرد، وكلما كان هذا التكوين معقدًا كانت السبل أمام تحقيق تلك الدوافع متغيرة ومتعددة.

الحالة العقلية
وينظر إلى المزاج على أنه أساس انفعالي ثابت إلى حد ما يختلف باختلاف الحالة العقلية، ويماثل حالة الجسم في مختلف أوضاعه، والتغيرات الانفعالية التي ترتبط بما يواجه الفرد في حياته، والتي تطلق عليها المنظومات المزاجية التي تتضمن أساليب النشاط الانفعالي النزوعي التي تفسر بالدوافع المختلفة،ويظهر هذا التنظيم في ميول الفرد، ورغباته، وسماته المزاجية.

التأثير الانفعالي
والنشاط الانفعالي وتأثيراته يتوقف على أمرين: أولهما الموقف والآخر الفرد وحالته الجسمية، والعقلية. فالاستعداد للتأثير الانفعالي يختلف من فرد إلى آخر، ويختلف في الفرد الواحد من وقت إلى آخر، وذلك حسب عوامل بعضها فطري دائم، وبعضها مؤقت. فالفرد في حالة التعب أو الراحة والمرض، أو الصحة، والمرح أو الاكتئاب، نجده أكثر استعدادًا بطريقة معينة عنه بطريقة أخرى. ويتوقف الاستعداد للتأثير الانفعالي إلى حد كبير على الحالة الغدية، والعصبية، والشخصية، وعلى ما يجري في الجسم من عمليات الهدم، والبناء، والعمليات الكيماوية المختلفة، وهذا الجزء من الاستعداد يطلق عليه المزاج.

الحالة المزاجية
وحينما نصف شخصية الفرد نقول إنه سريع الانفعال أو بطيء الانفعال، أي أننا نصف مظاهر حياته الانفعالية وطريقة سيرها.. وهذا ما نسميه «الطبع» (Temper)، كذلك يحدث أن يبدأ الواحد يومه منقبضًا، ويستمر انقباضه مدة طويلة، كذلك نراه مرحًا، أو غاضبًا، أو مشمئزًا، ثم نراه يستمر لمدة طويلة حتى بعد زوال أسباب هذه الظاهرة تسمى «حالة مزاجية» (Mood). ويختلف المزاج عن الحالة المزاجية، إذ إن الحالة المزاجية تكون نمطًا انفعاليًا وقتيًا، في حين يكون المزاج مستمرًا، ويكون الطريقة المُميزة للفرد في توافقه مع الحياة، فالفرد الذي لديه استعداد للابتهاج، أو يكون مبتهجًا حسب مزاجه يستجيب بطريقة قابلة أن يُتنبأ بها.

علاج الحالات المزاجية بالرياضة

لعلاج الغضب: المشي ببطء، فهو من أفضل الخيارات للتغلب على نوبة الغضب، لإخراج النَّفَس والقيام بالزفير والذي تتضاءل معه حدة الغضب تدريجيًا، ويمكنك اصطحاب أحد أصدقائك معك، ولكن إذا أردت مزيدًا من التنفس فمن الأجدى أن تكون بمفردك، والتمارين الممنوعة والتي تزيد من ثورة الشخص: السباحة، وركوب الدراجة.
لعلاج عدم تقدير الذات: أي نشاط رياضي مع مدرب، ومراعاة عدم القيام بأي تمارين فردية، لأنها تزيد من الإحباط، ذلك أن دخول الشخص في علاقة مع مدرب من خلال النشاط الرياضي هي علاقة مرجعية يحصل فيها الشخص على نتائج تكون دافعة له وتعني الإحراز، وبالتالي ارتفاع شأنه وقيمته، وذلك من خلال الأهداف التي يضعها المدرب للشخص.
لعلاج الإحباط: عندما يكون الجو ملبدًا بالغيوم، وتكتسب الأشياء لونها الرمادى فاعرف أنك محبط، وعليك بالجلوس مع الأصدقاء على الفور لرفع روحك المعنوية من خلال ممارسة الأنشطة الرياضية.
لعلاج القلق: أي نشاط رياضي يتطلب مجهودًا مثل التمارين التأملية: اليوجا، وتمارين النَّفَس، أيضًا ركوب الدراجة، أو السباحة في حمام سباحة به ماء ساخن لإرخاء الجسد والعقل.

الطاقة الانفعالية
إن المزاج يبنى على ما لدى الفرد من الطاقة الانفعالية التي يتزود بها من بداية طفولته، والتي تعد أساسًا وراثيًا. ويمكن أن تلاحظ الحالة المزاجية للفرد في طباعه، ومشاعره، ونوع انفعالاته أو بطئها.
ولما كان المزاج يحدد سلوك الفرد فإن هذا السلوك هو الأداء الذي يعطينا ما نريد، ويتغير نتيجة محاولته في إحداث التوافق أو التكيف في البيئة ومواجهة الظروف الجديدة.

اختلاف الأفراد
والمزاج الذي ولدنا به يترك في كل فرد حاجة يجب أن يتم إشباعها يوميًا كما يترك أثره، وبصماته على كل فعل من أفعالنا، ويجعل هذه الأفعال مميزة لهذا الفرد دون غيره. ويمكن ملاحظة هذه الأفعال في حياتنا اليومية واختلاف الأفراد فيها.
ويرى فيلب فرنون (Vernon) أن المزاج يتأثر بعوامل بيئية كثيرة كمعاملة الوالدين، إلا أنه لا توجد فروق واضحة في المزاج بين الأطفال. ويذكر مورينو (Moreno) أن الطبيعة لن تمكن الطفل أن يأتي لهذا العالم دون مزاج، ودون شكل، بينما يرى بروفنس (Provenc) أن المزاج يتم تعزيزه لاشعوريًا في أثناء فترة الطفولة.
وحينما ترتبط الصفة بالوراثة ارتباطًا كثيرًا كانت أقل قابلية للتعديل والعوامل الأساسية للشخصية، وهي الناحية الجسمية، والذكاء، والمزاج تتقرر بالوراثة، ولا تتأثر إلا قليلاً بالظروف التي تلي الميلاد.

النشاط النفسي
ولكن الإنسان بنشاطه ليس بيولوجيًا فحسب، وإنما هناك نشاط آخر لا يقل أهمية عنه وهو النشاط النفسي. وحينما ينظر الباحثون إلى الإنسان نظرة كلية شاملة ويعدونه وحدة واحدة لا يتجزأ بوصفه وحدة بيولوجية، ونفسية، واجتماعية، فإن هذا التصور يحتم على من يدرس النشاط النفسي للإنسان وما يعتريه من حالات التغير والاتزان أن يأخذ في الحسبان هذا التصور.
وحينما يتناول باحث، ما، الجانب البيولوجي، والجانب النفسي في سلوك الإنسان لا يمكن أن يفصل بينهما في الواقع، إذ إن ما هو بيولوجي يؤثر بما هو نفسي والعكس صحيح. وإذا كان النشاط البيولوجي أمرًا لا مفر منه للإنسان فإن النشاط النفسي يعد، أيضًا، كذلك.
إن أنماط سلوك الفرد وشخصيته تحدد بيئته المادية والاجتماعية التي تؤثر فيه ويتأثر بها. وهذا التفاعل الديناميكي يعود إلى عدة عوامل بعضها يرجع إلى مقومات حالته السلوكية، وتعد شخصية الفرد المحصلة النهائية لهذا التفاعل، ولذا تكون المصدر الرئيس لجميع المظاهر النفسية.