أمة اقرأ
التعليم عند المسلمين
يعد التعليم في المنظور الإسلامي أحد المرتكزات الأساسية في أمن المجتمعات ورقيها.
• أ.د.حسن عبدالغني أبوغدة
كلية التربية، جامعة الملك سعود
ليس من دين ولا نظام ولا قانون حث على العلم والمعرفة ورغَّب فيهما كما فعل الإسلام، وكثيرة هي الآيات والأحاديث الداعية إلى طلب العلم والمرغِّبة فيه. على أن دعوة الإسلام إلى ذلك باعثها رقي الإنسان، وتكريمه، وازدهار حياته، وغايتها خشية الله، تعالى، وتعظيمه.
وأول آية نزلت من القرآن الكريم فيها الدعوة إلى العلم، أيًا كان نوعه، دون أن تحدَّ ذلك سن معينة أو مرحلة دراسية يقف عندها طالب العالم. قال الله تعالى: }اقرأ باسم ربك الذي خلق{. الآية: 1 من سورة العلق. وفي آية أخرى: }وقل رب زدني علمًا{. الآية: 14 من سورة طه. وفي آية ثالثة: }قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون{. الآية: 9 من سورة الزمر.
|
|
|
|
يلاحظ أن في هذه الآيات الثلاث وغيرها إشارات إلى وجوب تنمية الفكر والثقافة بالعلم والمعرفة، وذلك بالتعليم والتثقيف المستمر، وهو ما ينادي به اليوم رجال التربية والتعليم والإعلام، ويعدونه سببًا مهمًا في رقي المجتمعات وتقدمها، وقد أكد هذا المعنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «كلُّ يوم لا أزداد فيه علمًا يقربني إلى الله تعالى، فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم». رواه الطبراني وأبونعيم.
التعليم أمن ورقي
يُعد التعليم في المنظور الإسلامي أحد المرتكزات الأساسية في أمن المجتمعات ورقيها، حيث تمثل المعرفة السليمة، والتنشئة القويمة، خطوط الدفاع الأولى عن أمن المجتمع، واستقراره، وازدهاره، والعكس صحيح أيضًا، خصوصًا في عصر العولمة هذا، الذي تضاعفت فيه المشكلات وكثرت فيه التحديات، قال الله تعالى: }إنما يخشى الله من عباده العلماء{. فاطر: 28. وفي آية أخرى: }قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون{. الزمر: 9.
ولا تزال الدراسات التخصصية المعاصرة تؤكد أن المجتمعات المتدينة والمجتمعات المتعلمة أقل نسبة من حيث عدد الجرائم، وأنه كلما انتشر الجهل، والأمية، والخرافات، وغاب التدين الواعي، كثرت الجرائم، وشاع الانحراف، وازدادت أعمال العنف، وعمَّت الفوضى، وتزايدت حالات التناكر الاجتماعي.
وبناءً على ما سلف من المحفزات الإسلامية والحقائق الفطرية والعلمية، أقبل المسلمون على طلب العلم والمعرفة ينهلون منهما ويعلمونهما الناس، دون أن يفرقوا بين التخصصات الإنسانية والتطبيقية، ومن المراحل التي أولوها عنايتهم ورعايتهم، ما يعرف اليوم بالتعليم الابتدائي أو «التعليم الأساسي».
بداية فكرة التعليم الابتدائي
أولى النبي، صلى الله عليه وسلم، اهتمامه بالتعليم الأساسي «الابتدائي» في السنة الثانية للهجرة، وهو وقت مبكر جدًا في تاريخ نشأة الدولة الإسلامية، ويدل على هذا ما رُوي أن أناسًا من الأسرى في معركة بدر، التي حدثت في السنة الثانية للهجرة، لم يكن لهم مال يفتدون به أنفسهم، فجعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فداءهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة، وكان ممن تعلم منهم زيد بن ثابت، أحد حفظة القرآن الكريم وكُتَّابه.
ولم يكن اهتمام النبي، صلى الله عليه وسلم، مقتصرًا على تعليم الذكور فقط، بل كان للإناث نصيب وافر من ذلك، فعن الشفاء بنت عبدالله القرشية أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل عليها وهي عند زوجته حفصة فقال لها: «ألا تعلمين حفصة الكتابة كما علمتيها رقية النملة». رواه أحمد وأبوداوود.
نشأة التعليم الابتدائي
تشير الروايات التاريخية إلى أن نشأة التعليم الابتدائي بشكل منظم منضبط، إنما حدثت في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث وجدت «الكتاتيب» في عهده وانتشرت، وهي تماثل المدارس الابتدائية في عصرنا الحاضر.
وما يروى في هذا الصدد أن أطفال «الكتاتيب» في المدينة المنورة، خرجوا إلى ظاهرها يوم خميس، لاستقبال عمر أمير المؤمنين عند عودته من رحلة فتح بيت المقدس، فأصاب هؤلاء الأطفال عناء وتعب من السير على الأقدام في الذهاب والإياب، فأشار عمر، رضي الله عنه، على معلميهم ألا يذهب إلى «الكتاتيب» في يوم غد الجمعة، ثم صار الأمر بعدئذ عادة متَّبعة في أن يكون الجمعة يوم راحة وإجازة لعامة المشتغلين في إدارات الدولة.
انتشار الكتاتيب في البلدان الإسلامية
انتشرت الكتاتيب انتشارًا كبيرًا في العواصم، والمدن، والأرياف الإسلامية، فما من مكان فتحه المسلمون، إلا وأنشؤوا فيه كتاتيب ومدارس لتعليم أولادهم الذكور والإناث، وكانت أكثر هذه الكتاتيب تقام وسط البلد بجوار المساجد، أما كتاتيب الإناث فكانت في البيوت.
قال غياث بن أبي شبيب: كان الصحابي سفيان بن وهب، رضي الله عنه، يمر علينا ونحن غلمان في القيروان، وهي الآن مدينة في تونس، فيسلَّم علينا في الكُتَّاب وعليه عمامة قد أرخاها خلفه.
بل كانت الكتاتيب في المدن الإسلامية، في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، من الكثرة بحيث عدَّ المؤرخ ابن حوقل ثلاث مئة كُتَّاب في مدينة واحدة من مدن جزيرة صقلية، هي الآن جزء من إيطاليا، وكان بعضها من الاتساع بحيث تضم آلاف الطلاب.
وما يؤكد ذلك أن أبا القاسم البلخي، كانت له كتاتيب يتعلم فيها ثلاثة آلاف تلميذ، وكان مكانها فسيحًا جدًا، حيث إن أبا القاسم كان يحتاج إلى ركوب حمار ليطوف على الأساتذة والطلاب، ويتفقدهم، ويشرف على شؤونهم وأحوالهم.
أما البنات فكانت معظم كتاتيبهن ومدارسهن في البيوت الخاصة، أو بيوت الحكام والعلماء والمحسنين الواسعة، أو في قصور الميسورين من أهل الخير والفضل والنزاهة. وكانت تقوم على تعليمهن معلمات فضليات موثوقات، وقد خلَّد التاريخ أسماء العديد منهن، حيث كُنَّ منارات لمجتمعاتهن في الإرشاد، والتوجيه، والعلم، والمعرفة.
الإنفاق على التعليم الابتدائي «الكتاتيب»
كان الإنفاق على التعليم الابتدائي يتمُّ من قبل ثلاث جهات:
الجهة الأولى: الهيئات والمؤسسات الحكومية ممثلة في الخلفاء والحكام الذين كانوا ينفقون الأموال الطائلة، في طول البلاد الإسلامية وعرضها على المعلمين، والتلاميذ، والمرافق المدرسية، والأدوات، والوسائل التعليمية، فضلاً عن توفير الأثاث، والمياه، والحطب للتدفئة في الشتاء القارس.
الجهة الثانية: الهيئات والمؤسسات الأهلية الخاصة ممثلة في الأثرياء والتجار الخيرين المحسنين الذين ما انفكوا يتفقدون المدارس ويؤمِّنون لها احتياجاتها المالية والعينية، ويُقفون لها الأوقاف والأموال الكثيرة، من منقولات وعقارات تعود عليها بالسيولة المالية المستمرة.
ومن الطرائف المروية في هذا أن هاشم بن مسرور التميمي، أحد فضلاء القرن الثالث الهجري ومحسنيه، التاسع الميلادي، كان يطوف على الكتاتيب في القيروان، ومعه الجوائز العينية والنقدية والطِّيب «العطور»، والفاكهة وغيرها، فيوزعها على الصبيان المتعلمين عمومًا، ويخص الفقراء والأيتام منهم بأعطياته النفيسة، تشجيعًا لهم على طلب العلم، ومواساة وإكرامًا للفقراء والأيتام منهم.
الجهة الثالثة: آباء التلاميذ، حيث كان بعض المعلمين يتقاضى مبالغ رمزية من الطلاب، يؤدونها في كل يوم خميس، ويقال لها «الخَميسية»، أو في نهاية كل شهر.
مناهج التعليم الابتدائي ومقرراته الدراسية
تشير الروايات التاريخية إلى أن المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية كانت تشتمل على تعليم القرآن الكريم وبعض علومه، بأسلوب سهل مبسط، قراءة، وحفظًا، وتجويدًا، وتفسيرًا، كما كانت تشتمل على التعريف بأحكام الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات المألوفة المتكررة.
وكانت المناهج تشتمل، أيضًا، على تعليم القراءة والكتابة، وقواعد الخط الجميل، وقواعد النحو الميسَّر، وحفظ بعض الأشعار والمتون التي تتضمن معالم الأحكام، والآداب الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية.
وكان يتم في الكتاتيب، أيضًا، تعليم العمليات الحسابية الأربع ونحوها، والمعلومات العامة الأولية في التاريخ والجغرافيا والعلوم، ونحو ذلك من المهارات الحياتية، والاجتماعية، والسلوكية التي يحتاج إليها تلاميذ المدارس الابتدائية في كل عصر، ما يسهل عليهم أمور حياتهم العامة، ويعودهم على تحمل المسؤولية المتوافقة مع قدراتهم.
مستويات التعليم الابتدائي وصفوفه
لم يجعل المسلمون السابقون جميع تلاميذ الكتاتيب في مستوى واحد من التعليم والتلقي، بل كانوا يقسمونهم إلى مجموعات متمايزة في المستوى الفكري والتعليمي، وفي القدرة على الفهم، والاستيعاب، والتفاعل، والعطاء، وهذا ما يشبه المعمول به حاليًا في مدارس المرحلة الابتدائية وغيرها، من توزيع التلاميذ في مجموعات على صفوف متدرجة للمستويات، لكل مجموعة صف من موضوعات خاصة بهم، تقرر عليهم ويقومون بتعلُّمها، فإذا نجحوا وانتقلوا إلى الصف الأعلى، قُررت عليهم موضوعات أخرى تفوق مستوى الصف الذي انتقلوا منه.
صفات المعلمين وواجباتهم
ربط الإسلام بين الحاجة إلى العلم والمعرفة، وبين الحاجة إلى الالتزام السلوكي الأخلاقي برباط وثيق متلازم، ولم يفصلهما عن بعضهما، وإلا تشتت الجهد وضاع، وفقدت تلك القيم والجهود معانيها المرادة وغاياتها المقصودة، ويتجلى هذا ويظهر في مضمون الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه لابن عباس: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة...» إلى آخر الحديث الذي اشتمل على العديد من أمور الثقافة المعرفية، ولفت النظر إلى أهميتها.
وبناءً على ما سبق كان الآباء وأولياء الأمور قديمًا يبذلون جهدهم في التحري عمن يقوم بتعليم أولادهم وتأديبهم، ولم يكتفوا بأن يدفعوا أبناءهم إلى من يُطلَق عليه لقب «المعلم». بل كانوا يتحرَّون إضافة إلى ذلك معنى خاصًا زائدًا، أطلقوا عليه، أيضًا، لقب «المربِّي» أو «المؤدب». كما هو معروف عن الكسائي «مؤدِّب» الأمين والمأمون ولديِّ الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكما هو واضح فإن وظيفة المؤدب أو المربِّي تفوق بأضعاف وظيفة المعلِّم.
وكانوا لا يوكلون هذه المهمة إلا إلى النخبة من الناس، الذين حسنت أخلاقهم، واشتهروا بالنزاهة، والعفة، والاستقامة، وحسن السيرة والسلوك.
كما كانوا يتحرِّون في هؤلاء المعلمين والمربين والمؤدبين الحلم والأناة، والتوسط والاعتدال المقترنين بالحزم والرحمة، والمرونة في معالجة الأمور، والبعد عن الانفعال، والعنف، والغضب.
وفضلاً عن هذا كانوا يحرصون على صاحب الخبرة العميقة، والكفاءة العلمية والمعرفية المشهودة، العالم بالقرآن، والسنة، والعربية وعلومها، والثقافة العامة وأصولها، الذي يرعى التلاميذ ويحفظهم ولا يغفل عنهم، ويعتني بشؤونهم، ويشفق عليهم، وينصح لهم، ويتخولهم بالوعظ والإرشاد...
قال الصحابي عتبة بن أبي سفيان، رضي الله عنه، لعبدالصمد المصري، مؤدب أولاده، حين سلمهم إليه: يا عبدالصمد، ليكن أول إصلاحك لأولادي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بشخصك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت، علمهم كتاب الله ولا تملَّهم فيه فيتركوه، ولا تتركهم فيه ليهجروه، وروِّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم إلى آخر حتى يُحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مشغلة عن الفهم، وعلِّمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وهددهم في تأديبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء، واستزدني بزيادتك إياهم أزدك في بِري، وإياك أن تتَّكل على عذر مني، فقد اتَّكلت على كفاية منك...
وكتب الرشيد إلى مؤدب أولاده: أقرئهم القرآن، وعرِّفهم الأحاديث، وحفظهم الشعر، وعلِّمهم الآداب والسنن، وامنعهم الضحك إلا في أوقاته، وقوِّمهم بالملاطفة والملاينة، فإن أبوا فعليك بالحزم والشدة...
ولا يخفى ما اشتملت عليه هاتان الوصيتان من أسس قوية، وموضوعات قيمة، ومعالم مهمة، وأهداف واضحة، في صياغة منهج تعليمي وتربوي يتصف بالتكامل، والرقي، والشمول، والاعتدال، وهذا ما يتجه إليه ويتحراه اليوم المتخصصون في علوم المناهج والتربية والتعليم.
ما لا يجوز للمعلم فعله
حرص المسلمون السابقون على اتباع الأسلوب المعتدل في معاملة التلاميذ، بحيث يكون المعلم وسطًا بين الليونة المفرطة والشدة المفزعة، متصفًا بدماثة الخلق والحلم مع تعقل وحزم.
وقد ذكر ابن خلدون أن من كان مرباه العَسف والظلم والقهر، حمله ذلك على الخوف، والخبث، والكذب، والكسل، وصارت له الخديعة عادة وخلقًا.
وأكد ابن سحنون ضرورة عدل المعلم بين التلاميذ، وعدم محاباة بعضهم على حساب بعض، وألا يُوكل إلى بعضهم معاقبة الآخرين وضربهم، وألا يعاقب التلميـذ بضرب رأسه ووجهه والأماكن الخطرة في جسمه، أو يحرمه من الطعام والشراب في وقت الراحة بين الدروس، وحذَّر من أخذ المعلم بقبول الصبيان بعضهم على بعض في ادعاء الضرب والأذى، إلا إذا عرف من سيرة المشتكي الصدق، فيقبل قوله ويعاقب من آذاه أو أساء إليه...
تمكين التلاميذ من اللعب حال الفراغ
تختلف الأوقات التي يداوم فيه التلاميذ على الدراسة والتعلم حسب الأعراف الجارية في كل بلد، حيث كانت «الكتاتيب» في بعض البلدان تفتح أبوابها من طلوع الشمس إلى ما بعد الظهر من كل يوم، وكان بعضها يتأخر إلى ما بعد العصر...
ومع هذا، كان الناس لا يعيبون على الغلمان اللعب في أوقات الراحة والفراغ، سواء كان ذلك في المدرسة حال الدوام، أو بعد الانصراف من الدراسة والرجوع إلى البيت، وذلك أنهم كانوا يرون أن الرياضة ضرورية لنمو أبدان الأطفال وسلامة أجسامهم، وتوقد أذهانهم وتفتح أفكارهم وإبداعاتهم...
وقد سأل أحد المربين معلم صبيان يقال له معتب بن أبي الأزهر فقال له: ما حال الصبيان في كتاتيبكم؟ قال معتب: لهم ولَع كثير بالحركة واللعب، فأجابه هذا المربي: إن لم يكونوا كذلك فاقرأ عليهم، واطلب لهم الطبيب. يعني: أنهم إن لم يلعبوا، على غير عادتهم، فهم مرضى، فيحتاجون وقتذاك إلى القراءة عليهم، وإحضار الطبيب لمعالجتهم...
وفي هذا الصدد كتب الإمام الغزالي المتوفى عام 505 هجرية: ينبغي أن يؤذن للصبي باللعب بعد انصرافه من الكُتَّاب، حتى يخفف عن تعب الدراسة وإرهاقها الذهني والبدني، وإلا فإن منعه من ذلك يبطل ذكاءه وتوقد ذهنه، ويميت قلبه وينغص عليه حياته، ويخادع غيره للخلاص من استمرار الجد والدراسة...
ومن هنا اقترح بعض المربين السابقين أن يُعطى الطلاب إجازات موسمية ينقطعون فيها عن الدراسة في أيام الجمع، والأعياد، والمناسبات الأخرى...
مشاهير المعلمين والمعلمات
حفل التاريخ الإسلامي بعدد كبير من مشاهير المعلمين والمعلمات والمربين والمربيات، الذين كانت لهم آثار إيجابية بالغة وبناءة في رقي مجتمعاتهم وازدهارها، وفي تكوين رجال المستقبل وأمهات الأجيال.
ومن هؤلاء المشاهير: الصحابي قيس بن سعد، والتابعي عطاء بن أبي رباح، وكذلك الزهري الفقيه المجتهد المشهور، وأبوعبيد القاسم بن سلام صاحب المؤلف النفيس «الأموال».
ومنهم: الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي عمل معلمًا بالطائف، ثم تولى ولاية العراق للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.
ومنهم: الضحاك بن مزاحم وكان يعلم التلاميذ مجانًا ولا يأخذ على ذلك أجرًا، والكميت بن زيد الشاعر المشهور، وعبدالحميد كاتب بني أمية المشهور.
ومن هؤلاء المعلمين والمربين الفضلاء: شقران الهمزاني المتوفى في تونس 168 للهجرة، وكان مشهورًا بالتقوى والفقه وعفة النفس، كثير العبادة، حسن الخلق، لا يتقاضى على التعليم أجرًا، ومنهم: محرز بن خلف المتوفى سنة 413 للهجرة.
ومن هؤلاء: أسد بن الفرات التونسي فاتح صقلية «وهي اليوم جزء من إيطاليا»، فقد عمل في بدايته حياته معلمًا للصبيان، ثم رحل إلى المشرق للاستزادة من العلم، ثم رجع إلى تونس فتولى القضاء، ثم تولى قيادة الجيوش الإسلامية التي عبرت إلى جزيرة صقلية، وكان مشهورًا بالاستقامة، والفقه، والدين، وحسن الخلق، وكان حكيمًا، شجاعًا، حازمًا، ذا رأي وعقل، وتوفي شهيدًا في صقلية عام 213 للهجرة.
ومن المعلمات المربيات: الصحابية الشفاء بنت عبدالله القرشية، وعابدة الجهنية المتوفاة في بغداد عام 348 للهجرة، وآيغر بنت عبدالله التركية المتوافاة في دهستان عام 540 للهجرة، وشمس الضحى بنت محمد الواعظ التي توفيت في مكة عام 583 للهجرة، وعائشة زوجة شجاع الدين بن الماغ التي توفيت في دمشق عام 655 للهجرة، وعائشة بنت إبراهيم الغدير التي توفيت في دمشق عام 718 للهجرة، وفاطمة بنت محمد السمرقندي التي توفيت في حلب عام 570 للهجرة، ووجيهة بنت المؤدب المتوفاة في مصر عام 732 للهجرة، ورقية بنت عبدالسلام المدنية المتوفاة في دمشق عام 815 للهجرة، والهمَّاء بنت يحيى المتوفاة في اليمن عام 837 للهجرة، وزينب بنت علي السبكي المتوفاة في مصر في القرن التاسع الهجري، وعائشة بنت الخضر المتوفاة في مكة عام 837 للهجرة، وأم عيسى البغدادية المتوفاة في بغداد في القرن الثالث عشر الهجري...
وهكذا يتضح أن التعليم الابتدائي كان نشيطًا في المجتمعات الإسلامية، وذلك من خلال انتشار «الكتاتيب» التي قامت بدور فعال في المجالات الثقافية، والعلمية، والتربوية.
ويجب ألا يغيب عن البال أن هذه الكتاتيب كانت نقطة الانطلاق للحضارة الإسلامية، حيث كانت تُعِدُّ النشء لمواصلة الدراسة والبحث والتخصص العلمي الدقيق، بعد أن تزودهم بمبادئ التحصيل، وتصقل مواهبهم، وتنمي ثقافاتهم وعلومهم وسلوكهم المعرفي والاجتماعي والإنساني، ليكونوا رواد العلم والمعرفة والتربية، وقادة الفكر، والسياسة، والمجتمع...
وقد استمرت الكتاتيب في القيام بدورها في التعليم الابتدائي إلى عهود قريبة، فأنبتت نباتًا صالحًا، ثم مضت تلك الأزمان وتقلص دور الكتاتيب في معظم المجتمعات الإسلامية، فحلت محلها المؤسسات التعليمية الحديثة، التي تُعلِّق عليها الآمال في إيجاد جيل صالح واعٍ، يسهم في نهضة المجتمع على أساس متين من الدين والخلق والعلم.
هذا، وقد أصدرت العديد من الجهات العلمية والبحثية، منها المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي في مصر، توصيات عدة تطالب فيها بضرورة إعادة دور «الكتاتيب» كجهة مساندة للمؤسسات التعليمية الحديثة، في تحفيظ القرآن الكريم، وتعميق القيم الدينية، وغرس الخلق والفضيلة، ورعاية النشء، وصياغتهم صياغة سليمة، وخصوصًا قبل دخولهم المؤسسات التعليمية الحديثة، وذلك لما قامت به هذه الكتاتيب من دور تاريخي ملموس وفعال في صياغة الأجيال الإسلامية.
أهم المراجع
1- آداب المعلمين لابن سحنون.
2- أحوال المعلمين وأحكام المتعلمين.
3- إحياء علوم الدين للغزالي.
4- الإصابة لابن حجر.
5- الأعلام للزركلي.
6- البداية والنهاية لابن كثير.
7- تراجم أعلام النساء بإشراف رضوان دعبول.
8- تهذيب التهذيب لابن حجر.
9- شهيرات النساء لخليل البدري.
10- الطبقات الكبرى لابن سعد.
11- مجلة الفيصل العدد 275.
12- مجموعة من كتب الحديث النبوي الشريف.
13- مقدمة ابن خلدون.
14- من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي.