قد تصبح الهواجس حالة مرضية
هواجس الزوجات تجاه الأزواج
هواجس الزوجة سببها التركيبة النفسية التي شكلتها معطيات اجتماعية وبيئية.
• القاهرة: سمر صلاح الدين
الزوج الشرقي يعيش بين مطرقة الظنون وسندان الأمثلة الشعبية التي تضعه دائمًا في قفص الاتهام.. فإذا تأخر خارج البيت فهو في موعد غرامي.. وإذا ادخر مبلغًا من المال فهو يريد أن يتزوج بأخرى.. وإذا تحدث في الهاتف فلا بد من تفتيش دائم ومراجعة مستمرة لجواله..فهل شك الزوجات في سلوك أزواجهن يدل على عدم ثقة الزوجة بنفسها.. أم أن سلوك الزوج هو ما يدفعها إلى ذلك.. أم أن هناك خلفيات أخرى لهذا السلوك؟
|
|
|
|
|
الشك لا يأتي من فراغ.. والظنون لها أسباب تتجسد على أرض الواقع في أشكال عدة، هذا ما تؤمن به مرفت قدري، محامية متخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، لتجد بذلك للنساء ألف عذر حينما تنتابهن الهواجس وتغتالهن الظنون. وترى أن أي زوجة في العالم لا يمكن لها أن تصدق أن زوجها لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم وتقول: أنا شخصيًا لست مع من يقول إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. لأن الإدانة في هذه الحالة لا فائدة منها بعد أن يكون قد وقعت الفأس في الرأس.. وترى أنه على الرغم من انقياد المرأة وراء ظنونها وهواجسها بصورة يومية يثير مشكلات لا أول لها ولا آخر إلا أن المرأة معذورة في أن تظل خائفة من المجهول الذي يتربص بها.
لكن هل هناك مبررات منطقية لهواجس الزوجات؟ وهل يتطور الهاجس ليصبح حالة مرضية؟
د.أمين أحمد بخاري، استشاري الطب النفسي يجيب: جرت العادة أن تنتاب الهواجس الناس القلقين على الدوام، الذين يجترون الوساس ويفسرونها بطريقتهم الخاصة، وهم في أغلب الأحوال لا يشعرون بالأمان ويتخيلون أنهم معرضون للغدر والخيانة.. وقد تشير قرائن الأحوال إلى أن المرأة من أكثر الفئات عرضة للهواجس، حيث تعتقد أن زوجها قد يطلقها أو يتزوج عليها.. إضافة إلى أن عامل الغيرة القاتلة يلعب دورًا كبيرًا في الشعور بالشك غير المبرر، الأمر الذي يدفع الزوجة إلى اختبار زوجها بطلب الطلاق من دون أن تدرك أنه ينتظر هذه اللحظة وقد جاءته على طبق من ذهب، ما يؤكد خطأ هذا الأسلوب الذي لا يطمئن الزوجة ولا يريحها، خصوصًا إذا كان الزوج عنيدًا وقد تعود التعامل برد الفعل، والاستجابة للطلبات غير المنطقية ليردع زوجته ويوقفها عند حدها.
ويؤكد د.بخاري أن الهواجس قد تتعمق إذا وجدت الدلائل وتتحول إلى حالة مرضية، علمًا بأن الزوجة الأجنبية لا تعاني هذه الهواجس ولا تخاف الطلاق لأنها مستقلة ماديًا، وإذا لم تكن تعمل فالدولة تتكفل بها، ما يدل على أن الزواج بالنسبة إليها مسألة ثانوية وليست أساسية كالمرأة العربية التي يفقدها الطلاق توازنها لإحساسها بأن فرص الزواج الثاني تكاد تكون معدومة، وإضافة إلى تدخل أهلها في شؤونها فإنها تعاني أيضًا نظرة المجتمع إليها.
وفيما يتعلق بالأسباب التي تجعل هواجس الشك والغيرة ظاهرة نسائية وليست ذكورية يقول د.بخاري إن الرجال لا يشعرون بعدم الأمان إلا حين يتقدمون في السن، حيث يصبحون غير قادرين على العطاء، لذا تجدهم يهيمنون على بوادر الأمور ولا يخافون أي شيء، بل يمكنهم التعويض بكل سهولة ويسر، خصوصًا إذا ازدادت هواجس الزوجة وألحت في طلب الطلاق.
بينما يعزو د.عادل مدني، مستشار العلاقات الزوجية، هواجس الزوجة وشكوكها إلى التركيبة النفسية لشخصيتها، والتي تشكلت تبعًا لمعطيات المجتمع العربي ومكوناته، والذي يفرض على المرأة ضرورة الشك في الزوج وعدم الرهان على حسن نواياه مهما كانت طيبة.. الأمثلة والنماذج اليومية تشكل هاجسًا يقض مضاجع الزوجات بحيث يصعب على أي زوجة أن تتخلص من هذا السلوك اللاإرادي حتى ولو كانت تتمتع بثقة كبيرة في نفسها وبإمكاناتها كزوجة.
وتصل هواجس المرأة إلى الذروة عندما تتقدم في السن، حيث يبدأ الزوج في تجاهلها ومن ثم يسهم إحساسها بعدم الأمان في سقوطها في الشك والهواجس.
لكن الزوجات من وجهة نظره يستطعن أن ينأين بأنفسهن عن ظاهرة الشك بمزيد من الثقة في أنفسهن وبأزواجهن، وبتفرغهن لأمور أكبر من سفاسف الأمور. ويعد أن استسلام الزوجات للهواجس أمر غير حميد ولا مبرر له إذا كانت الزوجة واثقة في نفسها وفي مقدرتها على احتواء الطرف الآخر.. وعلى الرغم من وجود نماذج سيئة للأزواج الذين جعلوا الخيانة وكأنها ظاهرة عامة.. إلا أن الهاجس يبقى مجرد شك ليس إلا ما لم يكن هناك دليل مادي يدين الزوج، لأنه عندما يكون في غير محله فهو يسبب للطرفين أضرارًا نفسية ومعنوية بالغة، لأن المرأة في النهاية قد تغار وتدفعها الغيرة إلى الوقوع في براثن الهواجس التي إذا ترك لها العنان فستدمر كل شيء.. فهناك من النساء اللواتي أصبح الشك في أزواجهن هاجسًا يؤرق مضاجعهن ويضعف إرادتهن في إبقاء الجو الأسري متماسكًا.. ويرى د.مدني أن الزوجة التي تعصف بأفكارها الهواجس إنما تعاني خللاً ما في تفكيرها، ويعتقد أنه لا توجد زوجة لا تعرف زوجها أو مدى إخلاصه لها.. أما خيانة الرجل الشرقي التي يتحدث عنها بعضنا كظاهرة فهي ليست قاعدة لكي تبني عليها الزوجة هواجسها وظنونها، إضافة إلى أن هذا السلوك إذا زاد عن الحد فهو يقلل من احترام الزوج لزوجته، ويشعره بالإهانة، لأنه يضعه في قفص الاتهام دون أي دليل مادي أو منطقي.
في حين ترى د.سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، أن سلوك الزوج يظل هو العامل الأساسي الذي يثير هواجس المرأة.. فحين يواظب على التأخر خارج المنزل أو القيام ببعض التصرفات الغريبة فإن شكوك الزوجة تستيقظ من سباتها وتبدأ في الظهور على السطح.
وترى أن هاجس المرأة الأزلي أسبابه عديدة.. أولها ازدياد نسبة العنوسة بين الفتيات بصورة كبيرة..إلى جانب بعض المظاهر السلوكية والاجتماعية التي لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، والتي أدت إلى زعزعة المجتمع وإضعاف ثقة المرأة بنفسها وبزوجها.
وتشير إلى أحد المبررات المنطقية للهواجس التي تنتاب المرأة لا سيما أن الرجل يمر بعد الأربعين بفترة مراهقة ثانية، وتعود لتؤكد أن الهواجس التي تنتاب المرأة تنبع من سلوك الزوج وتصرفاته تجاه زوجته، وتضرب مثلاً على ذلك «في أثناء فترة الخِطْبة يهتم الرجل بخطيبته ويتصل بها مرات عدة في النهار، ويخبرها بمكان وجوده عندما يخرج مع أصدقائه، لكن بعد الزواج يتغير كثيرًا ولا يترك مجالاً للعواطف التي تطمئن الزوجة وتبعد عنها الهواجس.
وتضيف د.سامية سببًا آخر وهو نصائح الصديقات النابعة من تجاربهن الخاصة، والتي تلعب دورًا ملموسًا في جعل الهاجس سلوكًا يوميًا تمارسه المرأة سرًا وعلانية..لافتة أن زيادة هذه الهواجس عن حدها من قبل بعض الزوجات، خصوصًا مع عدم وجود أي دليل مادي، يدفع الزوج أن يجعل من شك زوجته يقينًا لكي تدفع ثمن ظنونها المستمرة، والتي تعكر صفو الحياة الزوجية، خصوصًا إذا كان الزوج عنيدًا.. لذلك تنصح الزوجة بألا تسمح للهواجس بأن تداعب خيالها أو تشغل بالها دون سبب منطقي.. مشيرة إلى أن الفراغ الذي تعيشه معظم الزوجات يجعلهن عرضة للتفكير السلبي. فعلى الزوجة أن تشغل نفسها ببيتها وأولادها إلى جانب ضرورة اهتمامها بنفسها، لكيلا لا توفر وقتًا لمثل هذه الموضوعات.
وتقول د.عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع: للأسف تلعب وسائل الإعلام المرئية دورًا كبيرًا في تشويه صورة الرجل الشرقي، ما يؤثر سلبًا في تفكير الزوجة، إضافة إلى وجود خلفية ثقافية واجتماعية وبيئية تسهم بطريقة ما في جعل الشك والهواجس ظاهرة جماعية وليست سلوكًا فرديًا.. وتعزو د.عزة ظاهرة الهواجس التي تنتاب الزوجة في مجتمعاتنا الشرقية إلى عدم إحساسها بالأمان. فضلاً عن أن الرجل الشرقي يندر أن يعبر عن مشاعره، أو أن يسمع شريكة حياته عبارات تؤكد حبه لها.
وتشير د.عزة إلى جملة أسباب تدفع بالزوجة إلى دائرة الشك منها شخصية الزوج وطريقة كلامه.وتحذر من نقطة مهمة وهي أن الزوج قد يكون بريئًا، لكن شكوك زوجته وظنونها قد تدفعه إلى إغاظتها من خلال الإيحاء لها بأنه يقترف فعلاً ما تتخيله بغرض استفزازها كبداية، ولكن سرعان ما يتحول الاستفزاز إلى سلوك فعلي إذا تمادت الزوجة في هواجسها فتكون هي الجانية على نفسها.. فسوء التصرف والشك غير المنطقي والذي لا يستند إلى أي دليل ملموس هو ما قد يدفع بالأزواج إلى الكذب على زوجاتهن في مختلف الأوقات والمواقف.. وتحذر الزوجات من جعل الغيرة شماعة تعلق عليها الأخطاء، لأن الأشياء عندما تزيد عن حدها تنقلب إلى ضدها.. وتسأل الزوج: لماذا لا يعيش في حالة تصالح مع نفسه وألا يشعر الزوجة بأدنى شك أو ظن.. انطلاقًا من مبدأ الاحترام المتبادل والثقة النابعة من المودة والرحمة.