رحلة الغفران إلى
البيت الحرام
• الرياض: هالة محمد الجيرودي
قبلة يقصدها كل مسلم في اليوم والليلة من مكانه.. وحين تتهيأ الاستطاعة يتأهب للرحيل إليها.. ليلبي نداء الحق في قوله }وأذن في الناس بالحج...{ ليتمم ركنه الخامس من أركان إسلامه.. قاصدًا البيت العتيق. فالحج طهرة للحاج من ذنوبه وآثامه، ولا ريب في أن أنفع مصالح المسلم أن يطهر نفسه من دنس الآثام.. ركن يمحو ذنوب العبدمن خطاياه ويعيده كيوم ولدته أمه.. وفي مشعر هذه الفريضة رياضة روحية.. ودروس تهذيبية لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» دليل على تطهير النفوس من السيئات وتهيئتها لرحمة الله وغفرانه.
تحقيق الوحدانية
يهتفون بلغات عديدة من كل بقاع الأرض.. ويوحدون ربهم، وذلك بإفراده سبحانه بالعبادة، وعدم إشراك أحد معه في عبادته.. وهذا يتجلى في الحج يلبون النداء، ويحققون التوحيد بقولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وهذا هو التوحيد فإن معنى لبيك لا شريك لك لبيك أي: استجابة لك وحدك فإنه لا شريك لك في عبادتك. وهذا يدعو المسلمين في كل مكان إلى تحقيق التوحيد وعدم دعاء غير الله من الأولياء أو الأموات أو غيرهم من المخلوقين، فإن ذلك يوقعهم في الشرك الأكبر المخرج من الإسلام.
تجرد.. وافتقار
ووفق د.عبدالرحمن بن جميل قصاص، جامعة أم القرى في مكة المكرمة عندما ينوي الحج التوجه إلى بيت الله، فإن أول مناسك حجه، الإحرام، فيتطهر ويتجرد من حياة الزينة والترف إلى حياة الفطرة والتقشف، ويقتصر على ستر جسمه بإزار ورداء أبيضين، عاري الرأس شبه حافي، يحرم عليه الطيب بعد إحرامه، ويحلق شعره ويقصره، خاضع ذليل بين يدي الله، مستعد لرحلة الغفران وغسيل النفس. وفي قوله تعالى}وتزوَّدوا فإنَّ خير الزادِ التقوى{، تتجلى حقيقة واحدة أن الناس سواسية في هذا الموقف. فتبلغ أعدادهم الملايين، ينتقلون أفواجًا من مشعر إلى مشعر في منظر يشعر بالرهبة، ويدل على أن قوة المسلمين في اجتماعهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، فتبرز الأخوة بشكل واضح في الحج، وتختفي الفوارق بينهم، ويرى التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها.. فالقوي يعين الضعيف وربما يحمله إن كان يستطيع، ومن يملك الطعام يطعم من لا طعام لديه. لبَّيْكَ اللهمَّ لبيك.. لبَّيك لا شريك لك.. لبَّيكَ حجةً حقًا.. تذلُّلاً ورقًّا.. لبَّيكَ وسَعَديْك.. والخيْرُ بيَديْك.. والرَّغباءُ والعملُ إليك.
في ضيافة الله
وعند وصول المحرم إلى مكة وهو على مظهره خال من الزينة والترف، شاعرة نفسه بالخشوع لتطهيرها من الآثام، تكريمًا لما هو في ضيافته، يقف أمام الكعبة يبتهل بالتلبية والدعاء، ويطوف حول الكعبة طواف تحية القدوم وقلبه يتفطر، وعيناه باكيتان، وكل جوارحه متجهة إلى الله تسأله الرضا والعفو والمثوبة، وقد شعر أنه خلع أغلب أوزاره وقرب من تحقيق رحمة ربه، حتى تنتهي به أشواط الطواف حول الكعبة، ويصل إلى مقام سيدنا إبراهيم, عليه السلام، فيصلي ركعتي الطواف خلف المقام، ويقف وقفة الذكر والاعتبار, وأن يستعرض ما مرت به من قرون, ومن طافوا به منذ أن بناها سيدنا إبراهيم بأمر من الله، فإذا انتهى من السعي وخرج من الصفا والمروة مهللاً مكبرًا مستغفرًا. وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يخرج إلى منى فيمكث فيها بقية يومه، ويبيت ليلة التاسع، ثم يذهب إلى عرفة وهو في خشوع وبكاء، مهللًا ومكبرًا يسكب العبرات ذاكرًا فيها موقف الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع يستشعر قوله، صلى الله عليه وسلم, فتتنزل الرحمات وتفيض العطايا والهبات ويبدأ الحاج في التحلل من الآثام، وقهر وسواس الشيطان، والانتصار عليه، في رمي الجمرات، وحلق رأسه أو تقصيره.
فما أجملها من رحلة أيامها معدودة، يرجع منها المسلم بجائزة «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»!!