April_09Banner

ذاكرة المكان


عين زبيدة
عبقرية الزمان والمكان
Health1_April

• جدة: أميمة سند

اعتمد سكان مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام والزوار والمعتمرون على ما تجود به الآبار لتوفير احتياجاتهم من المياه قديمًا، ثم أصبح اعتمادهم على القنوات الخاصة بنقل مياه بعض العيون من حرم مكة المكرمة إلى بركها إبان خلافة معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، ما بين عام 660 إلى 680م.

  • شقت أنفاقًا في المناطق الجبلية التي يصعب إزالتها، تخللتها قنوات تسمح بمرور مياه الأمطار والسيول من بطون الأودية والشعاب

  • لا تزال مواضع عديدة من هذه القناة باقية إلى الآن تحكي تاريخًا نفخر به على مر السنين

  • تم ربطها بنهر الفرات في العراق ليمدها بالماء، كما أنشأت طريقًا آخر ممهدًا للحجاج من الصخور المرصوفة

  • امتد مشروع «بئر زبيدة» من أعالي جبال الكر بوادي النعمان «قرب الطائف» مرورًا بمنى، وجبل الرحمة بعرفات

درب زبيدة
عندما حجت زبيدة، زوجة الخليفة هارون الرشيد، واسمها الحقيقي أمة العزيز بنت جعفر بن أبي المنصور، التي كانت محبة لأعمال الخير والبر والإحسان علمت حاجة مكة المكرمة وضيوف الرحمن إلى المياه، فأمرت بإنشاء أحواض كبيرة من العراق إلى مكة بطريقة ذكية، حيث تم وضع كل حوض أسفل وادي صغير، وبين كل حوض وآخر مسافة لا تزيد عن الكيلومتر، ليجتمع الماء في هذه الأحواض أو البرك من أثر الأمطار، وقيل إنه تم ربطها بنهر الفرات في العراق ليمدها بالماء، كما أنشأت طريقًا آخر ممهدًا للحجاج من الصخور المرصوفة، حتى إن هذا الطريق سمي باسمها أي «درب زبيدة»، ويمتد من العراق إلى مكة المكرمة مرورًا بمهد الذهب.

عين حنين
ظلت المدينة المقدسة تعاني شح المياه نتيجة لعدة أسباب منها جفاف مياه الآبار، وقلة الإمكانات والأيادي الهندسية الماهرة والمؤهلة والمدربة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المياه كثيرًا. فأمرت السيدة زبيدة ببناء بركة بمكة المكرمة وجلبت لها المياه، لكن كمية المياه كانت قليلة للغاية ولا تفي باحتياجات أهل البلد وزوارها، لذا طلبت من المهندسين جلب مياه العيون من خارج حدود حرم مكة المكرمة، وإيصالها إلى داخل منطقة الحرم بعد أن زودتهم بالأموال الكثيرة لتحقيق ما تريده، وفي سبيل ذلك اشترت بساتين بمنطقة «عين حنين» وأبطل المهندسون أرضها وأقاموا في موضعها سدًا لتجميع السيول.

وادي النعمان
امتد مشروع «بئر زبيدة» من أعالي جبال الكر بوادي النعمان «قرب الطائف» مرورًا بمنى، وجبل الرحمة بعرفات لتلفه من جهاته الشمالية والجنوبية والغربية، ومن هناك إلى جبل يقع خلف ما يعرف «بالمازامين» على يسار القادم من عرفات وصولاً إلى مزدلفة، ثم تسير القناة حتى تصل إلى جبل خلف مشعر منى فتصب عند ذلك في بئر عظيمة مطوية تسمى «بئر زبيدة»، وموقعها حاليًا في حي العزيزية في مكة بطرق فنية متطورة عن طريق المناسيب المناسبة لمجرى العين والخرزات والقنوات حتى تدفقت المياه بيسر وسهولة عبر القنوات والمضخات.

أنفاق.. وقنوات
استخدم في بناء القنوات أحجار البازلت كما استخدمت النورة، وهي مادة بناء تستخدم في صنع أنواع من الملاط والشيد والطلاء، في تكوين خليط المونة للصق أحجار البناء، وشقت أنفاقًا في المناطق الجبلية التي يصعب إزالتها، تخللتها قنوات تسمح بمرور مياه الأمطار والسيول من بطون الأودية والشعاب، كما عمل المهندسون على وضع «خرزات» أو ما يطلق عليه حديثًا «غرف التفتيش» لتخترق القنوات، بعضها يظهر على سطح الأرض بينما بعضها الآخر مدفون مع تحديد مكانه، بالإضافة إلى بناء حوائط ساندة لتدعيم جزء من القنوات المبنيّة في سفوح الجبال وفي المناطق الضعيفة نوعًا ما. كما قاموا ببناء سد لحجز تلك السيول، والتحكم في تدفقها لسقي المزارع الواقعة في أسفلها، خصوصًا أن مساحة فتحات عبّارات المازامين كبيرة، وكميات المياه المتدفقة من خلالها قد تكون كثيرة، ومن الممكن أن تدمر أو تجرف ما في طريقها، فهي تصب في درب الحجاج من عرفة لمزدلفة وحماية لهم، ولا تزال أجزاء من هذا السد باقية حتى اليوم.

إصلاح.. وترميم
ولأن فن العمارة أمر متوافر لدى المهندسين المسلمين لم يغفلوا الطابع الجمالي للمشروع، فشيدوا الأقواس على أعمدة حجرية وطعموها بحجارة صغيرة غاية في الدقة، وبألوان متناسبة مع البيئة الصحراوية المحيطة بالمكان أخذت شكل الفسيفساء الجميلة. وتذكر الأخبار أن السيدة زبيدة أنفقت على عملها هذا ألف ألف «أي مليون» وسبع مئة ألف مثقال من الذهب.

وقد مرت على القناة أعمال إصلاح وترميم في العصور الإسلامية المختلفة إلى أن توقفت مياهها الرئيسة في بداية القرن الرابع عشر للهجرة. وبعد أن يسر للملك عبدالعزيز، يرحمه الله، ضم مكة المكرمة إلى حكمه، أمر بإجراء أعمال عديدة لزيادة كمية مياه العين، ونتج عن ذلك عدم قدرة القناة السابقة على استيعاب كمية المياه الزائدة، ما استلزم تعلية جانبي هذه القناة لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من المياه، ولا تزال مواضع عديدة من هذه القناة باقية إلى الآن تحكي تاريخًا نفخر به على مر السنين.