الشاعر أحمد الملا:
أكتب الشعر لأني لا أجيد غيره
الفن والإبداع الأدبي مُنجزٌ للإنسان أينما كان.
• أجرى اللقاء: أسامة داود
يعدُّ الشاعر الشاب القادم من الأحساء «أحمد الملا» شاعرًا متميزًا في قصيدة النثر، وفي النخبة الحداثية السعودية، اشتغل مبكرًا في النشاط الثقافي، كما عمل في الإعلام، في الصفحات الثقافية والرياضية، وقام بإدارة مسابقة الأفلام السعودية في دورتها الأولى، يؤمن بأن قصيدة النثر هي في غالبها تنحو نحو الأعمق والبسيط والملمس الهش في الحياة، الأرسخ والأكثر بقاء.
يستند الملا في تجربته إلى إرث عالمي، لا ينفصم عن تراث الجزيرة العربية، الذي أعاد إنتاجه، وفق رؤية تحكم شكل القصيدة، وأسلوبية استثنائية، اختار أن يوقع بها قصيدته، ليتفرد صوتًا في مكانه، ولا ينبت عنه فيقول: «أنا خارج من الأحساء، تركت أثرها في جسدي وفي شعري، وأبعد من ذلك، ترك المكان وإرثه الثقافي في وجداني، الأثر العميق وتشَكّل في نصّي على الدوام».
قمتَ بإدارة مسابقة الأفلام السعودية، وعملتَ في وظيفة إدارية في جامعة الملك فيصل، كما عملتَ في الإعلام في الصفحات الثقافية، ورئيسًا لتحرير إحدى الصحف الرياضية.. في أي الوظائف كنت تشعر أنك أقرب إلى الشعر؟
بطبيعة الحال، الشعر هو حياة كاملة، وتتعارض مع نمط الحياة الوظيفي، لكن الوظيفة اضطرار للعيش، أما الشعر فهو العيش كله، جميع ما عملت به من وظائف، هي من أجل أن يبقى الشاعر في حالة كريمة في هذه الحياة. إدارتي لمسابقة الأفلام الأولى كانت أقرب إلى الشعر منها للوظيفة، ولذلك مرّت خاطفة، وتركت أثرًا كبيرًا في نفسي، وكم أتمنى أن أستعيدها من جديد.
يقول الشاعر قاسم حداد: «إنني أكتب الشعر لأنني خائف وفي خطر دائم»، هل فعلاً كتابة الشعر تستدعي الشعور بالخوف أو الخطر؟
لكل شاعر رؤيته الاعتبارية لماهية الكتابة، أحيانًا تتداخل مستويات عديدة لمفهوم الكتابة لدى الشاعر نفسه، مرة دفاعًا عن الذات أمام الحياة، ومرة دفعًا للموت المتربص في الجوار، ومرات عديدة بحثًا عن الجمال والاستمتاع به. وببساطة شديدة أكتب الشعر لأني لا أجيد غيره.. ولا أريد.
كتبت في البداية الشعر الكلاسيكي، هذه النقلة إلى قصيدة النثر ماذا كان وراءها؟
بطبيعة تكويننا العربي، استيقظنا على أن الشعر هو الصوت الأول، وخصوصًا ما تعلمناه من الشعر الكلاسيكي، وعطفًا على هذه الحالة، فأول ما يعذّر به هذا الكائن بما تعلمه وتداوله، لكن عندما يشتد به الشعر ويأخذ حقه في الاختيار والبحث عما يعبر عنه بشكل فردي، فإن الضرورة تأخذه لذائقة تلامس وجدانه، بشكل فردي، دون أن ينساق مع القطيع.
من هنا وجدت نفسي في قصيدة النثر أقرب لي دون أن ألغي استمتاعي لأي شكل من أشكال الكتابة الشعرية، حرصي الدائم أن أكون للحظة الشعرية، وأبحث فيها عن القادم والمناطق غير المستكشفة أكثر من إعادة كتابة ما مضى.
هل تشعر بأنك استفدت من إرث الجزيرة العربية في مجال الشعر؟
دائمًا الكتابة هي محصلة لتراكم معرفي وحسّي، الآن وهنا كل ما تبصره العين وتلامسه الروح يذهب عميقًا إلى الشعر.
أنا خارج من الأحساء، تركت أثرها في جسدي، وفي شعري، وأبعد من ذلك، ترك المكان وإرثه الثقافي في وجداني الأثر العميق وتشَكّل في نصّي على الدوام.
للسعودية شخصية ذات تراث فكري وديني خاص، هل تُستوعب قصيدة النثر في مجتمع الجزيرة العربية التي خرج الشعر العمودي من رحمها؟
التجارب الإبداعية لا يلغي بعضها بعضًا، والفن والإبداع الأدبي عمومًا مُنجزٌ للإنسان أينما كان، لا تحدّه حدود المكان، ولا تقيده، هناك في بلادي تجارب إبداعية عديدة، وتجاورٌ شهم بين القديم والجديد، علينا أن نفتح الأفق واسعًا لكل إبداع، ونثق بأنه نهرٌ يتدفق ويتسع لكل المنابع، دون أن نحرم أحدًا الشرب من مائه. الصحراء عادة لا تشترط على المطر، كل ماء هو واعدٌ للشجر، وما أمسنا إلى ظلال تخفف عنا الشمس.
هل مرجعية القصيدة هي ذاتية وفنية، أم تتصل بالبيئة والتاريخ والمجتمع؟
القصيدة خيالات من أمزجة عديدة، ليس هناك وجه واحد، لأن تكون القصيدة هي ذاتها، تختلف المرجعيات بين نصٍ ونصّ. بالنسبة لي لا أتعامل إلا مع النصّ الواحد، بعيدًا عن الشاعر ومجمل أعماله، فهناك بالضرورة نصوص متفاوتة الجمال، بين نصّ ونصّ، لهذا كلما اتسعت مدارك الشاعر تنوعت مرجعياته.
في تصوري أن الشعر خلاصة رؤى كثيرة، تتكئ على كل ما طرحته في السؤال، وتزيد عليه انتباهًا وتأملاً. قصيدة النثر مثلاً تشتغل ضمن ما تشتغل عليه، في تأمل الفنون الأخرى، والتعاطي معها، كما أنها تبدأ بإحساس الفرد تجاه العالم وما يحيط به، وما يستدعيه من أحلام.
اللغة أداة تعبير، ومظهر من مظاهر الوعي، ودلالة لتقدم الشعوب.. هل ما زالت اللغة العربية تملك هذه الروح؟
بالطبع، اللغة هي الأداة الأساسية للشعر، فمن لا يجيدها ولا يتقنها، سيصعب عليه إيصال مقاصده، واللغة العربية هي انعكاس مباشر للحالة العربية، فكلما تواضع الحال مرضت اللغة.
في رأيي أننا نمر بحالة مرض، وأتمنى قرب الشفاء منه. اللغة كائن حي، ولذلك فهي تمرض أحيانًا، وأحيانًا تموت.
هل يمتلك النص الشعري أدوات التوعية، أم ما زال يعيش على فتات اللغة؟
لا أحبذ الخلط بين الفن الشعري والغايات الجاهزة، أثق بأن الشعر كامنٌ في مختلف الغايات، على أن تكون عربة لا تسبق الحصان. لهذا يمسّنا نيرودا وريتسوس ولوي آرغون ودرويش وآخرون، لأن شعرهم قاد العربة، وحمّلت كلما أرادوا من حمولات.