April_09Banner

أسرة


للحوار فنونه وآدابه
إذابة الجليد العائلي
استراتيجيات حساسة لحوار فعال يحفظ العلاقات الأسرية.
Health1_April

• الرياض: فتحي سمير

أن تعجز ألسنة الأبناء عن التعبير عما يجيش في نفوسهم أمام أقرب المقربين: الوالدين، فهذا معناه حدوث خلل كبير وتوقع خلل أكبر، خصوصًا إذا لم يكن الوالدان على استعداد لبذل أقل جهد لدفع صغيرهما إلى الحديث والبوح.

  • الوقت المناسب والابتسامة أهم أساسيات الحوار الناجح

  • على الوالدين مراعاة طبيعة أبنائهم وتحديد الأسلوب المناسب لمحاورتهم

  • الإنترنت والألعاب الإلكترونية وراء غياب الحوارات الأسرية

فالحياة العصرية الحديثة وما وفرته من وسائل لم يكن لها وجود من قبل، بالإضافة إلى الطفرة العلمية الكبيرة والتغيرات الاقتصادية العالمية التي غيرت العالم خلال العقود الماضية، أثرت بشكل كبير في طبيعة الحياة الاجتماعية التي نعيشها اليوم وغيرت ملامحها، وبنيان العلاقة الأسرية في المجتمع وبين أفراد الأسرة الواحدة.
ورغم أن ثقافة الحوار بدأت تنتشر وتأخذ حجمها ومكانها الطبيعي في المجتمع، إلا أنه ما زالت هناك شريحة عريضة من الآباء في مجتمعاتنا العربية تغض الطرف عن هذه الثقافة وأهميتها في التواصل مع الأبناء.

صراحة
تؤكد حبيبة علي، ربة منزل وأم لشابين وثلاث بنات، أنها على الرغم من عدم وعيها بأهمية هذا النوع من الحوار، وعدم وجود التوجيه الكافي من قبل والديها في أثناء تربيتها، إلا أنها وبشكل عفوي حرصت على خلق جو من الألفة مع أبنائها، حتى تحولت هذه العلاقة إلى صداقة حميمة ليتم كل ليلة تناول التجارب التي مر بها كل شخص خلال اليوم من مشكلات أو حتى مواقف بسيطة، الأمر الذي يعزز التجمع والترابط الأسري.
«لم تعتد بناتي إخفاء أي أمر عني أو الخجل من التحدث فيه، نظرًا لأنني زرعت فيهن ثقافة الحوار معي التي كانت على الدوام هي الحل الأول لديهن في حال واجهن أي مشكلة ولو بسيطة، لأقوم بدوري بتوجيههن إلى الخيار الصحيح».
وتشير حبيبة إلى أنها رغم اهتمامها بالجانب الحواري مع أبنائها إلا أنها لم تستبعد يومًا خيار العقاب في حال التقصير في بعض المواقف التي لا تحتمل أسلوب الحوار، فاستخدام هذا الأسلوب ينبع من ضرورة تذكير الأبناء بأن هناك ردعًا في حال التغاضي عن التوجيهات الصريحة التي لا تقبل النقاش.

أدوار
يرى محمد عبدالمجيد، أب لثلاثة أولاد وفتاة، أن لكل من الأب والأم دورًا مختلفًا عن الآخر يلعبه في عملية الحوار مع الأبناء، فالأم مثلاً تربطها علاقة أقوى من الأب ببناتها، فيما نجد أن الأب يكون أقرب إلى أولاده الذكور، خصوصًا كلما كبر الابن ووصل إلى مراحل عمرية متقدمة.
«كثير من الآباء يعترفون بفقدان آلية التواصل مع أبنائهم في الوقت الحاضر، نظرًا لكثرة الملهيات واعتماد كل طرف على الآخر، فالأب يلقي بالمسؤولية على الأم في متابعة أبنائها، وبحث متطلباتهم، والإجابة عن تساؤلاتهم، فيما تهمل بعض الأمهات هذه المسؤولية».
«المسجد قد يكون له دور مهم في تعليم المراهق بعض الموضوعات التي قد يخجل من التحدث فيها مع والده، وذلك من خلال خطبة الجمعة التي قد تتناول موضوعات مهمة منها: البلوغ، والاغتسال، وغيرها من الأشياء التي يكتسب الفرد فيها خبراته الأولية، أما البنت فتظل أمها هي مرجعها الأهم، وإذا غاب عنها هذا المرجع فسوف تلجأ إلى صديقاتها، وهنا تكمن مشكلة الاعتماد على الشخص الخاطئ في الحصول على المعلومات، خصوصًا إذا كان غير مؤهل».

الحوار ضرورة
يبدأ د.محمد بن عبدالله الشويعر، مدير عام إدارة الدراسات والبحوث والنشر بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، كلامه بتقديم تعريف مبسط للحوار يفيد بأنه ما يدور بين شخصين يتحدثان مع بعضهما بعضًا لإيضاح وجهة نظر كل منهما للآخر. ويمكن استخدام أسلوب الحوار بين الآباء والأبناء في التربية السليمة ليصبح منهجًا للحياة يتم استخدامه بأسلوب جيد في المدرسة، أو العمل، أو المنزل، لتسود المحبة والمودة، خصوصًا بين الآباء والأبناء، وبالتالي يتم بناء أسرة واعية متماسكة.
وتتعدد أنواع الحوار من الأسري إلى التعليمي والاجتماعي وحتى السياسي، بالإضافة إلى الحوار مع الأصدقاء، لكن فكرة الحوار بين الآباء والأبناء تختلف مقاصدها وأهدافها، فمضمون هذه العملية يقتصر، عادة، على الطلبات التي يطلبها الابن من أبيه لتحقيق بعض الأهداف أو توفير أشياء معينة، كما يقوم الأب أو الأم بطلب أشياء من الابن أو الابنة لتنفيذها بالشكل الذي يرضيهما.

استراتيجيات
حتى يصبح الحوار فعالاً لا بد من استخدام استراتيجيات عدة تنقسم إلى أقسام مختلفة يمكن تلخيصها في أن يكون المحاور متميزًا وناجحًا، سواء كان الأب أو الابن، فكلما اتسم المحاور بالتميز استطاع الوصول إلى هدفه المنشود بسهولة، وكذلك الحرص على إيصال الفكرة بطريقة ذكية وسريعة إلى المتلقي سواء كان الوالد أو الابن يؤدي إلى نجاح الحوار أم لا، فضلاً عن ضرورة عدم التشبث بالرأي وقبول الرأي الآخر، وذلك من خلال إفساح المجال للأبناء للتحدث والتعبير عن رأيهم.
ويجب على الوالدين أن يكونا قدوة حسنة، من خلال الإنصات إلى أبنائهم، والاستماع إليهم، وعدم رفع الصوت عليهم في أثناء الحديث، وإعطاء الفرصة للمتحدثين منهم، وعدم مقاطعتهم في أثناء الحديث أو الالتفات بعيدًا، لأن ذلك يلاحظه الأبناء، خصوصًا الأطفال، فتجدهم يطالبون والديهم بالنظر إليهم في أثناء الحديث حتى يتيقنوا من أنهم يسمعون ما يتم طرحه من آراء.
كما أن اختيار الظرف المناسب والوقت الأفضل للحوار أمر مهم جدًا، فلا يجب أن يتم الحوار بعد عودة الابن أو الابنة من المدرسة بإخفاق في بعض المواد، لأنهم في ذلك الوقت يكونون في حالة مزاجية غير جيدة. كما يجب عدم بدء الحوار في حال كان الابن فاقدًا شيئًا ثمينًا، أو متعرضًا لحادث، أو غيرها من الظروف السيئة، لأن ذلك يقلل من قدرته على التركيز، ويجعله غير مؤهل للحوار أو تقبل الرأي الآخر.
ويجب على الأبناء، أيضًا، الالتفات إلى هذه النقطة في أثناء رغبتهم في محاورة الوالدين، لأن من يختار الوقت المناسب يستطيع الوصول إلى ما يريد، وتحقيق هدفه من الحوار بسهولة.
وتؤدي الابتسامة دورًا مهمًا في عملية الحوار، فالأب عندما يحاور ابنه وهو مبتسم يأتي ذلك بمردود ونتائج إيجابية كبيرة.
وفي حال رغب الوالد في دعوة الابن لترك عادة سيئة أو صديق يعده الأب من أصدقاء السوء، فلا بد أن يركز على الجوانب السلبية في هذه العلاقة، وما يمكن أن تسببه من مشكلات، لأن ذكر المبررات والمشكلات، والاستعانة بالأمثلة التي تؤيد الرأي أفضل كثيرًا من التركيز على شخص هذا الصديق وسوء سمعته، لأن ذلك قد يدفع الابن إلى اتجاه عكسي، وهو التمسك بصديقه أكثر من السابق.
وعلى الوالدين مراعاة طبيعة أبنائهم الحوارية، لأن كل شخص يختلف عن غيره في أسلوب التحاور، وتلعب خبرة الوالدين عاملاً مهمًا في التعرف على هذه الطبيعة من ناحية الحلم، وسعة الأفق، وسعة الصدر، والاستعداد للحوار، والقدرة على التحمل، وبناءً عليه يتم تحديد الأسلوب المناسب في الحوار مع الأبناء.
ويختلف شكل الحوار بين الفئات العمرية المختلفة، فعند مخاطبة طفل صغير لا بد من استخدام أسلوب مبسط وكلمات معبرة حتى يفهم طبيعة الحوار الدائر، أما في حال كان في مرحلة المراهقة أو شابًا كبيرًا، فلكل منهم لغة حوار خاصة به، وأسلوب يستطيع أن يستخدمه المحاور.
الحوار الناجح، دائمًا، له إيجابيات سواء بين الآباء والأبناء أو بين الأصدقاء أو الموظفين والمرؤوسين في العمل، فثمرة الحوار الناجح لها مردودها الملموس، ولذلك لا بد أن يكون الإنسان صادقًا وواقعيًا في حواراته سواء كان الابن مع أبيه، أو الابنة مع أمها، والعكس، فالابن لا بد أن يصارح والديه بالمشكلات التي يتعرض لها، ويحدثهما عن طموحاته وأفكاره وكل ما يجول في خاطره، لأن الحوار إذا انعدم فسيحدث خلل في الأسرة بالكامل، أما في حال وجوده فسيحدث تواصل وترابط أسري بشكل كبير.

مخاطر
عندما ينعدم الحوار يبحث الأبناء عمن يحاورونه سواء من الأصدقاء مباشرة أو عبر اللجوء إلى الإنترنت للبحث عن أصدقاء عبر غرف الدردشة، أو للبحث عن بعض الموضوعات عبر محركات البحث المختلفة، وهو ما يشكل خطورة كبيرة، حيث إنه لا يمكن الوقوف على مدى صلاحية هذه المصادر في استقاء المعلومات من عدمها، وهنا يحتاج الأبناء إلى توجيه من الوالدين بالمواقع الإسلامية المفيدة التي يمكن اللجوء إليها. وإيجازًا فإن انعدام الحوار يتسبب في حدوث مشكلات كبيرة في حال تعرض الأبناء لمصادر غير موثوقة لتلقي المعلومات.
من ناحية أخرى تبدأ البنت البحث عن وسيلة للحصول على المعلومات حول تساؤلاتها التي تشغلها، وإذا لم تكن الأم حاضرة آنذاك فقد تلجأ البنت إلى مصادر أخرى غير جديرة بالثقة، ما يعرضها للوقوع فريسة لمن يخدعها أو يسيء استغلالها.
وهنا ينصح د.الشويعر كل أم بأن تحتضن بناتها، وتعتمد أسلوب المصارحة معهن، بل واستخدام سياسة التشجيع والتقرب والمحاورة حتى تصبح الأمهات صديقات لبناتهن، لتحقيق الترابط الأسري المطلوب الذي له من النتائج الإيجابية الكثير.
وتعد علاقة الأم ببناتها مطلبًا أساسيًا منذ الصغر إلى المراحل العمرية المتقدمة للفتاة، حيث إن هذه العلاقة تولد صداقة حميمة بينهما وتخلق جوًا من الألفة والثقة المتبادلة بين الأم وابنتها، ويتم ذلك من خلال سؤال الأم عن التفاصيل كافة المتعلقة بحياة ابنتها، والتعرف على صديقاتها، ومتابعتها بشكل مستمر، وزيارتها في المدرسة، والسؤال عنها حتى تدرك الابنة مدى حرص الأم عليها، وهنا تصبح على استعداد لمحاورة أمها في شتى الأمور المتعلقة بها.

احذروا النهضة الإلكترونية
تمثل النهضة الإلكترونية في الوقت الحاضر من الإنترنت والألعاب الإلكترونية ومنصاتها المتعددة التي تنتشر في المجتمع بشكل كبير، بجانب الفضائيات والحاسب الآلي، والفيديو سببًا رئيسًا في غياب الحوار في المنزل، وإذا لم يستطع الوالدان تقنين مثل هذه الملهيات وتخصيص وقت للحوار يُفرض على الجميع بعيدًا عن لجوء الأبناء إلى مثل هذه الملهيات، فسوف يؤثر ذلك سلبيًا فيهم، ويتسبب في حدوث نوع من الانحراف الفكري في المستقبل.

تساؤلات حرجة
يمر كل شاب وفتاة بمرحلة البلوغ التي يطرأ خلالها العديد من التغيرات الفكرية والنفسية والجسدية على المراهق، وهنا تنفجر التساؤلات المختلفة حول ماهية هذه المرحلة وما يمر به المراهق من تغيرات، ويتم استقبال هذه التساؤلات بطرق مختلفة من قبل الوالدين، فهناك من الآباء الجريئين الذين يوصلون المعلومة إلى أبنائهم بطريقة مباشرة، وهي الحال نفسها مع الأمهات، بينما توجد فئة أخرى منهم تتسم بالذكاء في إيصال المعلومة ويمكن تشبيههم بالمعلمين، ويلجأ هؤلاء إلى استخدام الأمثلة في عملية إفهام الأبناء بطريقة جيدة، عبر تذكير المراهق بشخص آخر قد يكون الأخ الأكبر أو أحد الأقرباء من العائلة قد مر بهذه التجربة، حتى يعرف المراهق أنه مقبل على مثل هذه المرحلة يومًا ما، فلا تحدث أي اضطراب لديه في أثناء مروره بالتجربة نفسها.
هناك نوعية ترفض شرح مثل هذه الأمور للأبناء أو التعليق عليها بوصفها من الأمور الحساسة التي لا يمكن الاقتراب منها، وهذا التفكير خاطئ بشكل كبير، إذ لا بد أن يكون الوالدان صريحين مع أبنائهما وبناتهما، لا سيما في ظل وجود الإنترنت الذي يمكن أن يلجأ إليه الأبناء بسهولة للبحث عن أي شيء يشغل ذهنهم أو للإجابة عن تساؤل ما، وذلك، في حد ذاته، مشكلة إذا تم دون توجيه الوالدين ودعمهما.

من يحاور اليتيم؟
المدرس يحمل مسؤولية كبيرة على عاتقه في الحوار مع الطفل اليتيم بجانب الشخص المسؤول عن رعايته، والذي يكون له دور كبير ومهم في عملية الرعاية وإجراء الحوارات التي يستخرج من خلالها ما يحمله الطفل من تساؤلات ومتطلبات داخله، كما تؤدي الجمعيات المسؤولة عن رعاية هؤلاء الأيتام دورًا آخر في الاهتمام بهم، وتنمية روح الحوار لديهم، بالتحدث عن متطلباتهم، والتعرف على رؤاهم وأطروحاتهم المختلفة في الجوانب كافة.