April_09Banner

ثقافة نفسية


التجارب وردود الأفعال
كيف نعي مفهوم التجربة؟
نبحر بالتجارب لنتمكن من توجيه الدفة تجاه الأصلح.
Health1_April

• الرياض: هالة محمد الجيرودي

«إن الألماس لا يلمع دون احتكاك، كذلك الإنسان لا يتعلم دون تجارب». «التجربة معلم شديد القسوة، إذ إنها تخبرنا أولاً وتعطينا الدرس بعد ذلك». عندما نتعلم من أخطائنا نستقرئ معنى النجاح، وعندما نعي مفهوم التجربة نتوخى الحذر فيما نُقدم عليه، وفي الوقت نفسه نُقدم بشجاعة عندما نسترجعها كمخزون، وندرك بيقين مفعم بقناعات الرضا ما لدينا من نعم. عندما ترتسم لنا طرق جديدة للحياة نبحر بالتجارب، لنتمكن من توجيه الدفة تجاه الأصلح. هنا التساؤل يعتلينا: ما السبيل؟ وليمحو تخبطنا على عرى متمكنة يساندنا د.عبدالله بن أحمد الشعلان، أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد.

  • استراتيجية المستقبل تتشكل بناءً على أنماط استجاباتنا للتجارب

  • يجب أن نتعلم من ماضينا أخطاءنا، ونستثمر ذلك في بناء مستقبلنا

يرى الشعلان أن حياة الإنسان مليئة بالتجارب بنوعيها السارة وغير السارة، فعند تفاعله الاجتماعي بمن حوله يتعرض لمجموعة من المواقف، بعضها يعرفها ويتصرف من خلال مخزونه الثقافي وأطره المرجعية، وبعض هذه المواقف تكون جديدة عليه، فيقف أمامها ولا يحسن التصرف حيالها، لذا يقول إنني فشلت. هو في الواقع لم يفشل، ولكنه تعلم خبرة جديدة تُضاف إلى مخزونه الثقافي، ويعدل بذلك سلوكه، لذا نقول إن الإنسان السوي يتعلم من أخطائه.
وفيما إذا كانت التجارب تشكل استراتيجية المستقبل يعتقد أستاذ علم الاجتماع أنه إذا مرت على الإنسان تجربة غير سارة، فردود الأفعال هنا تختلف من شخص لآخر. بعض الناس يتعلم من هذه التجربة بشكل إيجابي ويعدل سلوكه تجاهها، ويحاول ألا يقع مرة أخرى في الخطأ نفسه، لذا يرسم لنفسه خطى ثابتة نحو مستقبل جيد. وبعضهم الآخر يتصرف بشكل سلبي، ويجعل هذه التجربة حجر عثرة في طريق مستقبله، لذا يلازمه الفشل وتتراكم عليه الأخطاء والمواقف غير السارة، لأنه لم يعدل سلوكه بناءً على الأخطاء التي وقع فيها، فاستراتيجية المستقبل تتشكل بناءً على أنماط استجاباتنا للتجارب إما سلبًا أو إيجابًا.
وحسب الشعلان فإننا يمكن أن نتعلم من التجارب صناعة أوقات ثمينة من العمر إذا ما نظرنا إلى الحياة بروح متفائلة، ما يساعد على الحياة بصحة نفسية جيدة، فالفشل لا يعني أبدًا نهاية الحياة. لا بد أن نعيش حاضرنا، وأن نتطلع إلى مستقبلنا بقلب متفائل مليء بالإيمان بالله، عز وجل، والتوكل عليه. ويجب، أيضًا، ألا ننظر إلى الخلف، لأنه ماضٍ ولا نستطيع أن نغيره، وليكن شعارنا «لا تأسى على ما فاتك، وخطط لحياتك»، أي لا تعش ماضيك المؤلم، ودع ماضيك وانساه، ثم انطلق نحو مستقبل مشرق، بإذن الله، ولكن يجب أن نتعلم من ماضينا أخطاءنا، وعيوبنا، ونقاط ضعفنا، ونستثمر ذلك في بناء مستقبلنا.
لذلك فالتجارب تتعزز فينا عندما يتعرض الإنسان لمواقف صعبة في حياته، وتكون استجابته من النمط الإيجابي، فإنها «أي التجارب» تخلق منه إنسانًا قادرًا على مواجهة الحياة بشجاعة، والتغلب على مصاعبها مستقبلاً بإذن الله، فهذه المواقف على الرغم من صعوبتها وقسوتها على الإنسان، إلا أن لها جانبًا إيجابيًا في تقوية شخصية الإنسان، وما الشخصية إلا مجموعة من السمات الخلقية، والنفسية، والاجتماعية «أي التجارب التي يمر بها الإنسان». فالإنسان عندما يتعرض لمواقف صعبة في حياته يطور بذلك سلوكيات تجعله أكثر من غيره قدرة على التصرف السليم في مواقف مشابهة.
ولكن هل تُلبسنا التجربة نظارة الأخطاء لنرى خلالها فرصًا رائعة لم نحققها؟
يجيب الشعلان بنعم. وهذا الجانب الإيجابي من التجارب، فعندما نسترجع تجربة ما مؤلمة مرت بحياتنا، فإن هناك فرصة لنا أن نتتبع أخطاءنا التي وقعنا فيها وأوصلتنا إلى تلك التجربة المؤلمة، وعدم قدرتنا في تلك اللحظة على التعاطي السليم معها، وأن نعدل سلوكنا بناءً على تلك التجربة لنصبح قادرين على التصرف الحكيم عندما نتعرض لتجارب مشابهة.
متى أقول للمرآة «لا تعش بعقلية ضحية الظروف وفق الدكتور الشعلان» نقولها منذ لحظة وقوع التجربة المؤلمة، وألا نستسلم أو نجعل أنفسنا سجناء تلك التجربة. نقول نحن لم نفشل، لأن الفشل ما هو إلا هزيمة مؤقتة تخلق لنا فرص النجاح. هذا كله يتطلب منا أولاً الإيمان بالله، عز وجل، وتقوية ثقتنا بالله، سبحانه وتعالى، لأن ذلك سيجعلنا نتغلب على أي تجارب مؤلمة بروح متفائلة وثقة بأنفسنا، وذلك وفقًا لأحدث الدراسات التي وجدت أن الدين له تأثير إيجابي قوي في مواجهة مصاعب العمل التي يتعرض لها الموظف.
والإنسان لا يتعلم فقط من تجاربه التي مر بها، بل، أيضًا، من تجارب الآخرين، فمن خلال ما يقرؤه أو يسمعه عن تجارب الآخرين يتعلم الإنسان ويكتسب خبرات تُضاف إلى مخزونه الثقافي دون أن يتعرض للتجربة ذاتها.
ومن المهم مواجهة النفس ومصارحتها بالأخطاء والعيوب ونقاط الضعف لهو نصف الطريق لعلاجها وتنقيتها من الشوائب، فديننا الحنيف حثنا على محاسبة النفس والانشغال بعيوبها عن عيوب الناس.
فإذا مرت بالإنسان تجارب مؤلمة كالفشل في علاقة زواج، أو صداقة، أو عمل، أو دراسة، فبدلاً من أن يلوم الآخرين ويسقط عليهم أخطاءه، ويحملهم مسؤولية فشله، يكون من الأجدر به أن يواجه نفسه ويحملها مسؤولية فشله، ولكن بشكل إيجابي، أي أن يبحث عن عيوبه وأخطائه ويصلحها، لا أن يبالغ في جلد الذات ويلومها دائمًا، لأن ذلك قد تكون له آثار سلبية على نفسيته كانخفاض تقديره واحترامه ذاته. بعض الناس يتهرب من مواجهة ذاته ومصارحتها، لاعتقاده أن ذلك سيفقده احترامه وتقديره ذاته. وهذا غير صحيح، لأن التمادي في الأخطاء وإلقائها على الآخرين، والعجز عن تجاوز المواقف الصعبة سيؤدي لا محالة إلى نفور الناس منه، ومن ثم خسران نفسه، فالتدريب على مصارحة النفس سيساعد الفرد على حل مشكلاته وحب الآخرين له، ومن ثم إكسابه ثقة في نفسه.
وحسن التصور والتدبر يتيح للرؤى إنتاج تآلف في المجتمع الإنساني. ويكتسب الإنسان حسن التصور والتدبر في المواقف المختلفة من خلال التجارب التي يتعرض لها في حياته. وهذا السؤال يلخص ما ذكرناه سابقًا. تصقل التجارب بنوعيها السار والمؤلم للإنسان، فتقوى بها شخصيته، ويشتد عظمه، ويتسع مخزونه الثقافي الذي يستمد منه طرقًا مختلفة وخيارات متعددة للتصرف بحكمة في أي موقف يمر به، وبذلك يتجاوز المجتمع الكثير من المشكلات الاجتماعية التي يمر بها، لأن أفراده لديهم القدرة على التصرف السليم، وتتناغم أنساق المجتمع مع بعضها بعضًا، فيكون المجتمع في حالة استقرار، وينعم بذلك أفراده.