النحات كرام النمري:
للطبيعة أثر في أعمالي
صمم مجسمًا مستوحى بالكامل من القرآن الكريم سماه «الرقاع».
• عَمَّان: تمارا بزبز
د.كرام النمري نحات من نوع آخر، حبه لأرضه وللطبيعة هو الذي جعل منه فنانًا يتقن فن النحت. يستلهم أفكاره من الطبيعة وتؤثر فيه الأحداث التي تجري هنا وهناك حتى إنه أبدع عملًا فنيًا يمثل صلاح الدين الأيوبي نصب في محافظة الكرك الأردنية، ولأنه يدرك أن مجتمعنا العربي محافظ ومحب لدينه قدم عملًا فنيًا ضخمًا مستوحى بالكامل من القرآن الكريم أطلق عليه اسم «الرقاع».
بدأ د.النمري حياته الفنية منذ طفولته، وحصل في عام 1953 عندما كان في المرحلة الابتدائية، على جائزة للرسم على مستوى مدارس المملكة، كما أنه كان يحاول النحت على الصخر ومنعته والدته من ذلك عندما أراد الحصول على السكين لكي يحفر في الحجر.
وقدم أول منحوتاته أواخر الخمسينيات، وبدأ بعدها رحلة الدراسة، فكانت البداية من جامعة دمشق التي أنهى فيها البكالوريوس في الفنون الجميلة، ثم أكمل الدبلوم في مقلع الرخام بكرارة في إيطاليا إلى أن حصل على دكتوراه من أوهايو عام 1995.
الرقاع
وقد استطاع الفنان النمري أن يقدم عملًا مبدعًا استوحاه بالكامل من القرآن الكريم، وأطلق عليه اسم «الرقاع»، وهو معروض أمام الجامعة الأردنية في العاصمة عمان، حيث نصب العمل عام 1989، واستغرق عمله 36 ألف ساعة.
واستقى هذا العمل من الآيتين الكريمتين 96، 97 من سورة الكهف }آتوني زبر الحديد، حتى إذا ساوى بين الصدفين، قال انفخوا حتى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا{.
من هذه الآية الكريمة جاءت الفكرة وهي صهر الحديد على النحاس لتكوين العمل الفني، ومنها، أيضًا، اكتشف الفنان التكنيك وهو مزج الحديد بالنحاس.
وعن الشكل قال إنه مستوحى من قصة نزول جبريل، عليه السلام، بالوحي على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، فجاء الشكل مكونًا من رقائق على شكل رقاع سبع ملتفة على بعضها البعض، نازلة على تراب التلة، ضامة كلمات الآية القرآنية }اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم{.
ولقدسية هذا الكلام رفع الفنان هذه الصحائف عن الأرض، ولم يضع لها قاعدة، لكيلا تكون مرتبطة بالأرض مباشرة. ويقول إنه بهذا العمل استطاع أن يخرج بفنه إلى الجمهور، وأن يطرح فن النحت بمفهوم إسلامي جديد مستمد من التراث ولا يتعارض مع المفاهيم الدينية.
أعماله
يبين أن الحضارة العربية هي محور رئيس في معظم أعماله النحتية، حيث إن المعروف من الناحية السيكولوجية أن محتويات العمل الباطني هي الذاكرة الوراثية والخبرات اليومية، ولهذا عندما نشاهد في عقلنا الواعي أي عنصر يحاول العقل الباطن أن يطابق ما في مخزونه مع الرؤية الخارجية فيقول: «اختزل عناصر في التشكيل مستندًا إلى العقل الباطن للمشاهد ليكمل النواقص من ذاكرته الداخلية، وهنا يخلق حوارًا مع العمل ليبني جسورًا مع المشاهد والمنحوتة». كما بين أن الأحداث التي يشهدها العالم العربي تؤثر في أعماله كثيرًا ومنها جاء نصب صلاح الدين الموجود في محافظة الكرك.
الطبيعة
للطبيعة أثر في أعماله، فهو يرى أنها أفضل سجل في موجودات التاريخ وأصدق من كتب التاريخ، فيجد أن الأشجار والطبيعة سجل على الأحداث، وهي شاهد على العصر. فالأشجار من وجهة نظره تسجل معاناة الإنسان، وهي شاهد على العصر، فشجرة الزيتون، مثلًا، شهدت أحداثًا في عهد الرومان المسيحيين، والفتوحات الإسلامية، والاستعمار، والغزوات الصليبية، وما علينا إلا أن نستدرجها للحديث، ومن هنا تكمن أهمية أعماله، على حد تعبيره.
ويستخدم النمري مواد مختلفة في أعماله منها: الخشبية، والمعدنية، والحجرية، والجبصية، ولكل مادة عنده مجموعة من القيم الجمالية والتعبيرية تختلف عن المادة الأخرى.
النحت والتراث
النحت هو الفن الوحيد الذي يعكس هوية الأمة وتراثها في الساحات والميادين العامة، فهو يعكس الروح العصرية على البيئة، فالنمري يؤكد حق الأمة العربية في عكس تراثها على بيئتها من خلال إيجاد منحوتات توضع في الساحات والميادين العامة.
وعما إذا كان يجب أن يكون النحات في حالة من القلق والتوتر تجاه العالم والكون، لكي يستطيع أن يقدم إبداعًا متميزًا قال: «الفنان أولًا وأخيرًا من المجتمع، فهو الناطق الرسمي باسم جيله، ولا نستطيع أن نفصله عن الأحداث التي تمر بالمنطقة، فهي التي تخلق توترات داخل الفنان ليخرج في «جملة» يعبر فيها عن ضمير الأمة، وهذا التوتر يعايش الفنان ويؤرقه ليل نهار، ويزداد نضوجًا في الخبرات، فالعمل الفني يخرج عن معاناة حقيقية يعايشها الفنان في أي بقعة من الأرض، والنحات واحد من الفنانين، وإن اختلفت لغة التعبير».
مدارس فنية
لا ينتمي النمري إلى أي مدرسة فنية، ويعلل ذلك باعتماده بالدرجة الأولى على تجربته الشخصية الذاتية، وأنه ينتمي إلى الشعب والهوية العربية بروح معاصرة، وقد تأثر بالفنان الإنجليزي «هنري مور»، والياباني «ناجوجي» من الناحية التقنية فقط وليس من الناحية الفكرية.
ويرى أن النحاتين في العالم العربي ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي: الفنانون الفطريون الذين يعبرون عن أعمالهم بأسلوب فطري يرتبط بالأساطير والحكايات التي تستهوي مقتني الأعمال النحتية، وغير الفنانين الذين يركبون موجة الحداثة وليست لهم رسالة اجتماعية، ووصفهم بأنهم غرباء عن البيئة العربية، والنوع الأخير هم الواقعيون الذين يأخذون من التطور النحتي في العالم وسيلة لبناء جسور هويتنا الحقيقية».