قد يتعرض للمشاكل أحد أفراد الأسرة دون غيره
مشاكل صحية في حجرات النوم
• د.عبدالبديع حمزة زللي
أستاذ علم التلوث والتسمم البيئي بجامعة طيبة
تتركز أهمية الزنك الحيوية في المقام الأول في الدور الذي يؤديه في نشاط الإنزيمات الحيوية، إذ وجد أنه ضروري لفاعلية أكثر من 70 إنزيمًا من الأنواع المختلفة التي تشمل، على الأقل، واحدًا من كل تقسيم رئيس للإنزيمات مثل: إنزيم الكربون اللا مائي، والفوسفاتيز القلوي، ونازعات الهيدروجين، والجلوتامين، وكذلك الببتيديز الكربوكسي. بالإضافة إلى ذلك فإن للزنك دورًا فاعلاً في أيض الأحماض النووية وتكوين البروتينات.
فهل لاحظ أحدنا أن واحدًا من أفراد أسرته أو بعضهم عندما يجلس كثيرًا في حجرة النوم يُصاب بالسعال والصداع وضيق التنفس ومشكلات صحية أخرى؟
فإذا كانت الإجابة نعم، فإن ذلك قد يعني أن نوع الأثاث الموجود في حجرة النوم هو المصدر المسبب لهذه المشكلات الصحية. وهذا يدعونا أن نعرف شيئًا عن أنواع حجرات النوم فيما يتعلق بجودة صناعتها.
إن المتأمل في أنواع أثاث حجرات النوم المتوفرة في الأسواق، يجدها تنحصر غالبًا في ثلاث فئات رئيسة، تتمثل غالبًا في الأنواع الجيدة والتي تكون في العادة مرتفعة الأسعار، والأنواع المقبولة، والأنواع الرديئة والتي تكون في العادة منخفضة الأسعار.. وتفاوت أسعار الأثاث الواحد في الأسواق يكون عادة لعدة أساسات, منها على سبيل المثال نوع الخامة المستخدمة في صنع الأثاث وجودتها, والمواد التي تدخل في تركيبها, وجودة الصنع, وبلد المنشأ الذي تُصنع فيه السلعة, وجاذبية الشكل والمظهر.
والمشكلات الصحية التي ربما نواجهها من أثاث حجرات النوم تنتج في الأصل من بعض أنواع الخشب المستخدم في صناعة هذا الأثاث. وكلنا نعرف أن الغالبية العظمى من أثاث حجرات النوم يتركب أساسًا من الخشب.
لقد أشرنا إلى أن الخشب الاصطناعي يتكون أساسًا إما من قطع صغيرة من الخشب أو من النشارة، وهي الفُتات أو الحبيبات الخشبية التي تتخلف من عمليات نشر الخشب وتنعيمه، ويطلق على هذا النوع من الخشب الاصطناعي الخشب الحُبيبي. ويتم تصنيع الخشب الحُبيبي بخلط النشارة بأنواع خاصة من المواد اللاصقة الكيميائية «الغراء»، وكثيرًا ما يُستخدم غراء كيميائي يسمى اليوريا فورمالدهايد في تجهيز ألواح الخشب الحُبيبي عن طريق كبس النشارة المخلوطة جيدًا بالغراء تحت ضغط ودرجة حرارة معينين ولفترة محدودة، ما ينتج عنه تفاعل الغراء كيميائيًا واستقراره, الأمر الذي يؤدي إلى لصق نشارة الخشب مع بعضها جيدًا، ويجعلها متماسكة ولا تنحت, كما تُستخدم مادة الفينول فورمالدهايد بصورة رئيسة في صناعة ألواح الأبلكاش، للاستخدامات الخارجية التي تتطلب مقاومة لتأثير الماء, كما تُستخدم في صناعة الأثاث الخشبي بأنواعه المتعددة مواد لاصقة كيميائية أخرى من أهمها غراء كيميائي آخر يسمى خلات عديد الفينيل يرمز لها بـ(PVA). ومن هنا يظهر لنا أن ألواح الخشب الاصطناعي المستخدم في صناعة الأثاث الخشبي إذا لم تغلف جيدًا بمادة عازلة، فإنها ستصبح مصدر تتحرر منه في هواء الحجرات الغازات الكيميائية الضارة، ومن أهم هذه المواد الضارة مادة الفورمالدهايد.
وقد أشرنا سابقًا إلى أن أثاث حجرات النوم الذي يتكون أساسًا من الخشب الاصطناعي دون تغليفه بطبقة عازلة بأي وسيلة من الوسائل، مثل وضع طبقة من الفورمايكا أو طلائه بطلاء عازل أو تغليفه بمادة بلاستيكية، يُعد من المصادر التي تعمل على تحرر الغازات الكيميائية الضارة، مثل غاز الفورمالدهايد وغيره. ووجود هذا الغاز في هواء حجرات النوم، ولو بتركيز منخفض لفترة طويلة من الزمن قد يؤثر في صحة الإنسان. إذ وجد أن التركيزات التي تتجاوز الجزء الواحد في المليون لفترات زمنية طويلة من شأنها أن تسبب مشكلات صحية سنشير إليها فيما يلي:
المشكلات الصحية
سبق أن أشرنا إلى أن أن جميع أنواع أثاث حجرات النوم لا يُسبب مشكلات صحية في معظم الأحوال، ولكن قد يكون الأثاث مكوّنًا، كليًا أو جزئيًا، من الخشب الاصطناعي الذي لم يُغلف بشكل محكم بمادة عازلة، الأمر الذي يعمل على انبعاث كميات كبيرة من الغازات الكيميائية التي تتحرر من خليط النشارة مع الغراء، وخصوصًا في الأيام الأولى من وجود الأثاث الجديد. ما يجعلنا نشم رائحتها النفاذة عند دخولنا الغرفة. ولأن التركيزات العالية من هذه الغازات الكيميائية قد تؤثر في صحة الأصحاء، فضلاً على صحة أولئك الذين لديهم قابلية عالية للتحسس، فقد نراهم يعانون هذا الأثاث الجديد دون غيرهم.
ومن أهم المشكلات الصحية التي ربما تحدث عند مكوثهم زمنًا طويلاً في الحجرة التي يوجد فيها الأثاث الجديد الذي تنبعث منه الروائح النفاذة القوية ما يلي:
• إثارة الجهاز التنفسي والسعال والعطاس.
• إثارة الأغشية المخاطية.
• إثارة العينين واحمرارهما.
• صداع.
• إعياء.
• حكة في الجلد.
كما وجد علماء النفس البيئي أن التعرض لاستنشاق كميات ضئيلة من غاز الفورمالدهايد وغيره من الغازات الضارة، ربما يسبب ضغوطًا بيئية، خصوصًا على أولئك الذين لديهم قابلية للتحسس. ووجد العلماء« » أن التعرض طويل الأمد للضغوط البيئية يُولِّد في الإنسان مجموعة من الاختلالات الحيوية السيئة، ومن ثَم فإن جميع أعضاء الجسم التي تشارك في القيام باستجابة التكيف العام قد تتعرض لحالة من الإنهاك الجسمي الشديد. وإذا ما استمر التعرض لهذه الضغوط فترات طويلة من الزمن، فعندئذ قد تبدأ مجموعة من الاضطرابات النفسية الجسمية في الظهور، حيث يبدأ المتعرض لهذه الضغوط المعاناة من أمراض الجهاز المعدي المعوي، وأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الأوعية المخية، وأمراض القلب. ولقد وجد أن الضغوط البيئية كثيرًا ما تسبب اختلال جهاز المناعة.
كما وجد العلماء أن أولئك الذين لديهم تحسس من الغازات والمواد الكيميائية يتأثرون بها بسرعة، فعندما يستنشقون هذه الغازات فهي تثير فيهم دون غيرهم ردود التحسسية, وهذه الردود ليست مقتصرة على أزيز الربو الخانق أو الكحة والعطاس وحكة الجلد، ولكنها قد تشمل القلق، أو الكآبة، أو آلام الظهر، أو التهاب المفاصل، أو المغص، أو المشاكل الصفراوية، أو القروح الهضمية، وارتفاع ضغط الدم، وكذلك فرط النشاط أو الإقبال اللامنطقي على الأكل والشرب« ».
الاحتياطات الواجبة
• من النعم العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا أن جعل في أجسامنا أجهزة إحساس تُشْعرنا بشكل مباشر وفوري بوجود الأشياء الغريبة التي من حولنا، كي نتجنبها، ونبتعد عنها، أو نأخذ حذرنا منها. وجهاز الإحساس الشمي من أجهزة الإحساس المهمة التي تنبئنا بوجود المواد الغريبة في الهواء الذي من حولنا. ففي حالة الإحساس بانطلاق روائح نفاذة من أثاث حجرة النوم الجديد بشكل يُثير العينين والأنف والحنجرة، فمن الأفضل ألا نضع مباشرة ملابسنا وحاجياتنا الأخرى في الدواليب والأدراج، بل يُفضل فتح أبواب الدواليب على مصراعيها، وفتح الأدراج، وفتح نوافذ الحجرة، وإغلاق باب الحجرة لعدة أيام، حتى تتبخر معظم المواد الكيميائية الضارة، وتخرج الغازات المتبخرة خارج المسكن عبر النافذة المفتوحة. ويساعد إغلاق باب الحجرة على عدم انتشار هذه الغازات في الأماكن والحجرات الأخرى.
• فتح المروحة الكهربائية وزيادة سرعة حركتها، وفتح مكيف الهواء يساعد على زيادة سرعة تبخر المواد الكيميائية الضارة.
• إذا لاحظنا مع مرور الزمن استمرار تحسس أحد أفراد الأسرة عند مكوثه وقتًا طويلاً في غرفة النوم، فإن ذلك يعني أنه من المحتمل أن توجد في هذه الغرفة الغازات الكيميائية التي تنبعث من الغراء الكيميائي المستخدم في الأثاث، والتي قد تنبعث بكميات ضئيلة للغاية لا تؤثر في الأشخاص العاديين، فعندئذ يُنصح بنقله إلى غرفة أخرى لا تحتوي على مثل هذا الأثاث، فإذا ما زالت عنه أعراض التحسس، فعند ذلك يُتأكد بأن مشكلته تنبع أساسًا من أثاث غرفة نومه، ويُنصح باستخدام أثاث آخر مصنوع بالكامل من الخشب الطبيعي غير الاصطناعي، أو مصنوع بالكامل من الألمونيوم أو المعادن الأخرى, فهذا النوع يعد آمنًا، ولا تتحرر منه في هواء الحجرة أي مواد كيميائية.
وقبل أن ننهي هذا المقال الموجز نود أن نشير هنا إلى أن هذا المقال لم يأتِ لإخافة الناس بما ينعمون به من أثاث وثير ومريح، فقد أشرنا إلى أن الغالبية العظمى من الأثاث الخشبي الذي يُوجد في بيوتنا آمن، ولا يشكل لنا أخطارًا صحية، ولكن قد جاء هذا المقال لإلقاء الضوء على المشكلات الصحية التي ربما تحدث نادرًا لأحد الأفراد في أحد البيوت، لكونه شديد الحساسية للغازات والمواد الكيميائية والتي تصاحبه في حياته اليومية، ما يعرضه للمشكلات الصحية التي سبق أن أشرنا إليها، والتي ربما تتفاقم وتزداد سوءًا، لأننا لا نعرف الأسباب ومصدرها، فإذا لاحظنا أعراض التحسس لدى أحد الأفراد، فينبغي أن نأخذ بالنصائح التي ذكرناها، أما إذا لم نلاحظ أي تحسس من أثاث حجرة النوم الجديد أو القديم أحيانًا، فلا داعي أبدًا للقلق، ولنهنأ بهذا الأثاث، وننعم به.
«1» محمد نجيب الصبوة. علم النفس البيئي: التلوث الكيميائي والاضطرابات النفسية العصبية لدى بعض عمال الصناعة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1997 م. ص33-34
«2» سامي القباني. الحساسية: أنواعها، علاجها، الوقاية منها. بيروت، دار العلم للملايين.
ص13 -14، ص56