يتوافد إلى العيون العديد من الزوار
العيون الحـارة في جـازان
مناطق جذب سياحي، ولمن ينشد الاستطباب بمياهها المعدنية الساخنة.
• استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
مهما كانت الاعتبارات, والتعليلات, والتصورات المرتبطة بجملة من الاعتقادات والمفاهيم المشوبة، عادة، بالنكهات الأسطورية حول المياه المعدنية الحارة وخاصيتها الإعجازية في الشفاء من الأسقام، يبقى العلم الحديث هو الفصل في ذلك، وهو من يحدد مدى صحة تلك الخاصية الشفائية في غياهب أعماق عيونها المظلمة، وخارج أعماق ظلمة الجهل الطاغية، في بعض الأحيان، بسبب هيمنة الثقافات السائدة والتقليدية المربكة، عادة، وتكريسها للتوجهات الحضارية.
|
|
|
فقد بين العلم من خلال الأبحاث المستفيضة أن تلك العيون كسبت شهرتها عبر الزمن، لكونها تفيد في علاج بعض الأمراض والعلل، خصوصًا الأمراض الجلدية، وبعض أنواع الروماتيزم والنقرس, ويرجع سبب ذلك لغنى مياهها بالمعادن المذابة, خصوصًا معدن الكبريت, فضلاً عن سخونتها التي تسهم في تكميد الأعصاب المتهيجة وتهدئتها, ما يضفي ذلك الشعور المتغلغل في أعماق النفس بالراحة والاطمئنان، وليس ثمة ما يساند بعض الاعتقادات الموغلة في ثقافة الأسطورة والافتتان بالخرافة, والتي تصر باستعصاء فكري على أن تلك العيون الحارة قادرة على شفاء جميع الأمراض حتى النفسية منها.
وفي منطقة جازان، توجد الكثير من تلك العيون الحارة, التي قامت الدولة بتهيئتها للزوار طوال العام, عن طريق بناء البرك، والمظلات، وتجهيزها وفق أحدث المواصفات العالمية, وأهمها:
• العين الحارة في جبال بني مالك: تسمى, أيضًا, وغرة بني مالك, وهي على مقربة من الحدود اليمنية, وتبعد عن جيزان المدينة قرابة الـ150 كم, حيث تنبجس من أحد الجبال، وتنحدر مياهها شديدة الحرارة خلال مجرى ضيق، يسير بعضه في حوض مربع داخل الصخور، يشدك بجماله الأخاذ، ثم تختلط في النهاية مع مياه وادي ضمر. وقد قامت الدولة ببناء حوضين كبيرين منفصلين لها، واحد للرجال وآخر للنساء، مع مظلات وحمامات عدة، واستراحات وفق أحدث الطرز المعمارية، فضلاً عن التنسيق البديع للحدائق حولها بطريقة مميزة تتيح للسياح التنقل بحرية، والتمتع بالطبيعة الخلابة دون أدنى إزعاج. هذه العين التي ما إن تلج بواباتها، حتى ينتابك شعور بأنك في حديقة من أرقى الحدائق الأوروبية بمسطحاتها الخضراء وأشجارها الوارفة، وتذكرك بتلك العيون الحارة في بودابست عاصمة المجر. يتوافد الزوار على العين من جميع أنحاء المملكة والخليج العربي للاستطباب عادة، لكون العين تتميز بشدة حرارة مائها، الذي تعمل البرك على تبريده للدرجة التي يتحملها الجسم، كما ترتفع فيه نسبة معدن الكبريت إلى 537 ملج في اللتر الواحد، حسب نتائج التحاليل المخبرية التي أجريت له مؤخرًا، ما يؤكد مدى صحة ما نسب للعين من قدرات عالية في شفاء الأمراض والرهان على ذلك. والطريف أنك تجد أن أكثر زوار العين هم من كبار السن، الذين يقضون الساعات يسبحون في تلك المياه، وقد تجردوا من ملابسهم خلا ما يستر العورة، وقد بدت الفرحة على محياهم. وتسترعي انتباهك كثرة الطيور في أشجار الحديقة، وأصواتها الجميلة، خصوصًا الطائر الحايك، وهو نوع من العصافير الصفراء الجميلة يقوم الذكر منها، عادة، بحياكة عش كروي الشكل تقريبًا، يتدلى من أحد الأغصان، ويستعمل لحياكته أوراق الشجر، وسعف النخيل بطريقة مذهلة ودقة عجيبة، ثم يضع له بابًا وهو عبارة عن فتحة دائرية صغيرة في أسفله، وترى تلك الأعشاش الغريبة تتدلى من الأغصان كالثريات الصغيرة في جميع أنحاء الحديقة.
• عين خلب: تقع في محافظة الحرث في وادي خلب، الذي يقسم المحافظة إلى قسمين، ويلتقي مع واديين آخرين، هما وادي دهوان ووادي سيال. ولها منابع صغيرة عدة تتفجر من جبل بركاني داكن مشوب بحمرة، وتنساب مياهها شديدة الحرارة خلال الصخور، حتى تختلط بمياه وادي خلب الكبير، وتُشاهد أبخرتها البيضاء من الطريق العام، والعمل جارٍ فيها لتحويلها إلى منتجع سياحي كبير، وذلك ضمن الخطط المستقبلية لتنمية السياحة في جازان.
• عين البزة: تقع جنوب وادي جازان، وتبعد عن جيزان المدينة قرابة الـ53 كم، وتنبع من جبال بركانية لتنساب عبر أشجار الحلفاء والنخيل، والأبخرة تتصاعد منها، ما يعطيك إحساسًا بأنك في إحدى جزر هاواي الأمريكية.
• عين الوغرة: تنبع من بين الصخور البركانية، وتتدفق مياهها شديدة الحرارة في وادي خلب جهة «قوا»، وتستقطب الكثير من السياح اليمنيين.
والسؤال الذي يتوثب لطرح نفسه: متى تستغل هذه المواقع السياحية الاستغلال الأمثل، وترصد وتحدد مواقعها بطرق علمية، ويفتح الباب على مصراعيه لاستثمارها سياحيًا واقتصاديًا، ما يعود على جازان بالفوائد الجمة؟ فعلى مر الزمن، اكتسبت كثير من هذه المواقع الاستجمامية شهرة تكاد تكون عالمية، ولم يبقَ إلا تكثيف المشروعات التنموية الكفيلة بتهيئتها لاستقبال السياح من جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، هناك شركات إسلامية تركية ذات خبرة وباع طويل في مجال بناء الحمامات الساخنة والمعدنية وتهيئتها، وتعي ظروف المجتمع الإسلامي المحافظ، ويمكن الاستفادة منها وإرساء بعض هذه المشروعات عليها.