التشكيلي خالد خريس:
حياة الفنان تراكمات بصرية
استلهام التراث الإسلامي سبيل العرب للنهوض من جديد.
• عمَّان: أهلاً وسهلاً
الفنان التشكيلي الأردني د.خالد خريس تجسد أعماله العديد من الفنون في لحظة واحدة ومشهد واحد، بسبب تنوع اهتماماته الفنية التي أكسبتها دراساته المتعمقة المزيد من الإبداع والتألق. درس فن الجداريات في إسبانيا, وعمل على الفن القديم «فن الفريسكوا»، ثم توجه إلى إيطاليا حيث درس النحت وفنون الغرافيك, ومنها إلى المكسيك ليدرس «السلك سكرين» وهو فن الطباعة على الشاشة الحريرية, ثم عاد إلى إسبانبا ليكمل الدراسة في مجال الرسم والغرافيك.
|
|
|
كانت بداية د.خالد خريس, مدير المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، مع الفن منذ نعومة أظفاره, فبعد إنهائه الدراسة الثانوية قرر أن يكمل دراسته ويتخصص في هذا المجال، فذهب إلى مصر لمتابعة الدراسة, حيث تخرج في جامعة حلوان عام 1973 في تخصص التربية الفنية, وبعد ذلك شعر برغبة في مواصلة دراسته، فقرر الذهاب إلى إسبانيا, وأكمل دراسة الماجستير في الفنون الجميلة, وشارك في العديد من المعارض, وأقام معرضه الشخصي الأول عام 1985, وحصل خلال مسيرته الفنية على العديد من الجوائز المحلية والعالمية منها جائزة خوان ميرو.
تجربة ثرية
يجد خريس نفسه أكثر في الرسم، على الرغم من أن النحت أحيانًا يحاول أن يأخذه, غير أنه في الرسم يجد ضالته, ويميل أكثر إلى الأسلوب التجريدي, كما درس الخط العربي الذي كان موضوع رسالته في الدكتوراه, حيث تناول أصول الخط العربي، وتطوره، وتطبيقاته، ووظيفته في الفن الإسلامي القديم والفن العربي المعاصر، فدرس وظائفه في الفنون الإسلامية منذ بداياته، بدءًا بكتابة القرآن الكريم إلى أن وصل إلى استخدامه في فنون العمارة والفنون التطبيقية، وبعد ذلك تناول التجارب الفنية لدى الفنانين العرب المعاصرين في استخدامهم الحرف العربي, وجاءت رسالته لتمثل دراسة شاملة, خرج منها بنتائج عديدة منها أنه كان هناك استخدام جائر للخط العربي في اللوحة العربية بشكل يمثل تطاولاً من بعض الخطاطين على الخط واللوحة.
ونتيجة عمله في المتحف الوطني، بالإضافة إلى عمله رئيسًا لرابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين لدورتين متتاليتن، واحتكاكه بالعديد من الفنانين على الصعد المحلية والعربية والعالمية، تمكن من الاطلاع على الكثير من الأعمال، ما أسهم في إثراء تجربته، فأصبحت لديه معرفة واسعة بالفن العربي المعاصر والعالمي, خصوصًا أن المتحف يحتوي على مجموعة كبيرة تصل إلى نحو 2000 عمل لفنانين أردنيين وعرب وعالميين.
نهضة ولكن...
يرى خريس أن المشهد التشكيلي المحلي يشهد نهضة تشكيلية, إلا أن الساحة الفنية تعاني نقص الإنتاج مقارنة بدول العالم الأخرى. من هنا لا بد للفنانين أن يركزوا جهدهم على العمل الفني لتقديم ما هو أفضل، كما أن هناك بعض الأعمال ما زالت تكرر نفسها, وبما أن العالم في حالة تغير، فعليهم أن يتغيروا ويقدموا الجديد، حتى يستطيعوا أن يواكبوا التطور الحاصل حولهم في أذواق الناس، فالفنان الذي لا يجدد نفسه يتلاشى ويفقد جمهوره.
وينظر خريس إلى الفن على أنه انعكاس للحياة التي يعيشها الفنان أو المجتمع المحيط به, حيث إنه يسجل كل شيء في هذه الحياة, وبالتالي فهو غير معزول عن واقعه أو بيئته، وهو النبض الصادق الذي يعبر عن مجتمعه، وحتى يستطيع أن ينجح في ذلك عليه أن يكون على خلاف مع مجتمعه، لأنه إذا كان على توافق لا يستطيع أن يتنقد المجتمع، والخلاف هنا يجب أن يكون خلافًا إيجابيًا.
تراكمات بصرية
حياة الفنان برأي خريس تراكمات بصرية، ومعرفية، وفكرية، واطلاعات، ومطالعات، وتجارب كلها تؤثر في عمله، خصوصًا أنه يخزن كل ذلك ليعبر عنه ويخرجه في شكل عمل فني، ويعتمد في تجسيد أعماله بالدرجة الأولى على العاطفة والقلب، لأن الفن، من وجة نظره، يكون أصدق عندما يكون نابعًا من القلب وليس العقل، لأن العقل يتجه إلى العلم, ولأن العمل الفني يرتبط بأحاسيس ومشاعر الفنان, ما يؤدي إلى شحنه بهذه الانفعالات التعبيرية والجمالية, وهو ما يعمل بدوره على خروج العمل بشكل صادق ومعبر عن النفس، ويسجل لتلك الفترة التي عايشها الفنان.
ويعتمد اختياره الألوان على البيئة المحيطة به, ومن أكثر الأعمال التي كان لها تأثير فيه، لوحة رسمها في اثناء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان عام 2006، سماها «صرخة الجنوب»، فعندما شاهد المجازر التي حصلت, والأطفال الذين ذهبوا ضحايا لهذه الحرب، تأثر بهذا المشهد وشعر بأنه لا يستطيع أن يقف متفرجًا دون أن يقدم شيئًا، فكانت هذه اللوحة, فالإنسان بشكل عام، والفنان بشكل خاص، لا يستطيع أن يهرب من واقعه، وجاءت هذه اللوحة لتدين كل الحروب بشكل عام، وما يرافقها من ضحايا أبرياء، وعنف، ودمار.
الإرث الحضاري
تأثر خريس خلال دراسته في إسبانيا بالإرث الثقافي والفني والحضاري العربي الإسلامي الرائع هناك, وما حوته الآثار من تحف معمارية فنية مثل: قصر الحمراء في غرناطة، والمسجد الكبير ومدينة الزهراء في قرطبة، فعندما يقف أمام هذه الأماكن ويشاهد هذا الإبداع الفني التشكيلي البصري الرائع تنتابه مجموعة من المشاعر المتناقضة، شعور بالعزة والفخر لهذه الإنجازات الرائعة, لذلك المطلوب في الوقت الحالي من كل مثقفينا وعلمائنا وفنانينا أن يستلهموا من هذا التراث, ويأخذوا العبر لتوظيفها في إحداث بداية نهضة فنية وثقافية، وما يحزنه أن الغرب يهتم بالفنون والحضارة الإسلامية أكثر منا نحن العرب، فغالبية الدراسات التي تناولت الفن الإسلامي قام بها أجانب.
توظيف الفن
يعد الفن رسالة يجب توظيفها واستثمارها لتغيير الصورة النمطية السائدة في الغرب عن العرب خاصة والمسلمين عامة. من هنا أقام المتحف الوطني للفنون التشكيلية العديد من المعارض الفنية في الخارج, لتعريف العالم بالمستوى الحضاري الذي وصل إليه العرب في العصر الحالي, وهذا ما تم بالفعل من خلال معرض شاركت فيه 52 فنانة من العالمين العربي والإسلامي, وقد تجول هذا المعرض في العديد من الدول الأوروبية والأمريكية وأستراليا, وكان الهدف منه المساهمة في تصحيح النظرة المغلوطة والسائدة في الغرب عن العرب بأنهم إرهابيين، وأن المرأة العربية لا تتمتع بحقوقها, وليوضح لهم أننا أصحاب حضارة وعلم.