اللعب يساعد الطفل على إدراك عالمه
مشوار العمر يبدأ بلعبة
لعب الأطفال حاجة نفسية يساعدهم تحقيقها على إدراك العالم.
الرياض: هالة الجيرودي
عندما يلعب الأطفال يكتشفون عالمهم، ويطورون مهاراتهم البدنية والعقلية، ويفهمون كيف تعمل الأشياء، ينشط لديهم عامل الابتكار والقدرة على حل المشكلات، إحدى دعامات الصحة النفسية. لكن هناك العديد من الآباء والأمهات، بل حتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب وضرورته الحيوية بالنسبة للطفل، إذ يعدونه سلوكًا فارغًا من أي محتوى وظيفي، وعائقًا أمام التحصيل الدراسي، وقد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولاً، ثم استكشاف العالم.
|
|
|
|
تعلم بالعبث
تؤكد هدى محمد البراهيم، معلمة رياض أطفال، أن الأم يمكنها من خلال ملاحظة طفلها ومتابعته في أثناء اللعب، أن تكتشف قدراته المختلفة وكيفية تنميتها، فمثلاً عندما يندمج الطفل في اللعب بالمكعبات، ويبدأ بناء عدد من الطرق المختلفة بشكل مختلف في كل مرة يبدأ هنا دور الأم بإثراء البيئة بأنواع جديدة وقطع مختلفة من المكعبات، أو الحيوانات، أو السيارات، أو إشارات مرور، أو الشخصيات... لتنمية قدرات الطفل الإبداعية، وهناك نظرة خاطئة من قبل الوالدين مفادها أن الأطفال يضيعون أوقاتهم في اللعب، ويقومون بعمل غير مهم، بل مجرد عبث، وهذه نظرة خاطئة، إذ إن اللعب أهم عنصر من عناصر حياة الطفل، وضرورة لنمو الشخصية السوية، وهو مصدر ثري لمعلوماتهم ونمو مهاراتهم الجسدية، والإدراكية، والعاطفية.
وسيلة إدراك
يرى د.ناصر بن علي العريفي، أستاذ علم النفس المساعد ورئيس الدراسات المدنية في كلية الملك فهد الأمنية، أن اللعب حاجة من الحاجات النفسية، فتعددت النظريات التي عنيت بالنشاط اللعبي ودوره في حياة الأطفال، وعد علماء النفس اللعب مظهرًا من مظاهر النمو العقلي وتطويره، وهناك العديد من المهارات التي لا حصر لها يمكن أن يتعلمها الطفل، ولا ينطبق هذا على ألعاب الحركة فحسب، بل على جميع السلوك الذي ينغمس فيه المرء سواء حل ألغاز الكلمات المتقاطعة، أو لعب الشطرنج.
وقد نجد ألعابًا أكثر عمومية عند الأطفال، وهي تنمي مهاراتهم مثل: الميل إلى النحت، والرسم، والتصوير، واستخدام الألوان الذي يعد جزءًا من التكوين العقلي لدى الطفل، كما يشير بعض علماء النفس أمثال الألماني «كارل بيولر» والروسي «ماكارينو» إلى نوع آخر من اللعب، وهو ما يعرف بـ«لعب التظاهر»، حيث ذكروا أن التظاهر أو اللعب الرمزي مظهر من مظاهر النمو، حيث يبلغ لعب التظاهر ذروته بين سن الـ18 شهرًا والسابعة أو الثامنة تقريبًا. فاللعب يساعد الطفل على إدراك عالمه الخارجي، وكلما تقدم الطفل في العمر استطاع أن ينمي كثيرًا من المهارات في أثناء ممارسته ألعابًا وأنشطة معينة، ويلاحظ أن الألعاب التي يقوم بها الطفل بالاستكشاف والتجميع وغيرها من أشكال اللعب الذي يميز مرحلة الطفولة المتأخرة تثري حياته العقلية بمعارف كثيرة عن العالم الذي يحيط به.
إجماع
ووفق لطيفة المنيخ، مفهرسة بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فإن خبراء التربية يُجمعون على أهمية حث الطفل على الاكتشاف وتوسيع المدارك، ابتداءً من الأشهر الثلاثة الأولى من عمره، ومرورًا بالمرحلة العمرية بين «7 سنوات و10 سنوات، ومن خلال حب الاستطلاع وتجربة الجديد يعرف الطفل نفسه، وطاقته، ومواهبه، وما يحب، وما يكره، وهى طريقة لاكتشاف الذات. لكن قد يحجم بعض الأطفال عن ذلك، لعوامل عدة منها شخصية الطفل، فبعض الأطفال مندفع، مستكشف، محب للاستطلاع، وبعضهم يهاب ذلك كله. بالإضافة إلى أن الطفل في هذه المرحلة، برأي أقرانه، يقارن نفسه بهم, لذلك لا ينبغي أن نصيبه بالخيبة أمامهم إن فشل يومًا في أداء مهمة ما.
مهارات
يتعلم الطفل الحروف، والكلمات، والأعداد، والحيوانات، وأشكالها، وليس هذا فحسب، بل نجده طفلاً متحدثًا يستطيع أن يبدي رأي ويعبر عن نفسه بثقة، ويكتشف ما حوله، بعكس الطفل الذي يتعلم بالطريقة التقليدية، فإنه يردد ما يلقن له فقط, ولكن يجب الحرص على توظيف الألعاب، وتنظيمها، ومتابعتها، لتؤدي دورها الصحيح في التعليم وتنمية حاجات الأطفال المختلفة، ولها تأثير بالغ في الأطفال، خصوصًا في شخصياتهم، وتنمي حاجات الطفل الجسمية، والعقلية، والاجتماعية، والنفسية، واللغوية، فمثلاً من الناحية الجسمية هناك ألعاب تقوي جسمه وصحته، أما النواحي العقلية، فهناك ألعاب تنمي إدراك الطفل وتفكيره وتركيزه كألعاب البزل والتطابق والتسلسل، ومن الناحية الاجتماعية واللغوية نجد أنه يشارك الآخرين ويندمج معهم ويتبادل الخبرات معهم.
يستطيع الطفل قبل المدرسة من سن 3 سنوات إلى سن 6 سنوات وحتى أقل من ذلك أن يتعلم أشياء كثيرة جدًا، حيث يكتسب الطفل معظم مهاراته اللغوية، والاجتماعية، والذهنية التي تكوِّن في مجموعها مدى النمو العقلي للفرد بنسبة 80% منذ لحظة الميلاد حتى سن 8 سنوات، كما نجد أن الطفل يتعلم مهارات مختلفة، حيث يتوقف اكتسابه في مراحل عمرية معينة، وأهم هذه المراحل: مرحلة الطفولة المبكرة من الميلاد إلى 8 سنوات. ويتطور الذكاء عند الطفل حسب الخبرات والمثيرات التي يتعرض لها وتتحدى قدراته.
تقليد
هناك قدر من اللعب يقوم على المحاكاة التي تساعد على نمو الطفل من الناحية الاجتماعية، إذ يتعلم فيها النظام، ويؤمن بروح الجماعة واحترامها، ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة. فإذا لم يمارس الطفل اللعب مع الأطفال الآخرين، فإنه يصبح أنانيًا، ويميل إلى العدوان، ويكره الآخرين. أما إذا مارس اللعب مع الأطفال، فيستطيع أن يقيم علاقات جيدة ومتوازنة معهم، وأن يحل ما يعترضه من مشكلات ضمن الإطار الجماعي.
سن السادسة هي سن التعلم، ففيها ينضج الطفل عقليًا وعصبيًا. وهناك أساليب من الممكن أن نتبعها في تعليم الطفل، منها التعلم الاستكشافي الذي يترك فيه الطفل على سجيته يبحث وينقب عن الإجابات، والتعلم عن طريق اللعب المبني على أسس ومعايير تناسب عمر الطفل الزمني، والتعلم الابتكاري وهو القدرة على التعامل مع غير المعلوم، والتعلم بالملاحظة وهو أكثر أنماط التعلم فعالية مع طفل مرحلة ما قبل المدرسة. أيضًا يساعد اللعب التعاوني على تطوير مشاركة الطفل الاجتماعية، فتراه يصغي لأقرانه بانتباه.
ومن الضروري أن نهيئ للطفل بيئة تساعده على الاكتشاف واللعب دون قيود، أو خوف، أو تخريب أثاث المنزل، أو تكسير الأواني، وغيرها من أثاث البيت، وقبول أفكار الأطفال دون تسفيهها أو وضع قيود عليها، ومحاولة فهمهم ومجاراتهم في أفكارهم، لكي لا نوقف عملية توليد الأفكار التي هي أحد أهم أسس الابتكار، ولا مانع من تعديل بعض الأفكار الخاطئة بحكمة ولين. ويجب علينا، أيضًا، التركيز على طرق التفكير أكثر من التركيز على النتائج.
تنمية مدارك
ليس هناك نوع محدد من الألعاب أفضل من الآخر، ولكن البراهيم ترى أن اللعب الشامل الآمن والمتجدد هو الأفضل، ولكي يحقق اللعب الأهداف المرجوة لا بد أن يكون مناسبًا لعمر الطفل وحاجته. فيما يعد العريفي أن أفضل أنواع اللعب الذي ينصح به علماء التربية وعلم النفس هو ما يتعلق بتربية الإبداع عند الطفل وتشجيعه عليه سواء كان ذلك من خلال التعرف على الأشكال الهندسية وتسميتها، أو التعرف على الألوان مع التنسيق الحركي والبصري، والتركيز على الأشياء.
العمر
من المهم جدًا مراعاة العمر عند اختيار اللعبة، فالألعاب التي تناسب الأطفال في عمر سنتين لا تناسب من هم في عمر ست سنوات، والاختيار الخاطئ يضر جدًا بالطفل، فقد يسبب له إحباطًا سواء لصعوبة اللعبة أو لسهولتها. ولمعرفة اللعبة المناسبة لعمر الطفل يمكن الاستعانة بالتعليمات الموجودة على العلبة.
ونجد الطفل في سن مبكرة يميل إلى ألعاب حركية، أما بعد أن يتعدى سن السابعة والثامنة يبدأ تطوير ألعابه لتصبح ألعابًا إبداعية وفيها نوع من الخيال، لذا يجب مراعاة بعض النقاط عند شراء الألعاب للطفل، منها أن تكون اللعبة غير هدامة بمعنى أن تكون بعيدة عن ألعاب الحروب والدمار، لأن تلك الألعاب تنمي عند الطفل الميول العدوانية.
علاقة إيجابية
لبناء علاقة ايجابية مع الطفل يجب على الوالدين مشاركة طفلهما اللعب، لتقوية علاقتهما به، والاستفادة من ذلك في تعزيز سلوك جيد، أو توجيه سلوك خاطئ. كذلك تقوية حصيلته اللغوية وفن المحادثة لديه، وعلى المربين كذلك مشاركة الطفل اللعب، خصوصًا الألعاب التي تنمي مهارات الطفل وتساعده على الإبداع، وعلى الأم أن تتقرب من طفلها عن طريق اللعب، وإمضاء بعض الوقت معه، وحثه على التعاون، ودفعه إلى التعرف على الأشكال الهندسية وتسميتها، والتعرف على الألوان، وتنسيق حركة اليد مع البصر، ويكون ذلك من خلال شرح الأم الفكرة لطفلها وهي تحاول أن تضيف إلى قاموسه بعض الكلمات الجديدة الجميلة، وإذا سألها طفلها عن معنى كلمة ما فلا تبخل بالشرح والتوضيح والإجابة عن تساؤلاته كلها.