April_09Banner

تاريخ


القرية الفرعونية
تاريخ الأجداد يستحضره الأحفاد
جولة نيلية وبرية تستدعي يوميات المصري القديم منذ آلاف السنين.

• القاهرة: أهلاً وسهلاً

Health1_April

إذا كنت تحلم بزيارة تاريخية تعيش فيها ما عاشه قدماء المصريين منذ سبعة آلاف عام على الطبيعة، فلتكن وجهتك صوب القرية الفرعونية القابعة بإحدى الجزر النيلية لمدينة الجيزة بمصر، والتي لم يكتف صاحب فكرتها بمجرد استدعاء التاريخ وتجسيده في عروض حية، ليتعرف عليه الأحفاد، وإنما قدمه في مزيج مع العديد من أحداث الحضارة المصرية ومعالمها ورموزها عبر عصورها المختلفة، وصولاً إلى تاريخها الحديث والمعاصر.

التجوال في القرية الفرعونية أشبه ما يكون بحلم تاريخي يتيح للزائر رؤية كيف كانت تسير حياة الفراعنة منذ آلاف السنين، حيث نرى عشرات الممثلين وظيفة كل منهم أداء دور من مختلف أدوار الحياة المصرية القديمة، فنتعرف على الحرف والصناعات التي كانت تمارس في العصر الفرعوني، ونشاهد نماذج لمنازل الطبقات المختلفة من رجال السلطة والفلاحين.
ويستمر هذا الحلم ونحن نسير في جولة نيلية بالقناة الأسطورية التي نرى فيها تماثيل لأشهر حكام مصر من الفراعنة، ونتابع كيف كان المصري القديم يزرع الأرض ويحرثها وطرق إحياء أفراح الحصاد، والطرق التي كان يصيد بها الأسماك، وكيف كان يقيم شعائره الدينية، ويعيش أحزانه بالطقوس الجنائزية الفرعونية الشهيرة، بل سنراهم، أيضًا، يقدّمون لنا أسرار بناء الأهرامات وتحنيط الموتى.
بعد ذلك تأخذنا طرقات القرية لمشاهدة صورة طبق الأصل من مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون الذي توفي في ريعان شبابه، وقد اكتشفت مقبرته في القرن الماضي، ثم مشاهدة العديد من المتاحف المختلفة مثل متحف المراكب الفرعونية، والملكية، والحديثة، والمتحف البطلمي، ومتحف كليوباترا، والمتحف القبطي، والمتحف الإسلامي، وثلاثة متاحف لثلاثة من رؤساء مصر في العصر الحديث.
وإضافة لذلك الدور التاريخي، تقدّم القرية الفرعونية العديد من الخدمات التثقيفية والترفيهية للأطفال منها مركز الفنون والاستوديو الفرعوني، والسينما، والملاهي، ومتحف الشيكولاته، ثم تتيح في النهاية لجميع أفراد الأسرة الاستمتاع برحلة نيلية خارج القرية لمشاهدة أجمل المناظر الطبيعية للقاهرة ونهر النيل.

الحلم والواقع
شيّد د.حسن رجب القرية الفرعونية عام 1984، بعد أن ظلّت حلمًا يداعب مخيلته لسنوات طوال، وتقع القرية على نهر النيل في محافظة الجيزة، وتحديدًا على إحدى جزره على مساحة 32 فدانًا وتبعد نحو 3 أميال عن وسط العاصمة المصرية.
وكان الهدف من حلم إنشائها هو تقريب الزائر، سواء كان من أحفاد الفراعنة أو السياح القادمين من الخارج من صورة الحياة في مصر الفرعونية القديمة، فتم بناء منازل تحاكي بيوت الطبقة الثرية والطبقة الفقيرة في العصور الفرعونية، والاستعانة بممثلين يقومون بأداء الأدوار المختلفة، من بينها الزراعة، والحرف المختلفة، والطقوس الدينية. كما تم حفر قنوات وممرات مائية بالجزيرة، وزراعة الأشجار التي كانت تتميز بها مصر الفرعونية لتصبح الصورة أقرب ما تكون إلى واقع الحياة منذ آلاف السنين.
وعلى الرغم من أن د.رجب أنفق كل ماله في إنشاء القرية لدرجة هددت بتوقف حلم حياته، إلا أن إبداع الفكرة تغلب في النهاية على كل العقبات التي واجهت الإنشاء، واستمر صمود الرجل حتى أصبحت القرية من أهم المعالم والمزارات على الخريطة السياحية المصرية، حيث يزورها سنويًا ما يزيد على نصف مليون زائر من المصريين والعرب والأجانب.
وما زالت القرية في تطور مستمر، حيث يُبتكر فيها كل فترة شيء جديد يعطيها المزيد من التفرد الذي لا يوجد في أي مكان آخر، وبرغم وفاة د.حسن رجب منذ عدة سنوات، إلا أن نجله د.عبد السلام الذي يتولى إدارة القرية الآن قد أخذ على عاتقه تحمل المهمة التي تركها له والده، فطموحات الابن في إضافة المزيد من المعالم للقرية لا تتوقف مثلما كانت طموحات الأب الراحل.

موسى.. و«مركب الزمان»
تصحبك الرسومات الفرعونية على جدران الواجهات والبوابة الرئيسة للقرية إلى عصر مضى على انتهائه آلاف السنين، إنه عصر الفراعنة الذين تركوا تراثًا وآثارًا لا تقارن بها أي منطقة في العالم.
بعد العبور ستجد في انتظارك «مركب الزمان» الذي يقلك عبر القناة الأسطورية في نهر النيل إلى الجزيرة المشيّدة عليها القرية الفرعونية وسط بوص الأدغال والأشجار العتيقة التي وصل الكثير منها إلى الشيخوخة، فتدلّت الأغصان لتفترش على صفحات النيل ما شاء الله لها من مساحات.
ووسط هذا وذاك ترى نباتات البردي واللوتس التي تميز بها العصر الفرعوني، وفي وسطها تنتصب تماثيل حكام مصر القديمة أمثال: أوزوريس، وحورس، وآمون، وتحتمس الثالث، وإخناتون، ورمسيس الثاني، ثم ترى مشهدًا يحاكي ما حدث لنبي الله موسى، عليه السلام، وهو طفل صغير تخرجه خادمة الفرعون من الصندوق، بعد أن ألقته أمه في النيل لتأخذه الأمواج إلى قصر فرعون ليشب هناك حسبما رتبت الإرادة الإلهية.

فنون الحياة اليومية
تمر بعد ذلك على معالم الحياة اليومية للمصريين القدماء، فتشاهد الممثلين يرتدون الملابس الفرعونية وهم يعرضون مشاهد للحياة القديمة، ويشرح لك أحد المرشدين عبر مكبر الصوت ما يفعله هذا الفلاح الذي يزرع الأرض ويحرثها في انتظار الحصاد، وهذا الذي يصيد الأسماك عن طريق إلقاء الشباك على صفحات النيل، وآخرون يصنعون ورق البردي، والفخار، والغزل، والنسيج، والعطور، والأسلحة، وغيرها من الفنون المختلفة التي عرفها الفراعنة منذ آلاف السنين.
بعد هذه الجولة يرسو بك مركب الزمان أمام نموذج لأحد المعابد الفرعونية بالأبعاد الحقيقية لتلك المعابد نفسها، ويوجد داخله العديد من الممثلين الذين يقومون بدور الحراس والكهنة، وإلى جواره نموذجان لمنزلين، أحدهما ينتمي للطبقة الغنية والآخر للطبقة الفقيرة.
وستلاحظ الفرق بين المنزلين، حيث الأول ينعم فيه الزوج والزوجة بالمساحة الكبيرة الموزعة بين حجرتي الزوج والزوجة المنفصلتين، وغرفة تخزين الحبوب، والمطبخ، وغرفة الخدم وغيرها. أما منزل الفقير فيتكون من غرفة واحدة يعيش بها كل أفراد الأسرة، وإلى جوار المنزل يوجد فرن ريفي تقوم فيه الزوجة بصنع الخبز لأهل الدار على الطريقة المصرية الشهيرة التي توارثها أهل البلد على مدار آلاف السنين، وما زالت بعض القرى الريفية تستخدمها حتى الآن.
وبالقرب من هذين المنزلين توجد مقبرة الملك توت عنخ آمون، وهي نسخة طبق الأصل من المقبرة الأصلية التي اكتشفها العالم الإنجليزي «هوارد كاتر» عام 1922، وهي مكونة من دورين توجد بها نماذج مستنسخة من جميع مقتنيات المقبرة الأصلية للملك الشاب، والتي تنبئ بروعة هذا العصر وفنونه وجماله، وكيف صُممت ونُفذت بأدوات من أبسط ما تكون مقارنة بالعصر الذي نحيا فيه.

التحنيط.. وبناء الأهرام
ورغم أن القرية تعدّ متحفًا مفتوحًا، إلا أنها تشتمل، أيضًا، على العديد من المتاحف التي تعطي فكرة ممتازة عن أسرار الفراعنة، وأهمها بالطبع متحف الطب والتحنيط، الذي يوضح كيف كان قدماء المصريين يقومون بتحنيط الموتى بدقة وعناية، ويبين المواد التي استخدموها، وحفظت لنا آلاف المومياوات التي تروي الكثير عن حياة الفراعنة.
وهناك معبد بناة الأهرامات، وهو يوضح كيف استطاع المصريون القدماء أن يشيدوا أهم أثر موجود على ظهر الكرة الأرضية بأدواتهم البسيطة، وذلك عن طريق أربعة نماذج تتعرف من خلالها على أسرار بناء هذه الأهرامات و«أبو الهول» والمسلات الفرعونية الشهيرة، إضافة إلى متحف الفنون والعقائد، وهو يعطي صورة حقيقية عن الحياة اليومية للمصريين القدماء وطريقة تفكيرهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وتحتوي القرية، أيضًا، على معهد د.حسن رجب، الذي يعرض تاريخ ورق البردي في مصر، وكيفية صناعته، كما يعرض مجموعة واسعة من الرسومات الفرعونية الملونة على أوراق البردي الذي يعد أحد أهم رموز الحضارة المصرية.

توثيق التاريخ
ولأن تاريخ مصر بعد عصر الفراعنة لا يقل أهمية عبر مراحله المختلفة، فقد أولت القرية جل اهتمامها لتوثيق هذا التاريخ من خلال أربعة متاحف أخرى مرتبطة بحقب زمنية متعاقبة، منها العصر البطلمي ابتداءً من عهد الإسكندر الأكبر إلى عهد الملكة كليوباترا، والذي كانت فيه الإسكندرية منارة للعلم والثقافة في العالم القديم بمكتبتها العريقة وفنارها الذي كان يعد إحدى العجائب السبع في العالم القديم.
وهناك المتحف القبطي الذي يعطي وصفًا لتاريخ مصر القبطية ويبين فنون ذلك العصر الذي استمر نحو 600 سنة، ثم يبرز لنا المتحف الإسلامي كيف كان لعلماء المسلمين الفضل فيما صارت إليه أوروبا من تقدم ونهضة عن طريق العلماء خالدي الذكر أمثال ابن سينا، والحسن بن الهيثم، وآخر هذه المتاحف متحف يوثق حملة القائد الفرنسي نابليون بونابرت على مصر.
وبجوار المتاحف التاريخية الأربعة نجد متحف المراكب الذي يوجد به 35 نموذجًا تتنوع ما بين مراكب الصيد، والمراكب الفرعونية، والملكية والحديثة مثل مركب كليوباترا والسفينة الشهيرة تيتانيك والمحروسة.
أما رؤساء مصر الحديثة، فقد اختصتهم القرية الفرعونية بثلاثة متاحف أولها لأول رئيس للجمهورية محمد نجيب، والذي أنشئ حديثًا لكي تكتمل فترة تاريخية مهمة كان ينقص القرية استعراضها، وهي فترة الرئيس محمد نجيب، ويضم المتحف مقتنيات شخصية له، إضافة إلى 250 صورة متنوعة، وشريط فيديو يحكي قصة حياته.
وفي نهاية الجولة نستطيع شراء هدايا تذكارية من البازارت الموجودة في القرية، والتي تقدم منتجاتها المتنوعة بأسعار تقل نصف الثمن تقريبَا عن أسعار الفنادق ومحال خان الخليلي الشهيرة في قلب القاهرة التاريخية.