اللوفر
أقدم المتاحف الأوروبية
المتحف يضم تحفًا ومعروضات من الفنون الشرقية.
• باريس: سحر سليمان
اللوفر في قلب باريس، وأهم مفاخر الفرنسيين، والمحطة الأهم لكل زائر للعاصمة الفرنسية.. المسكن القديم لملوك فرنسا.. بين جنباته كتبت أسطر مهمة من التاريخ الفرنسي والأوروبي، إن لم يكن من سطور التاريخ البشري.. مسكن الملوك تحول إلى مسكن لبقايا هؤلاء الملوك، ومسكن ملوك آخرين عرفهم التاريخ الإنساني.. وفنانين.. ومبدعين، حتى أناس بسطاء أخرجتهم لنا أيادي الآثاريين، لتنقلهم إلى متحف اللوفر كتابًا مفتوحًا، يقرأ فيه الزائر موسوعة الإنسان باختلاف زمانه، ومكانه، وأفكاره.. من هذا المكان الباريسي نقدم إلى القارئ رحلة إلى هذا الصرح المليء بالروائع، ولحظات التاريخ الخالدة.
|
|
|
|
متحف اللوفر
يعد متحف اللوفر من أقدم المتاحف الأوروبية، وبناؤه المغرق في التاريخ والأحداث يعد مكانًا أثريًا، بين جنباته سطرت أحداث التاريخ الفرنسي والأوروبي. ومن هنا تأتي أهمية هذا المتحف وعراقته قبل أن يضم بين جدرانه موسوعة حضارية للإنسان الذي ترك بصماته الحضارية في حوض المتوسط والغرب، في العصر الأعلى للعصور الوسطى، وصولًا إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وبشكل متدرج، تشكل المتحف على وضعه الحالي من خمسة أقسام، وزعت على تسميات تحت هرم اللوفر، وفيها قاعة المعارض المؤقتة «نابليون»، وقاعة المحاضرات «الأوديتوريوم»، ومجال الانتساب، وإنترنيت اللوفر، ومتاجر، ثم المكتبة، وصالة استقبال المجموعات، والزيارات، والمحاضرات التي تقام في المتحف، والمقاهي، والمطاعم بعدها.
المعروضات
وزعت معروضات متحف اللوفر على أقسام تتناسب مع طبيعة المعروضات، وكل قسم يشكل متحفًا بذاته، يقدم لنا بإجماليته رحلة بين الحضارات ورحابها، على اختلاف مصادرها، وتواريخها، وطبيعتها. مجموعات المتحف تتوزع على الآثار الشرقية القديمة، وتعرض في هذا القسم حضارات الشرق الأدنى القديمة التي تعود إلى 7000 عام قبل الميلاد، وتعاقبت هذه الحضارات في بلاد ما بين النهرين، وإيران، والمشرق على رقعة شاسعة من الأرض، تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الهند.
أما قسم الآثار المصرية، فقد أنشأه عالم الآثار المصرية «جان فرانسو شامبليون»، بقصد أن يعرف العالم بالفن المصري القديم عبر جولتين، واحدة تتبع التسلسل الزمني، منذ البداية حتى عصر كليوباترا. وجولة منظمة حول المواضيع، لتركز على بعض أوجه الحضارات المصرية. واستكمل العرض بإضافة فرعين إلى هذا القسم، أولهما يتناول مصر القبطية. والآخر أولى التركيز على مصر الرومانية.
أما قسم الآثار الإغريقية، والأترورية، والرومانية فهو يجمع بين القطع الأثرية التي تعود إلى ثلاث حضارات قديمة، ألا وهي الإغريقية، والأترورية، والرومانية. وعروضها منظمة في الطابق الأرضي على أساس التسلسل الزمني، عبر تماثيل، ومجسدات رخامية يمتد تاريخها من الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن السادس الميلادي.
أما الطابق الأول، فتتوزع فيه المعروضات وفق التقنيات والمواد المستعملة في صنعها، وهي البرونز، والمجوهرات والفضيات، والزجاجيات، والتماثيل الصغيرة، والأواني الفخارية.
أما فن الرسم فهو موزع على مجموعات. ويغطي تاريخ الرسم في أوروبا منذ منتصف القرن الثالث حتى منتصف القرن الـ19. وتقسم اللوحات المعروضة إلى ثلاث مجموعات، أولها المدرسة الفرنسية، وهي الأكثر حضورًا، من حيث العدد. ثم المدرستان الإيطالية، والإسبانية. ومدارس أوروبا الشمالية، ومنها ألمانيا، وفنلندا، وهولندا.
أما قسم المنحوتات، فهو يضم نماذج من فن النحت الأوروبي منذ بداية القرون الوسطى حتى منتصف القرن 19. ويتألف القسم الأوسع والأكبر ضمن المجموعات المعروضة من أعمال فرنسية، أضيف إليها عدد من الأعمال المهمة الممثلة والمعبرة عن فن النحت في إيطاليا، وإسبانيا، وبلدان أوروبا الشمالية.
أما قسم التحف الفنية، فهو من أجمل الأقسام، لاقتنائه أروع التحف وأجملها، وأغلاها، فهو يعرض أعمالاً من شتى العصور، كالقطع الفنية من القرون الوسطى، ومن عصر النهضة، ونماذج من الفنون التزيينية في القرنين السابع عشر، والثامن عشر، ومنها ماسات التاج، تاج «الملك لويس الخامس عشر»، وتحف وأثاث من القرن التاسع عشر، وكذلك الغرف الخاصة «بنابليون الثالث».
أما القسم الأقرب لنفوسنا وروحنا العربية، فهو قسم الفنون الإسلامية، حيث نقف، ونتأمل ما تركه لنا القدماء من ثروة، جعلت أرواحنا تزهو حين نراها، فنحن أحفاد العرب الذين تعرض تحفهم في اللوفر. فقد أحضرت هذه التحف من مختلف بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وإيران، والهند، التي كانت أوطانًا للمسلمين. بعض تلك التحف تنحدر من مجموعات ملكية، وفرنسية، وأخصها تلك المصنوعة من الخزف، والعاج، والمعادن، والخشب، والزرابي، والرسوم، التي يمتد تاريخها من القرن السابع إلى القرن التاسع عشر.
أما القسم الخاص جدًا، والذي حين تنوي زيارته عليك تقديم طلب إلى إدارة متحف اللوفر، كي تسمح لك بالدخول إليه، فهو قسم الفنون التخطيطية الذي يضم قاعة الرسم التي تحتوي على أكثر من مئة ألف قطعة معروضة، ومجموعة «إدمون دو روتشيلد»، وصفائح المنقوشات النحاسية. هذه المعروضات تجعل للقسم المخصص لها تميزًا وغنى، لأنها غنية جدًا، لكنها سريعة العطب، لذا فهي تعرض بانتظام ضمن معارض مؤقتة، وبالتناوب، كذلك تعرض في قاعات المتحف، كي تتسنى لكل الزوار رؤيتها.
بعد هذا العرض السريع لأهم المعلومات المتعلقة بمتحف اللوفر ومحتوياته، ننتقل إلى زيارة المتحف تحت هرم اللوفر، نصل مباشرة إلى رواق نابليون الذي يضم ثلاثة أقسام، أخذت تسمياتها من أسماء شخصيات فرنسية تاريخية، لعبت دورًا كبيرًا في صناعة التاريخ الفرنسي، وكل اسم ترك بصمة في القسم الذي يحمل اسمه، من بناء أو ترميم، أو إقامة..هذه الأقسام هي بالتوالي، تحمل اسم سوللي, ريشليو, دينون.
وهذه الأقسام موزعة على أربعة طوابق، فعند دخول الزائر من مدخل الهرم اللوفري يصل مباشرة إلى الطابق السفلي الذي يضم تحفًا شرقية، ومعروضات تنتمي إلى الفنون الإسلامية، ومنحوتات، وتحفًا مصرية قديمة، وتحفًا إغريقية أترورية، ورومانية قديمة، وتاريخ اللوفر في القرون الوسطى، وقاعة المعارض المؤقتة.
صعودًا من الطابق السفلي نصل إلى الطابق الأرضي بصالته الكبيرة المتفرع منها ست صالات، وزعت في الأولى منحوتات فرنسية من القرن 5 إلى القرن 18، وكذلك تحف فنية، وغرف نابليون الخاصة، وأجمل ما فيه منحوتة لضريح فيليب بوت.
أما الصالة الثانية، ففيها منحوتات فرنسية من القرنين 18-19، وكذلك الوثائق متعددة الوسائط، وحضارة بلاد ما بين النهرين، وأجمل ما فيها وأشهره ألواح حمورابي التي كتب عليها القانون المشهور لحمورابي، وتمثال الثور المجنح.
ومن هذه الصالة تنتقل إلى صالة أخرى هي صالة إيران القديمة، رغم شعورك بعدم مغادرة صالة معروضات حضارة ما بين النهرين، لأن المعروضات تمتد لتندمج، وتتواصل، بتناغم خلاب، فمن مشهد الثور المجنح تنتقل دون أن تشعر إلى تاج عمود الأباندانا، وتمثال عين الغزال. والجولة تستمر بتسلسل زمني خلاب، لتأخذك إلى مصر الفرعونية، فتقف مبهورًا أمام عظمة التاريخ، ومقدرة الإنسان الخلاقة والبناءة.. تجول بين تماثيل الفراعنة ومنحوتاتهم، لتنظر إلى كل من حولك بإحساس رغبوي أن تصرخ للجميع بأنك عربي، وهؤلاء أجدادي.. وخصوصًا من كثرة الواقفين في حضرة تمثال رمسيس الثاني جالسًا على عرشه.
وتنتقل من رمسيس، ليقابلك أشهر منحوتات الفن المعروفة رمزيًا، وهي منحوتة أفروديت... وبالانتقال إلى المنحوتات الأترورية والرومانية لا يمكنك إلا أن تقف مبهورًا أمام روعة تابوت الزوجين، الذي يرمز إلى عمق الترابط بين الأزواج عبر القدم.
ومن هذه الصالة تقودك الخطى الحالمة إلى قاعة الإغريق في فترة ما قبل الكلاسيكية، لترى مجموعة رائعة من المنحوتات، ومن أشهرها تمثال المقاتل غلادياتور بورجيس.. لتنتقل منه إلى المنحوتات الإيطالية من القرون 16 إلى 19، وفيها الأشهر تمثال الأسير.
وبعده تنتقل إلى صالة المنحوتات العائدة إلى أوروبا الشمالية في القرون 17- 18- 19،.. ومنها تعبر إلى صالة فنون إفريقيا، وآسيا، وأوقيانيا، وأميركا، فنون تعبر بك إلى عالم الأدغال والخيال والسحر.. ومن هذه الصالة تختم الطابق الأرضي بتجوالك في صالة الأعمال التصويرية الإيطالية والإسبانية.
من صالة الأعمال التصويرية نصعد إلى الطابق الأول الذي تتوزع صالاته على عروض لأعمال التصوير والمنحوتات في القرون الوسطى، ومنها تمثال الطير عقاب سوجير، وخزانة بول المذهبة.. كذلك نقف مبهورين بروعة زخارف غرف نابليون الثالث الخاصة وفرشها.. لننتقل منها إلى الصالة المجاورة المخصصة لعصر النهضة، والقرن 17، وأعمال تصويرية، وبلاد ما بين النهرين، حيث نشاهد تمثال القزم الجالس على حلزونة.. ومن عنده ننطلق إلى مصر الفرعونية، حيث رتبت آثارها حسب التسلسل الزمني، ونشاهد فيها كمًا هائلاً من الروائع منها: تمثال الكاتب الجالس متربعًا، وتمثال أمينوفيس الرابع أخناتون.. ومن عند المصريين ننتقل إلى روائع جسدت على البرونز.. وفخاريات وسيراميك إغريقي. وفي هذا الطابق لا بد من جولة بين رحاب اللوحات التصويرية الأكثر شهرة في العالم، ومنها على سبيل المثال لوحة التاج، تاج تكريس الملك لويس الخامس عشر. ولا بد أن تتحمل مشقة الانتظار، لتقترب من اللوحة الأكثر شهرة، وهي الجوكندا، للفنان دافنتشي. وأيضًا لوحة زورق الميدوز لجريكو، وعرس قانا فيرونيز، وهما من أهم الأعمال التصويرية وأشهرها.
وإذا كنت من عشاق الرسم فستجد مجموعات كبيرة تعود إلى القرون 13-14-15، وأعمالًا تصويرية إيطالية من القرنين 16-17. وأعمالًا إسبانية إيطالية من القرنين 17-18، كما توجد صالة مخصصة للأعمال التصويرية المعاصرة.. وإذا أردت التمتع بالمزيد فما عليك إلا الصعود إلى الطابق الثاني المتضمن أعمالًا ألمانية، وفنلندية، وهولندية، وأشهرها لوحة صانعة الدنتيلا، ولوحة الفنان بريشة أ.د.ورير.
أما اللوحات الفرنسية، فهي رسم للبابا يوحنا الثاني الطيب، ولوحة الغشاش، ولوحة بييرو المسمى سابقًا جيل، وكذلك لوحة الحمام التركي، ولوحة رسم مادلين غيمار، ولوحة ذكرى من مورتفو نتان.
أما أجمل اللوحات التي خطت على باب الطابق الثاني، وهي مخصصة للزوار، فهي قد كتبت كالتالي:
رجاءً من الزوار ألا يمسوا الأعمال، لأنها حساسة جدًا، وفريدة، ومنذ عصور، وعلينا أن نصونها للمحافظة عليها، لتستطيع الأجيال الطالعة والجديدة رؤيتها.