جاكرتا.. مدينة لا تنـــام
من أهم عواصم آسيا والعالم وتجمع بين عبق الماضي وروح الحاضر.
• جاكرتا: شريف عبدالحميد
رحلة إلى النصف الآخر من العالم، في مناخ استوائي يجعل المرء يتساءل: هل هذا صيف أم شتاء؟ لكن الحقيقة أنها طبيعة ساحرة يغلفها جو يمزج بين الأمطار الغزيرة والطقس الحار، ويزيد سحرها ضيافة شعب طيب ودود.
نحن بالتأكيد نتحدث عن إندونيسيا التي يكتشف كل من يزورها أنها «جزيرة الكنز» لمن يرغب في إجازة مختلفة، وممتعة، ومريحة.
لمحة جغرافية
تعد إندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وتتكون من أرخبيل ضخم من الجزر يبلغ عددها ما يربو على 17500 جزيرة، والمأهول منها بالسكان 6000 جزيرة فقط. كما تتميز إندونيسيا بتنوع واسع في الطبيعة والتضاريس من البحار الزرقاء، والشواطئ الوادعة، إلى الجزر الصخرية، والشعاب المرجانية، والغابات المطيرة بتنوعها العريض نباتيًا وحيوانيًا، إلى الجبال، والأودية، والأنهار، والمروج الخضراء، ومزارع الأرز والشاي الشاسعة، ما يوفر للسائح فرصًا كثيرة للاستمتاع بالمناظر الخلابة، والمشاهد البانورامية للطبيعة الرائعة، والبراكين والينابيع الحارة المعدنية.
إضافة إلى هذا الغني في التنوع، فإن إندونيسيا بلد غني بآثاره، وثقافته، وتقاليده، نظرًا لما تعاقبت عليه من حضارات منذ فجر التاريخ، وما زال الكثير من الآثار والكهوف والتماثيل قائمًا وشاهدًا على ذلك الإرث الحضاري العريق.
سهر
تشتهر العاصمة الإندونيسية جاكارتا بأنها المدينة التى لا تنام، حيث تتوافر بها أماكن السهر المناسبة لكل الأذواق، إضافة إلى حياتها النهارية التي لا تهدأ. وجاكرتا تعني في اللغة الإندونيسية مدينة النصر، أو المدينة التي لا تُقهر، وقد كانت تسمى قديمًا «باتافيا» عندما كانت إندونيسيا مستعمرة هولندية.
وجاكرتا هي المركز الاقتصادي للدولة، وبها المقر الرئيس للشركات الحكومية الكبرى ومعظم الشركات التي يملكها أجانب ومواطنون، وهي مدينة عصرية تزينها ناطحات السحاب، والمباني الزجاجية، والطرق ذات الهندسة المعمارية الجميلة التي تمنحها مشهدًا جماليًا خاصًا.
لقد أصبحت جاكرتا من أهم عواصم آسيا والعالم، ووجهة جذب سياحي، لما تزخر به من متاجر، وأسواق، ومطاعم، ومعارض، ومراكز تجارية تجمع كلها بين عبق الماضي وروح العصر، ولعل أول ما يلفت انتباه السائح لدى وصوله هو مطار سوكارنو الدولي بحجمه، ومرافقه، ومبانيه، وسوقه الحرة، وما يضمه من سلسلة من المطاعم، والمقاهي، والمتاجر الراقية التي تعرض مجموعات كبيرة من التحف، والهدايا، والمشغولات اليدوية. كما يسترعي الأنظار بشكل جذاب اندماج الطبيعة الساحرة بالمباني العصرية الشاهقة والطرق الحديثة الفسيحة.
معالم
من أشهر المعالم السياحية بجاكرتا ميدان «مارديكا» أو ميدان الحرية، وهو النُصب التذكاري القومي الذي يقف شاهدًا على صلابة الشعب الإندونيسي وتصميمه على الاستقلال، ويتكون من مسلة رخامية يبلغ ارتفاعها 137 مترًا وفي قمتها شعلة مغطاة بـ35 كيلو جرامًا من الذهب الخالص، وفي قاعدة المسلة يوجد متحف النضال القومي الذى افتتح عام 1945 ويمثل استقلال البلاد، وإلى جوار ساحة مارديكا نجد مسجد الاستقلال أكبر مساجد إندونيسيا الذي يعد تحفة معمارية تخطف الأبصار بتصميمه الجميل، وقبابه، ومآذنه.
وعلى خليج جاكرتا تقع أكبر حدائق إندونيسيا الترفيهية وهي «جايا أنكول»، وبها أكبر حديقة ألعاب في آسيا وتسمى «دنيا فنتازي»، وتوجد بها حمامات للسباحة، وبحيرة صناعية للتجديف، وتقدم الدلافين وسباع البحر استعراضات يومية للزوار.
وفي المدينة القديمة «كوتا» لا تزال بقايا الماضي الهولندي وذكرياته قائمة، فتجد دار البلدية الهولندية التي بنيت سنة 1627، وتوجد في قاعدتها زنزانات ضخمة. وفي السبعينيات تحول مبنى البلدية القديم إلى متحف التاريخ بجاكرتا، وقد أسهم تجديد المبنى في تجديد الأجزاء القديمة من المدينة.
ويعرض المتحف وثائق تاريخية، وقطع أثاث، وخزفًا صينيًا من زمن الحكم الهولندي، كما يوجد متحف الأحياء المائية في مستودعين هما كل ما تبقى من أول حصن لشركة الهند الشرقية الهولندية في جاوه. وفي المنطقة نفسها توجد «سوندا كالبا» التي تعرف باسم «بازار لكان» أي سوق السمك، وهو المكان الأصلي لميناء جاكرتا قبل قدوم الهولنديين، ويخدم آلافًا من سفن الصيد التي كثيرًا ما تبحر بين الجزر.
أبرز المناطق الترفيهية هي «أنشول» المدينة الترفيهية الهائلة التي تقع غرب جاكرتا على شاطئ أنشول، ويقصدها السائحون لما بها من وسائل ترفيه تلائم الأطفال والكبار على حدٍ سواء.
القبة الفلكية
إذا قدر لك يومًا زيارة جاكرتا وأحببت أن تضيف إلى متعة رحلتك بعدًا آخر من الروعة والمتعة، فعليك بزيارة القبة الفلكية التي ستترك لديك ذكريات لا تُنسى، ومعلومات عجيبة تطير بك بين المتعة والفائدة والتجديد، إلى تعظيم الخالق سبحانه، والإبحار في عظمة هذا الكون الواسع.
القبة الفلكية نموذج مصغر للمراصد الفلكية، بنيت على شكل قبة من الخارج. أما الداخل فيتألف من بهو كبير يتكون من عدد من المقاعد تكون لها وضعية خاصة عند الجلوس عليها، بحيث تكون عين الجالس باتجاه سقف القبة. تتكون فكرة القبة الفلكية من تمثيل حقيقي للأجرام السماوية والكواكب، بإبداع لا تشك، أبدًا، أنه غير واقعي، بل تجزم وأنت تشاهده أن ما تراه الآن هي الكواكب والنجوم بعينها، وهي تختلف عن المراصد الفلكية التي يبدأ عمل المهتمين بها ليلاً في أنها مصمتة، وتقوم على إعداد مسبق بحيث تشاهد هذا الكون حتى في ساعات النهار.
ما أن تغرب الشمس ويحل الظلام وتظهر النجوم بجمالها الفاتن حتى يبدأ العرض الحقيقي بجولة سريعة في السماء بين الكواكب لا تشاهد خلالها سوى النجوم فقط، ثم يبدأ العرض في اختيار أحد النجوم في هذه السماء الواسعة، والذهاب إليه شيئًا فشيئًا، حتى ترى هذا النجم يكبر، ويقترب، ويتكون شكله المألوف والمعروف لدى الكثير، ثم تسمع عبارات حولك: هذا زحل، أو عطارد، أو المشتري... وهكذا مع بقية الكواكب.
الألف جزيرة
لا تنتهي الأماكن التي تحقق للسائح التسلية والترفيه في جاكرتا، فهناك الـ«بولايو سيريبو» أو الألف جزيرة المتناثرة حول العاصمة جاكارتا، وما توفره من شواطئ هادئة نظيفة بعيدًا عن ازدحام المدينة وضوضائها، وفيها كثير من المنتجعات والشاليهات التي توفر متعة بلا حدود لعشاق الرياضات البحرية، خصوصًا الغوص، والغطس، وركوب الأمواج، وحديقة الحيوانات التي تضم نحو 3600 نوع من الحيوانات البرية النادرة وركنًا كبيرًا للحياة الفطرية مثل: تنين الكومودو، والنمور السومطرية، وطيور «سيندرا واسي»، إضافة إلى ركن الحديقة المفتوحة «كيبون بيناتانغ راغونان» ومتنزه «آسيا الصغيرة» الذي يجسد جميع أنماط الحياة في مختلف الجزر الإندونيسية، والذي يمتد على مساحة 300 هكتار، وتم إنشاؤه بحرفية وتقنية عالية، ويتم التجول فيه بالقطار، أو التلفريك، أو القوارب الصغيرة للتعرف على الأزياء، والتقاليد، والأطعمة. وهناك متحف الدمى الذي يضم مجموعة كبيرة من الدمى القماشية والخشبية، والأقنعة، والتحف، والتماثيل.
تسوق
يتميز التسوق فى جاكرتا برخص الأسعار نسبيًا، فضلاً عن التنوع الكبير فى الأسواق ما بين شعبية وحديثة، ولعل من أهم أسواق جاكرتا سوق «جالان سورا بايا»، وهي سوق شعبية تاريخية يحرص كل زائر على ألا تفوته جولة فيها، حيث تصطف المحال والمتاجر على جانبيه لمسافة كيلومتر، وفيه مجموعة كبيرة من الأكشاك التي تبيع التذكارات، والتحف، والمنحوتات الصخرية والخشبية، والعديد من المنتجات التي تمثل التراث الشعبي الإندونيسي، والتي تُباع بأسعار زهيدة.
كذلك هناك سوق سوندا كيلابا التي تقع في الميناء القديم لجاكرتا والمنطقة الشعبية المحيطة به، وترمز إلى نشأة المدينة قبل خمسة قرون تقريبًا، وهي من الأماكن التاريخية المثيرة للاهتمام التي تجتذب السياح من مختلف أرجاء المعمورة، وتضم متحفًا بحريًا يحكي تاريخ الحضارة في جزيرة جاوا وتطور الحياة فيها. ويشد انتباه الزوار وجود كثير من السفن الخشبية القديمة التي ما زالت تعمل فيه، وسوق كبيرة للسمك، وكثير من المطاعم التي تقدم المأكولات البحرية إلى جانب المقاهي وعشرات المحال والمتاجر.