June2010Banner


الصيام والصحة العامة
عُني الإسلام بحياة الإنسان، وعمل على صيانة النفس الإنسانية وحفظها، وحمايتها من الأضرار والمفاسد، وشرع ما يحقق مصلحتها، ويجلب الخير والسعادة لها.

بقلم: أ.د. عبدالكريم بن صنيتان العمري،
الجامعة الإسلامية

حفاظًا على سلامة النفس، وجه الإسلام أفراده إلى الاعتدال والتوسط في المأكل والمشرب: }وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين{ «الأعراف: 31». فالإفراط في الأكل طريق إلى الإضرار بالجسد، قال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه) «رواه الترمذي».

ومن يبتغي السلامة والعافية، يصرف نفسه عن شهواتها، فإن سايرها وحقق لها رغباتها، أصبح أسيرًا لها. فلا يكبح جماح النفس ويحجزها عن تماديها إلا الإلزام، ولذلك فإن الصيام يأتي ليحد من اندفاعها، ويوقفها عن الإفراط في مقارفة ملذاتها.

إن الصيام استجابة وامتثال لأمر الله، تعالى، وهو، مع ذلك، ينظم حياة الإنسان، ويعلمه الدقة والانضباط في أشياء كثيرة، ومنها تحديد مواعيد أكله، وتنظيم أوقات غذائه، فهو يعين النفس على الالتزام بما لا تستطيع الالتزام به في غير أوقات الصيام، وبذلك يجني الصائم ثمار هذا الانضباط والتنظيم.

وقد بين الأطباء كثيرًا من الفوائد الصحية التي تعود على الجسم نتيجة الصيام، وخاصة بالنسبة للجهاز الهضمي الذي يعمل بدأب ونشاط، ويخلط الطعام، ويهضمه لساعات طويلة مرات عدة في كل يوم، ومن أخطر الأشياء على الجهاز الهضمي، توالي إدخال الطعام عليه في فترات متقاربة، حيث يسبب ذلك مزيدًا من الإرهاق والاضطراب لهذه القناة الهضمية، وقديمًا قال حكماء العرب: «الذي قتل البرية، وأهلك السباع في البرية، إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام».

والجهاز الهضمي يتأثر كثيرًا بالحالة النفسية للإنسان، فيأتي الصيام ليضفي على نفس الصائم مشاعر الإيمان والصفاء والراحة، فيخفف من توتر الإنسان وجشعه ونهمه، لينعكس ذلك كله على سائر أجهزة الجسم.
لقد كان معظم الأطباء قديمًا وحديثًا، ينصحون مرضاهم باتباع النظام الصحي في الغذاء، والابتعاد عن الطعام والشراب لفترات محدودة منظمة، لراحة الجهاز الهضمي، وضمان نشاطه وقدرته حين يستأنف عمله.
والصوم هو الذي يحقق ذلك، فهو ينظم فترات تناول الطعام، ويحدد مواعيد الأكل، ويشمل التنظيم إعداد الجهاز الهضمي لتقبل الغذاء في فترتين محدودتين من فترات اليوم، وفي ذلك إراحة له من الإجهاد المتوالي، الناتج عن تتابع الأكل، وعدم تحديده بأوقات معينة.

ويؤكد الأطباء في أبحاثهم عن الفوائد الوقائية للصيام، أنه يقوي جهاز المناعة، ويقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي لخلايا جسم الصائم، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم.
ويقي الصيام من مرض السمنة وأخطارها، حيث إنها قد تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء، فقد تنتج عن ضغوط بيئية، أو نفسية، أو اجتماعية، وقد تتضافر هذه العوامل جميعًا في حدوثها.
وقد يؤدي الاضطراب النفسي إلى خلل في التمثيل الغذائي، وكل هذه العوامل التي يمكن أن تنتج عنها السمنة، يمكن الوقاية منها بالصيام، من خلال الاستقرار النفسي والفكري، الذي يثمر عن الصيام، نتيجة للجو الإيماني الذي يعيشه الصائم، وكثرة الذكر، والاشتغال بالعبادة، وقراءة القرآن، والإنفاق في سبيل الله تعالى، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهًا إيجابيًا نافعًا.
فضلاً عن تأثير الصيام المثالي في استهلاك الدهون المختزنة، ووقاية الجسم من أخطار أمراض السمنة، كالأمراض القلبية الوعائية، مثل: قصور القلب، والسكتة القلبية، وانسداد الشرايين وتصلبها.كما أن الصيام يخفف ثورة الغريزة الجنسية، وخاصة عند الشباب، وبذلك يقي الجسم من الاضطرابات النفسية والجسمية، والانحرافات السلوكية. قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومَنْ لم يستطع، فعليه بالصوم فإنه له وجاء) «متفق عليه».

لقد شرع الله، تعالى، الصيام لحكم جليلة، ومقاصد نبيلة، منها: تزكية نفس المسلم، وتهذيب سلوكه، ووقاية لما يتعرض له من العلل والآفات في نفسه وجسده، نتيجة كثرة الأكل والحرص على المداومة عليه.
ويوصي الأطباء بضرورة أن يتحرر المسلم من الأوهام والمعتقدات الخاطئة، والسلوك الضار في موضوع الصيام والغذاء، وأن يعيد إصلاح سلوكه وفق ما أمر الله، تعالى، به، ووجهه إليه رسوله، صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة، وأن يستعلي المرء فوق شهواته، ولا يكون الطعام وملء البطن هدفه الأسمى، بل ليحقق مرضاة ربه في جميع عباداته ومنها الصيام.
وإذا كان الصيام يحقق فوائد عظيمة للمسلم، أعظمها طاعة ربه، وامتثال أمره، جل وعلا، ثم ما يتبع ذلك من النتائج الصحية الإيجابية، فإن شهر رمضان يعد فرصة سانحة لأولئك الذين أنهكوا قواهم وصحتهم بممارسة التدخين الذي ابتلوا به، أن يكون هذا الشهر المبارك بداية إقلاعهم عنه، وأنه لا يليق بعاقل أن يدرك تلك الأخطار المحدقة بصحته ثم يصر على مواصلة ممارسة التدخين، وقد ثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، كثرة أضراره السيئة، ونتائجه المدمرة، وآثاره السلبية، على الدين، والصحة، والمال.