وجه السعودية في لوحة «شنغهاي إكسبو 2010»
الأوضح.. الأجمل..
الأكثر جاذبية
سفينة المملكة نجحت في الإقلاع بنصيب الأسد من زوار المعرض.
كان جميلاً أن ينضم المعرض الأسطوري «شنغهاي إكسبو» إلى قائمة الفعاليات العالمية التي طالما كانت المملكة العربية السعودية ضيفها الدائم وفي مقدمة المدعوين إلى حضورها، لكن ثمة نقلة نوعية حققتها المملكة هذا العام، بحضورها اللافت الذي تجسد في جناح عملاق كان موضع إعجاب مئات الألوف الذين توافدوا عليه حتى الآن، ليتأملوا معالم وجه مملكة الإسلام، تلك المعالم التي كانت أكثر وضوحًا، وتعبيرًا، وأصالة في «لوحة إكسبو شنغهاي 2010».
«شنغهاي إكسبو» الأسطوري
المبهر أن «شنغهاي إكسبو» سجل رقمًا قياسيًا جديدًا بإحرازه لقب «الأكبر» في تاريخ مسيرة «إكسبو» العالمية، إذ يتربع المعرض الذي أنفقت على بنيته التحتية أربعون مليار يورو، وحظي بمشاركة 242 دولة، وحضر حفل افتتاحه نحو 20 رئيس دولة، على نحو خمسة كيلومترات مربعة. وثم رقم آخر سجله «إكسبو شنغهاي 2010» بوصفه أول «إكسبو» عالمي ينقل المعرض الذي يمتد تاريخه إلى 158 سنة، على شبكة الإنترنت.
وتحت شعار «حياة أفضل.. مدينة أفضل» يسلط المعرض، الذي يستمر ستة أشهر، بدأت نهاية إبريل نيسان الماضي، الضوء على حضارة المدن في عصر التنمية، عبر ما يزيد على عشرين ألف نشاط فني وسلسلة من المحاضرات والمنتديات، ما يجعله مأدبة اقتصادية، ثقافية، علمية فخمة، تدور فعالياتها على أرض شنغهاي، أكبر مدينة صينية، ومركز المال والاقتصاد الذي يضم أكبر قاعدة صناعية، وأكبر ميناء للتجارة الخارجية في الصين.
عشر سنوات أمضتها الصين تعد لاستضافة «إكسبو» العالمي المطل على ضفتي نهر هوانغبو، بين معالجة البيئة الحضرية، وتحسين المرور، وصورة المدينة، وتدريب المواطنين على استقبال الحدث.
ويبحث «شنغهاي إكسبو» مسألة الحياة الحضرية للإنسان في القرن الحادي والعشرين، من خلال استعراض الدول، والمنظمات الدولية، والمدن، والشركات المشاركة، المنجزات الثقافية الحضرية، وتبادل تجاربها في تنمية المدن، ونشر نظرية المدن المتقدمة، من أجل بحث الأنماط الجديدة لمسكن الإنسان، وحياته، وعمله في القرن الجديد، ودراستها، وتقديم نماذج حية لصناعة المجتمع المتناغم والتنمية البشرية المستدامة.
أقيمت الدورة الأولى لمعرض «إكسبو» عام 1851 في لندن تحت اسم «معرض الصناعات الدولي»، حيث عرض البريطانيون أكثر من 100 ألف قطعة من المنتجات الصناعية التي طوروها خلال الثورة الصناعية، ومنذ ذلك الحين أقيمت عشرات المعارض على فترات منتظمة، وفي كل دورة عرضت وسجلت إنجازات العصر وتطوراته، والحداثة التي حققتها الدول المشاركة، لا سيما إنجازاتها في مجالات العلوم، والتقنية، والثقافة، والفنون، والإنشاء المعماري، وحياة الناس، وغيرها من المجالات المختلفة، فكان معرض «إكسبو» خلال دوراته المختلفة منطلقًا لكثير من الأفكار والإنجازات البشرية المتميزة، ففي «إكسبو» نيويورك عام 1964 نشأت فكرة حديقة ديزني، كما أن برج إيفل الشهير الذي يعد رمزًا من رموز باريس بني بمناسبة «إكسبو» باريس عام 1889.
هنا جناح السعودية
بوسعنا وصف مشاركة المملكة، ممثلة في وزارة الشؤون البلدية والقروية، في «شنغهاي إكسبو» بأنها كانت عالية التركيز، جادة الأداء، ما دعا مئات الألوف من الزوار الذين يبلغ معدلهم نحو ثلاثين ألف زائر يوميًا، بما نسبته نحو 12% من زوار المعرض، إلى وصف جناح السعودية بـ«التحفة المعمارية»، حتى إن الزوار الصينيين يقفون طوابير لكي يحظون بفرصة زيارة جناح المملكة، بل حرص منظمو المعرض على جعل الجناح السعودي أحد المعالم التي يوصى بزيارتها من قبل كبار الزوار. أيضًا برنامج زيارة المعرض يضع الجناح السعودي بين نقاط الجذب التي تستحق أن يرتادها الزائر.
على حديقة الصداقة السعودية الصينية التي مزجت في تصميمها بين عناصر تقليدية في كل من المملكة والصين، رست «سفينة» السعودية، أحد أكبر الأجنحة بالمعرض، والمتربع على ستة آلاف متر مربع، ببنائه الضخم المتفرد، وتصميمه المتميز، وموقعه المطل على نهر هوانغ بو، حيث صمم الجناح على شكل «سفينة» باتجاه المملكة، تعبيرًا عن وضوح الرؤية والاتجاه، كما أن الشكل الانسيابي والرشيق لمبنى الجناح السعودي هو، أيضًا، مستوحى من إبريق الكنز في التراث الصيني، كذلك تستدعي السفينة من الذاكرة طريق الحرير البحري إلى الجزيرة العربية. يحتوي القارب على منطقتين لكبار الشخصيات عند المدخل، وعلى سطح المبنى، كما توجد به خيمة على سطح المبنى العلوي، فضلاً عن 150 نخلة يحاط بها الجناح الذي يضم شاشة عرض سينمائي عملاقة مساحتها 1600 متر مربع، تعد الأكبر في العالم لعرض تراث المملكة، وثقافتها، وتطورها في شتى الميادين، بالإضافة إلى العروض الشعبية، والفنون التراثية، والمأكولات السعودية، والمعرض المصور.
كما تستعرض المملكة أحد الحلول الحضرية بتجربتها الرائدة التي تجاوزت بها أزمة الإعاشة في الحج، عبر ركن خيام مستوحاة من تجربتها في توفير مئات الآلاف من الخيام الآمنة المضادة للحريق، المخصصة في منطقة منى لاستيعاب نحو ثلاثة ملايين حاج كل عام، خلال أيام قلائل يؤدون فيها مناسك الحج، وتزويدها بخدمات غذائية متكاملة، ومرافق لتوفير المياه، وأنظمة الصرف الصحي، ومراكز الإسعافات الأولية، والخدمات الطبية، ووسائل النقل المختلفة، الأمر الذي أهل مشروع خيام منى، لاختياره ضمن أفضل 55 نموذجًا للتجارب الحضرية من بين 226 نموذجًا على مستوى العالم، للمشاركة في معرض «إكسبو شنغهاي 2010».
ولتوفير المزيد من الراحة لهذا العدد الهائل من زوار جناح المملكة، ركبت مظلات لحماية جموع الزائرين الذين يصطفون في انتظار الدخول من الشمس والمطر، كما يعمل الجناح السعودي على تقليل فترة الانتظار، وتقديم المزيد من الترفيه للضيوف حتى لا يشعروا بالملل. أيضًا أنشئ مسار سريع للزوار من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وزينت جدران الجناح بالزخارف الإسلامية الأصيلة، إشارة إلى مكانة الدين في حياة السعوديين، وأنه الباعث الحقيقي على التطور، والازدهار، والتنمية، ويعكس الممر الثنائي الحلزوني وسط الجناح السعودي أهمية التطور والتنمية المتوازنة بين الاقتصاد والرخاء من جانب، وثقافة الشعوب من جانب آخر، وصمم الجناح هندسيًا ليستهلك قدرًا أقل من الطاقة، مقدمًا بذلك مثالاً على أهمية ترشيد استهلاك الطاقة لمستقبل أفضل.
وفي فناء المعرض توجد ساحة العروض الفولكلورية الثقافية التي زودت بكل التجهيزات الفنية المطلوبة لإقامة العروض الفولكلورية الشعبية التي تعكس التنوع الثقافي والموروث الشعبي بين سكان المناطق المختلفة في المملكة، مع المحافظة على الوحدة في القيم والمنطلقات الوطنية.
بوسع زوار جناح المملكة عبر فيلم قصير يجسد رحلة واقعية تأخذهم آلاف الكيلومترات أن يجوبوا مناطق المملكة المختلفة، ويستعرضوا أهم معالمها، ويتابعوا تطورها على مختلف الصعد العمرانية، والصناعية، والاقتصادية، من خلال سير متحرك يمر فوق الشاشة العملاقة المجهزة بنظام صوتي متطور للتعايش مع اللقطات والمشاهد المعروضة. واستمر العمل على إعداد هذا الفيلم القصير شهورًا لاختيار اللقطات والمشاهد التي تعكس التنوع، والتطور، والتنمية التي تعيشها المملكة.
على سطح السفينة يطلع زوار جناح المملكة على خيمة بدوية تتربع بين نخل باسقات تمثل طرفًا من بساطة حياة البادية، بعيدًا عن التعقيدات المعاصرة والحداثة في فضاء مفتوح لا سقف له.
زار جناح المملكة الذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبدالعزيز، وزير الشؤون البلدية والقروية، في أول زيارة له للصين، كل من: الرئيس هو جين تاو، رئيس جمهورية الصين الشعبية، ووزير الدفاع الصيني عضو مجلس الوزراء عضو اللجنة العسكرية المركزية اللواء ليانغ قوانغ، ونائب رئيس الوزراء وزير الدولة التركي حياتي يازيسي، حيث تجولوا بين أروقته، وعبروا عن إعجابهم بعمارته ومحتوياته التي تعكس التجربة الثقافية والحضارية السعودية، كما أبدوا اهتمامًا بالتجربة السعودية، والحلول التي طرحتها المملكة على صعيد الحياة المدنية.
أعرب سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، أيضًا، في أثناء افتتاحه جناح المملكة لزوار «إكسبو» عن توجه المملكة إلى خوض غمار تجربة الطاقة لارتباطها بمستقبل الأجيال، ما يتطلب الحفاظ على الطاقة، وتصميم مبانٍ صديقة للبيئة، واستخدام آليات لترشيد الطاقة، مؤكدًا أن المملكة تعي، بشكل كبير، أهمية هذا الموضوع، موضحًا أن المكاتب المشرفة على مشروعات البناء والمصممة لها بدأت على المستوى المهني تستوعب أهمية ذلك.
تصدر معرض المملكة في شنغهاي أفضل عشرة أجنحة مشاركة في معرض «إكسبو 2010» وأكبرها مساحة، حيث جذب الزائرين أسلوب عرضه للمشروع الحضاري السعودي في جميع جوانبه، خصوصًا عن مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والحج، والمشاعر المقدسة.
تجمع في المعرض العديد من الأطفال وهم يستمعون إلى بعض الأناشيد، منها «طلع البدر علينا». وعبر المسلمون الصينيون عن سعادتهم بما يعرضه الجناح السعودي عن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكأنهم يعيشون وهم في بلادهم لحظات الحج الذي يتمنون أداء فريضته، كما ثمنوا ما يسهم فيه المعرض من جسور التواصل مع الشعب الصيني الذي تجمعه مع الشعب السعودي علاقات متينة من الصداقة والتعاون في كثير من المجالات.
أيضًا سجل المبتعثون السعوديون للدراسة في الصين حضورًا مشرفًا في تقديم الشرح عن بلادهم وهم يرتدون الزي الوطني، ويتحدثون اللغة الصينية للزائرين عن معالم الحضارة والتاريخ العريق للمملكة، ومدى تسامح أهلها ومحبتهم للتعاون، والعمل على خدمة الإنسانية، انطلاقًا من دينهم الإسلامي.
حرص الزائرون الصينيون وغيرهم من الجنسيات الأخرى على الحصول على تذكارات لزيارة معرض المملكة، وكثرت الاستفسارات عن الخدمات السياحية بالمملكة التي أجاب عنها القائمون على المعرض والشباب السعوديون المبتعثون، ومنها: كيف تحولت المملكة من بلد صحراوي إلى مركز أعمال، وصناعة اقتصاد، وصروح علمية عليا؟
وشهد شاهد من الصين
لكن اللافت للانتباه هو ذلك التقرير المطول الذي أعدته وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» تحت عنوان «لماذا أصبح الجناح السعودي نقطة ساخنة في معرض شانغهاي العالمي؟» مصدرة إياه بعبارتها «يتمتع الجناح السعودي بـ«حرارة مرتفعة» من حيث الإقبال الكثيف، والحماس الكبير للزوار والسائحين من عموم الصين والعالم قاطبة».
وأضافت الوكالة: «منذ افتتاح المعرض في نهاية إبريل الفائت حتى الآن، أضحى الجناح السعودي أحد أكثر الأجنحة شعبية، وأحد أفضل المقاصد لزوار المعرض، وحسبما ذكرت الإحصاءات الرسمية للمعرض، يتجاوز معدل وقت انتظار الزوار ليتسنى لهم الدخول إلى الجناح السعودي خمس ساعات، وقد سجل رقمًا قياسيًا»، متسائلة: «فماذا يجذبهم لتحمل القيظ وهطول الأمطار الغزيرة المتكرر في الحديقة والجناح في الأيام الأخيرة؟».
تقول «شينخوا» في تقريرها: «وإذا أطلق على معرض «شانغهاي» العالمي مأدبة فاخرة للبصر، فسيكون الجناح السعودي، بلا شك، مطبخًا لا غنى عنه في هذه المأدبة. وتعد زيارة معرض «شانغهاي» العالمي دون زيارة الجناح السعودي خسارة كبيرة لكثير من الزوار الصينيين».
أجرت «شينخوا» استطلاعًا للرأي بين المترددين على جناح المملكة من الصينيين، مشيرة في ختامه إلى أن آراء غالبية الزوار تذهب إلى أن «الحكومة السعودية أولت بالغ الاهتمام بهذا المعرض، وبذلت كثيرًا من جهودها من قوى بشرية، ومادية، وموارد مالية، في إعداد الجناح السعودي الذي تبلغ مساحة بنائه 6100 متر مربع، محتلاً المرتبة الثانية بعد الجناح الصيني. وقد حضر الأمير السعودي منصور بن متعب بن عبدالعزيز افتتاح الجناح بنفسه عقب افتتاح المعرض العالمي، ما أدى إلى تدفق الزوار لإلقاء نظرة على الأمير، فأصبح الجناح السعودي نقطة ساخنة في المعرض كله منذ البداية».
أعرب تشو وي ليا، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة الدراسات الأجنبية بشنغهاي، أيضًا، لوكالة الأنباء الصينية عن أن الإقبال الكبير على الجناح من قبل الزوار ليس شيئًا غير متوقع، «لأن الحكومة السعودية عقدت العزم على بناء جناح متميز خلف الجناح الصيني، لذا قام الجانب السعودي قبل المعرض العالمي بالحصول على استشارات مركز دولي متخصص في التصاميم».
كما أعرب تشو عن اعتقاده بأن الزوار والسائحين يفضلون الجناح السعودي، لأن الجناح يستقطبهم بالتقنيات العالية والجديدة، قائلاً: إن الحكومة السعودية أولت الاهتمام بتطوير التعليم والتربية والعلوم في السنوات الأخيرة، وقد أحرزت تقدمًا ملحوظًا، «فتتركز إحدى نقاط نجاح الجناح في أنه يعرض منجزات التنمية السعودية باستخدام أحدث التقنيات المتقدمة».