April_09Banner

فنون


حنان باحمدان:
فـرشـاتـي لا تـهـدأ
أصابع مشاعري تتأمل ما وراء خطوط انفعالات الإنسان.

• حاورتها: هالة محمد الجيرودي

عبر القلم الرصاص والفحم والباستل، وصلت فضاء العالمية، رسمت الماضي بشفافية، وأجادت تجسيد ألوان الحاضر، حين تمازج بين الكلاسيكية والحداثة نسمع صوت الحوار للذات دون تردد بماهية العمل أو مسماه، تحتضن التأمل وهي تصافح أدواتها، تبحر باتجاه سبر أغوار الجمال الإنساني.. من فن البورتريه صنعت الفنانة حنان عبدالله باحمدان بصمة تميز، أشعلت الأسئلة مع أبعاد فرشاتها.. من مرفئها كان معها هذا الحوار.

  • علبة الألوان تسمح لي بالمرح دون حدود على أفق البياض

  • مناهج التربية الفنية تحتاج إلى التطوير وتزويدها بتاريخ الفن الإسلامي العريق

Report1_Sultan_2

موهبة من الشفق الأحمر
بين الراء والسين والتفاف الميم عانقت طفلة الثالثة عشرة غيمة تلك الموهبة، كانت تسترجع شريط الذكريات عندما سألناها: أيمكننا وصف الفرشاة والألوان، ألعابك المحببة في مرحلة الطفولة؟ بسعادة تامة تصف محطة الطفولة كانت علبة الألوان من أجمل اللعب التي تسمح لها المرح دون حدود على أفق البياض، تتهجى بها ملامح محيطها، حيث كان أول رفيق في دربها القلم الرصاص، يروي يومياتها عندما ينسل خيوط الألم من ملامح القصة في شخوصها.

لم يكن من أفراد أسرة حنان من ينتمي إلى واحة الفن، فتنمية الموهبة غاية لهدف جوهري، هل كانت البذرة من سلة التشجيع الأسري؟ بذرة التشجيع عدتها حنان في تنمية الموهبة إصرارًا ذاتيًا، وتلبية لذلك كان قبول الأهل، لذا انطلقت تبحث عن تفاصيله. بين صفحات كتب الرسم، واعتناق عدة دورات وورش عمل، ولم تتوان في طلب المدرسين لتتعلم أصوله، حتى تخلق التوازن بين عشقها لهذا الفن وبين قواعده ومبادئه التي ينتهجها. ولكن ما الذي أثار إعجابها ليكون الاختيار فن البورتريه؟ تسترسل في الحديث تقول: «كأي فتاة تحب تدوين يومياتها، كنت أدون يومياتي من خلال رسم الوجوه وملامحها أستوحي انفعالاتهم في أي مكان أكون به، من مجلس الأسرة، في المطعم، في رحلة الطائرة، أو في القطار كنت أقرأ تعابير كل وجه يصافحه نظري».

خارج سرب الرغبة
أصرت على أن تستكمل المشوار.تتابعت صفحات العمر، واجتازت مراحل الدراسة، تخرجت وهي تحمل تخصص «إدارة أعمال» بخلاف ما كانت تصبو إليه. لماذا خالفت حنان قوانين طبيعتها، وعكست تيار الرغبة؟ عللت الإجابة لسببين: أولاً: تم افتتاح قسم التربية الفنية في الجامعة وهي على مشارف السنة الثانية. ثانيًا: قسم التربية الفنية في ذلك الوقت لا يثري ما تبحث عنه.

محطات فنية
لم تقف عند تلك البوابة، بل واصلت البحث عن قصة عشقها التي لم تكتمل، شاء القدر أن تنتقل إلى بلاد روافد نهر النيل ونسائم تاريخه الفني، تتلمذت على يد أساتذة فن الباستيل، وخلال فترة تعد قياسية استوعبت خصائصها في تجارب مستمرة دون كلل بين الفشل والنجاح، وتشربت مفردات المادة، حتى أصبحت طوع بنانها ورهن إبداعاتها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى بيروت ومن بعدها بريطانيا، لتتخصص في دراسة البورتريه. لم تكتفِ بالدراسة الجامعية، ولكن شغفها أوكلها بالبحث في كل ركن من أركان المدينة تقوم بمسح ميداني لتسجل أي معلومة عن فن الألوان، وعن الطرق المستخدمة في تركيبه، تدربت في صومعتها الخاصة وأيضًا في ورش الفنانين. من هنا برز سؤال: أي مدارس الفن التشكيلي استوطنتِ به المسار؟ تؤكد حنان «مدارس الفن التشكيلي ما هي إلا أسس وقواعد نستمد منها التوازن والقياس، ولكن لكل فنان مساره الخاص، وبصمته التي تحاكي مقبض فرشاته وما يتشكل منه. تتلمذت على فن الباستيل وعشقته كونه يجسد الذات الإنسانية، وما زلت أبحث عن مناهل العلم في الفن، ولن أقف عند منعطف معين، ولم يحن الوقت لأقول هأنذي».

التمرد الإيجابي
تعددت الرحلات والركب محطةً فنيةً، تحمل قوافل من اللوحات، تصف حنان حالة فرشاتها بقولها «لم أتوقف عن الرسم خلال مشوار الدراسة والبحث، بل كانت فرشاتي لا تهدأ كالبركان ثائر تعمل أينما كانت» إذًا متى يسكنك هدوء الفرشاة؟ ومتى تمضين لاحقة بها فتأبى وتتخذ مسلك العصيان؟ «لن تسكن أدواتي الراحة حتى ترضي ما بداخلي، ولا أعتقد أن فرشاتي تتخذ مسلك العصيان، لأنها تؤمن بما أقدم، فرشاتي لها بصيرة ما وراء تلك الأقنعة في الوجوه، وجدانياتنا بوتقة واحدة، يعنينا ذلك الإنسان وهاجس الكون وأين نحن منه».

نزع أشواك الزمن
مرسم حنان أشبه بعيادة الطب النفسي، فهي تستقبل من يزورها وعندما يدار الحديث معه تتمكن من صيد نزعة الألم من كوامنه، استوقفها السؤال: من يحضر أعمالك يجدك شغوفة في التعامل مع العمق الإنساني، لم كل هذا التركيز؟ وما الذي تبحثينه في تلك الانفعالات؟ تعتليها ابتسامة تحمل تلك الأحزان التي نقلتها في مرسمها تقول: «من منا لم يعايش الدراما من يوميات الحياة، الإنسان ذلك الكائن المتصارع مع ذاته، تستفزني تلك الملامح الحزينة تثير فرشاتي، أحاول أن أستمدها من صاحبها، وبأصابع مشاعري أتأمل ما وراء خطوط تلك الانفعالات واستقراءها على اللوحة، ليمكن للخيال أن يمنح الصورة حتى يرى الشخصية أمامه، وعندما يروي ما بداخله، تنتاب أطرافي المتعة، تبدأ تتنفس تفاصيل الملامح، وتزيح البياض من اللوحة، تتسلل من بين ثغورها، تبدأ فرشاتي بمسح ذلك البياض لتتجسد لوحتي الأصلية التي كانت تقبع خلف ذلك البياض».

ومضات النجاح
شاركت حنان في معارض عدة، وما زالت، ومن بين أعمالها تم ترشيح لوحة «منسي» التي نالت اهتمام العالم عندما بيعت في مزاد «سوذبي» بثلاثة أضعاف قيمتها، هل توقعاتك رسمت لها هذا النجاح؟ بصورة فاحصة تقول: «لم أتوقع لها ذلك لسبب بسيط، لأن علاقتي باللوحة حين أعايش انفعالاتها فقط، ثم أرحل عن اللوحة حين أنتهي منها، لذا لم تكن في توقعاتي».

إذًا ما الذي نحتاج إليه في منهج التربية الفنية، لنصنع جيلاً يحلق عالميًا، وملمًا بالثقافة التربوية الفنية؟
بعين الحكمة والخبرة تقول: «نشهد الآن بعض التطور، ونقلة عما كان في الماضي، ولكن ينقصنا تطوير أكثر للذائقة الفنية، وإعادة نظر في المناهج التي تدرس، نحتاج إلى غرس ما هية الفن، وتاريخه، وتزويد المناهج بتاريخ الفن الإسلامي، وصقل مواهب هذا الجيل من خلال ورش عمل، وزيارات للمتاحف والمعارض الفنية».