April_09Banner

اقتصاد


الميزانية العامة السعودية 2010
أضخم ميزانية في تاريخ المملكة
تنويع مصادر الدخل يحافظ على استقرار الاقتصاد، واستمرارية خطط التنمية الاقتصادية.

• د.فهد محمد بن جمعة، كاتب اقتصادي
عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية
عضو الجمعية المالية الأمريكية

اعتمدت المملكة العربية السعودية، مؤخرًا، ميزانية عام 2010 التي عُدت أضخم ميزانية في تاريخ المملكة بإنفاق يبلغ 540 مليار ريال والإيرادات عند 470 مليار ريال، أي بعجز 70 مليار ريال. في حين كانت الإيرادات الفعلية للمملكة في 2009 تبلغ 505 مليارات ريال والإنفاق يسجل 550 مليار ريال أي بعجز 45 مليار ريال. هذا، وسيكون لاستقرار أسعار النفط عند متوسط 70 دولارًا الأثر الإيجابي على دخل الدولة وميزانيتها في العام القادم، وعلى استثماراتها في تطوير طاقتها الإنتاجية من النفط وتوسيعها.

  • استقرار أسعار النفط عند متوسط 70 دولارًا سيكون له أثر إيجابي في دخل الدولة

  • جنبت السياسات النقدية المحافظة القطاع المالي السعودي أخطار الأزمة المالية العالمية

  • تخصيص 25? من الميزانية للتعليم والتدريب يسهم في تنويع الاستثمارات والدخل

Report1_Sultan_2

وتدل جميع الأرقام والمؤشرات على أن القطاع المالي السعودي ما زال في حالة جيدة، إذ جنبته السياسات النقدية المحافظة أخطار الأزمة المالية العالمية, رغم أن البنوك السعودية ما زالت تواجه مخاطر الديون المتعثرة وانخفاض نسبة الإقراض إلى الودائع إلى 81.89? مقارنة مع نسب بنوك دول مجلس التعاون الخليجي التي تزيد عليها بأكثر من 20?. كما أوضح تقرير مؤسسة النقد السعودية أن رصيد الأصول الأجنبية الرسمية الصافية قد انخفض من 1.541 تريليون ريال في الربع الأول من العام الحالي إلى 1.427 تريليون ريال في نهاية الربع الثالث، أي بانخفاض قدرة 114 مليار ريال تقريبًا، لكن ما زال ميزان المدفوعات في وضع جيد.

بما أن معظم دخل الدولة السعودية يأتي من النفط، فإن ارتفاع أسعاره يصبح عاملاً أساسيًا في تحديد نطاق الفائض/ العجز في ميزانيتها، فكلما ارتفعت أسعار النفط زاد دخلها، ثم إنفاقها على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما ينعكس إيجابيًا على معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، الذي يقيس تحسن أداء الاقتصاد الإجمالي. لذا سوف يؤدي تحسن أسعار النفط إلى زيادة الفائض في الميزانية، أو على الأقل تقليص حجم العجز، وهذا يعتمد على مقدار ذلك التحسن وترشيد الإنفاق الحكومي. فلو لم يرتفع الإنفاق الفعلي إلى 550 مليار ريال في ميزانية 2009 التقديرية لحققت فائضًا قدره 45 مليار ريال. وهذا كان ناتجًا عن ضعف أسعار النفط في الخمس شهور الأولى من عام 2009 عند متوسط 42 دولارًا، قبل أن يرتفع هذا المتوسط إلى 69.4 دولار في الشهور المتبقية من السنة نفسها. كما واكب هذا الانخفاض في الأسعار انخفاض في الإنتاج إلى 8.2 مليون برميل يومي في ذات العام بعد اتفاق الأوبك في نوفمبر وديسمبر من العام الماضي بخفض إنتاجها بمقدار 4.2 مليون برميل يومي.

ولكن ارتفاع أسعار النفط سوف يزيد من دخل الدولة، إذا ما كانت الزيادة في الأسعار أعلى من الزيادة في تخفيض الإنتاج، حيث يكون إجمالي الدخل أعلى مما سبق لكي يتحول ذلك إلى فائض في الميزانية العامة، وهذا سوف يعزز معدل النمو الاقتصادي لأنهما مرتبطان ارتباطًا قويًا مع الفائض في الميزانية. أما في حاله ارتفاع الأسعار بنسبه أقل بينما يبقى الإنتاج في حالة من الثبات فإن إجمالي الدخل لن يكون أفضل من السابق بكثير، وهذا يجعل معدل النمو الاقتصادي ينحدر إلى أسفل مع حجم العجز في الميزانية، ما يعني أن الميزانية العامة التقديرية سوف تحقق عجزًا في العام القادم. لكن التوقعات المستقبلية تشير إلى أن أسعار النفط في العام القادم في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ونمو الطلب العالمي على النفط ما بين 0.1? إلى 1.7? في العام القادم وبقاء متوسط أسعار العقود المستقبلية الآجلة في نطاق 77.5 دولار في 2010، وهي أسعار أعلى من متوسط أسعار سلة الأوبك مستقبليًا وأعلى من متوسط الأسعار للعام الحالي بنسبة 25? بما ما سوف يكون له تأثير إيجابي على الميزانية القادمة وكاف لتحقيق فائض بها.

ويبدو أن الدولة حريصة على مواصلة النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال سياستها المالية التوسعية المعتمدة على زيادة الإنفاق الحكومي الفعلي على المشاريع التنموية حتى في أوقات الأزمات، حيث إنها تعهدت في اجتماع مجموعة العشرين بإنفاق 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. وقد خصصت ما نسبته 25? من ميزانيتها على التعليم والتدريب والمعرفة من أجل مستقبل أفضل نحو تطوير القدرات البشرية الذي يقود إلى تنويع الاستثمارات والدخل.

وإذا ما نظرنا إلى الرسم البياني التالي فإنه يوضح العلاقة بين الإيرادات والمصروفات الحكومية منذ بداية 2000 حتى نهاية عام 2009، حيث حققت الميزانية عجزًا في عامي 2001 و2002 بعد فائض في 2000، واستمر ذلك الفائض في 2003 ليصل إلى أعلى قمة له في 2008، مع ارتفاع متواصل في الإنفاق حتى العام القادم رغم العجز في ميزانية 2009، فإنه من المتوقع أن تحقق ميزانية 2010 فائضًا قدرة 80 مليار ريال عند مستوى الإنفاق التقديري وأعلى من الإيرادات المقدرة عند 153 مليار ريال. كما أنه من المتوقع أن يتحسن دخل الدولة من المصادر غير النفطية في العام القادم مع تحسن النمو الاقتصادي الحقيقي المتوقع إلى 2.8?.

وهكذا تسعى الدولة إلى وضع استراتيجياتها الاقتصادية وزيادة فعاليتها من أجل تحقيق نمو اقتصادي حقيقي، وإيرادات للدولة غير نفطية في إطار تنويع مصادر الدخل التي تحافظ على استقرار الاقتصاد وقت الأزمات من أجل استمرارية خطط التنمية الاقتصادية الخمسية دون تعثر للمشاريع الحكومية والخاصة التي تربط بين أجزاء الاقتصاد الكلي والجزئي في ظل رؤية واضحة وواقعية. وهذا يتطلب رفع كفاءة استخدام رأس المال وهيكلة القطاعات الاقتصادية، وترتيب الأولويات من أجل درء المخاطر، وتجاوز أي عجز محتمل في الميزانية العامة، وتقليص حجم الدين العام إلى أقل مما كان عليه في عام 2009 إلى ما دون 237 مليار ريال.

إن هذا التحليل يبرهن على مدى تأثر أي اقتصاد يعتمد بشكل إجمالي على دخل السلعة الواحدة بالأزمات الاقتصادية العالمية، كما هو الحال في اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط في بناء الاقتصاد دون تنوع القاعدة الصناعية بشكل كبير، ما يعزز القدرات الاقتصادية المحلية ويرفع من الصادرات بنسب مرتفعه تتجاوز النسبة الحالية التي لا تتجاوز 12? رغم ارتفاع نمو القطاع الخاص إلى 3? هذا العام وتراجع نمو القطاع النفطي.