العالم الجغرافي د.عبدالله المسند:
فاتورة الغازات الدفيئة ستكون باهظة
ستكون لتغير المناخ نتائج خطيرة في السنوات المقبلة، وسيضطر العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة.
• الرياض: أهلاً وسهلاً
لم تترك قمة المناخ التي عقدت، مؤخرًا، بالعاصمة الدانماركية كوبنهاجن إجابات للأسئلة التي جاء بها الناشطون البيئيون إلى مقر القمة، بقدر ما تركت أسئلة جديدة، وجدلاً كبيرًا دائرًا حول مدى نجاح هذه القمة في تحقيق أهدافها.
|
|
|
|
وفق د.عبدالله المسند، عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في جامعة القصيم، فإن قضية الاحتباس الحراري الذي أدى إلى تغير المناخ على كوكب الأرض قضية كونية أممية، إذ إن طائفة من العلماء ما زالوا يشككون في حقيقة التغير المناخي علميًا، ويدعون أن وراء الأكمة ما وراءها. وإذا وجدنا أن أكثر من 192 دولة اجتمعت، وبحضور 110 من قادة العالم وتوصلوا إلى قناعة أن المناخ فعلاً تغير، وهذا التغير والتحول بسبب الإنسان وأنشطته الحضرية المدنية، فأزعم أن هذا الاعتراف مكسب وخطوة إيجابية للأمام، ثم إن هؤلاء انتقلوا إلى مرحلة متقدمة من معاهدة كيوتو عام 1997 إلى قمة كوبنهاجن 2009، ومن نتائجها الاتفاق على تعويض الدول النامية والمتضررة من تغير المناخ ودعمها بمعدل 10 مليارات دولار سنويًا، فهذا مكسب ثان، إضافة إلى السعي إلى الحد من ارتفاع معدل حرارة الأرض عبر تخفيض كميات الانبعاثات من غازات الدفيئة، وهذا مكسب آخر من وجهة نظري، لذا فإن القمة حلقة في سلسلة أنجز الإنسان منها حلقات، وخطا خطوات إلى الأمام.. وما لا يدرك كله لا يترك جله.
وفي هذا السياق قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون واصفًا الاتفاق الذي تم التوصل إليه: «لا يستجيب كلية للآمال والتطلعات، لكنه يظل رغم ذلك بداية أساسية، لذا فالذي عاد به العالم أرى أنه خطوة صغيرة في مسيرة المفاوضات ولكنها كبيرة في مسيرة الحضارات».
وفيما إذا كان هناك من يشكك في حقيقة التغير المناخي علميًا يرى د.المسند أن التغير المناخي «Climate change» في العقود الأربعة الأخيرة لم يكن مسألة نظرية أو فرضية فحسب، بل هو واقع ملموس وأمر محسوس، فالسجلات المناخية العالمية المئوية حافلة بشواهد غنية وأدلة قطعية، على أن عناصر المناخ تغيرت وأصبحت أكثر تطرفًا وعنفًا، وعلى وجه الخصوص درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات، حيث ساهمت في الغالب وبشكل سلبي على الإنسان والنظام البيئي على حد سواء. وما ذوبان الجليد القطبي والأنهار المتجمدة والذي أعقبه ارتفاع مستوى سطح البحر إلا شواهد محسوسة، وأدلة مقيسة لمن كان عنده شك وارتياب. ولقد أثبتت الدراسات العلمية المحكمة أن معدل درجة حرارة الأرض خلال القرن العشرين قد أصبح أكثر سخونة من أي قرن مضى، حيث ارتفع معدل درجة الحرارة بمقدار 0.6 درجة مئوية ليأتي العقد الأخير «التسعينيات» من القرن الماضي كأسخن عقد في القرن العشرين، وتعد السنوات الاثنتا عشرة الأخيرة «من عام 1995-2006» أكثر السنوات سخونة منذ عام 1850، إذ ارتفع معدل الحرارة العالمي 0.74 درجة مئوية، وارتفع منسوب سطح البحر بمعدل 3.1 ملم سنويًا منذ عام 1993. وأما القطب الشمالي فقد واصل تقلصه بمعدل يصل إلى 2.7% في العقد الواحد. ومحليًا فقد أثبتت دراسة سابقة لي على وسط المملكة أن درجة الحرارة ارتفعت بمعدل 1.5 درجة مئوية خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي.
وهل هناك غير الإنسان الذي يمكن أن تشير إليه أصابع الاتهام في هذه القضية؟ يرى كثير من العلماء حسب د.المسند أن النشاط البشري في المئة سنة الأخيرة قد أثر في المناخ وقاده إلى الاحترار العالمي (Global warming). وقد أكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC)لعام 2001 أنه توجد دلائل وشواهد قوية على أن النشاط البشري يقف خلف ارتفاع درجة الحرارة. واعتمادًا على آخر السجلات المناخية خلال القرن العشرين فإن درجة الحرارة ما زالت في طور الصعود والارتفاع والتغير. وأشار مكتب الأرصاد الجوية البريطاني (Met Office) إلى أن نتائج النماذج العددية التنبؤية (GCMs) تشير إلى أنه إذا استمرت معدلات انبعاث الغازات الدفيئة بمستواها الحالي فإنه ستحدث تغيرات كبيرة وواسعة في المناخ. وفي السياق نفسه تتوقع بعض الدراسات المعتمدة على العديد من سيناريوهات الانبعاثات الغازية والنماذج العددية على أنه إذا استمر حرق الوقود الأحفوري بالكميات الحالية فإن نسبة ثاني أكسيد الكربون ستتضاعف في الغلاف الجوي بحلول 2050، وهذا سيساهم، بالضرورة، في ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 1.4 درجة مئوية إلى 5.8 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.. والله أعلم.
وحول تداعيات فشل قمة المناخ على كوكبنا يقول د.المسند هذه القمة سبقتها قمم وسيعقبها قمم، والنتيجة النهائية لقمة كوبنهاجن ليست إخفاقًا، بل تحققت بعض الآمال ولو جزئيًا، لأن البشر من الصعب أن يتفقوا جميعًا، وهم مذاهب ومشارب. وكون قمة المناخ وصلت إلى هذه المرحلة من التفاهم النسبي، فالقرارات العملية سواء في تخفيض الانبعاثات أو بالتمويل والتعويض قد تحتاج إلى وقت ومزيد من المفاوضات والمناورات والتنازلات، سيما أنه أول اتفاق عالمي بين الدول الغنية والفقيرة تجاه التغيرات المناخية العالمية. وأزعم أنه في المستقبل القريب سيدفع الوعي العالمي تجاه الانحباس الحراري والتغير المناخي بمزيد من الضغوط الإيجابية على أصحاب القرار العالمي لحماية الإنسان وحضارته على كوكبنا الأزرق الذي قال الله عنه }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{.
بين الفشل والنجاح تكمن تفاصيل كثيرة منها ما يشير إلى أن بعض الدول أعاقت نجاح قمة المناخ إلا أن د.المسند له وجهة نظر أخرى مفادها أن الكل كان يريد أن يخرج بأكبر مكسب وبأقل خسائر، وهذه طبيعة البشر. ولربما كانت الصين هي المقصودة عندما لم تقبل أن تتعهد إلى الدول الصناعية بخفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بالنسبة المطلوبة والمحددة حتى عام 2050، أيضًا وفي السياق نفسه وزير البيئة الألماني نوربرت روتجن اتهم الولايات المتحدة والصين بإفشال القمة حيث قال: «الصين لا تريد القيادة وأمريكا لا تستطيع القيادة». كل دولة لديها من المشكلات والمصاعب ما هو كفيل بالرضا بما تحقق في القمة الأخيرة والتطلع إلى الخطوة القادمة، وحتى إذا لم يتوصلوا إلى معاهدة دولية جديدة في هذا الشأن فإن هناك قمة قادمة في المكسيك منتصف عام 2010 لعلها تضع النقاط على الحروف ولو جزئيًا.
ما يهمنا في القضايا الكبرى هو الموقع والمكانة، فأين العالم العربي من كل ما يجري؟! سؤال يجيب عنه د.المسند بكثير من الواقعية: «على مستوى الدول العربية فهي لا تسهم بشيء يذكر في تلويث العالم، إذ إنها خارج قائمة الخمس عشرة الأولى الأكثر تلويثًا في العالم، أيضًا على مستوى العالم الإسلامي تأتي إندونيسيا بالمرتبة الحادية عشرة تليها باكستان في المرتبة السادسة عشرة الأكثر تلويثًا للعالم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى دول العالم الثالث ليست من العشر الأوائل في القائمة «السوداء».
أما من جهة التأثر السلبي لمشكلة الاحتباس الحراري على الإنسان وحضارته.. فإن الطبيعة ليست مزاجية الاختيار، فالكل واقع تحت طائلة العواقب الوخيمة جراء التغير المناخي المتصاعد بما فيها الصين، والهند، والولايات المتحدة الأميركية. ومعظم الدراسات المستقلة تشير إلى ارتفاع في درجة الحرارة جراء ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة بالجو التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري المتراكم الذي سينجم عنه ارتفاع درجة الحرارة، وذوبان الجليد. فارتفاع منسوب سطح البحر ومن ثم غرق بعض الشواطئ والمدن الساحلية المنخفضة، ومنها التأثير على حدود المحاصيل المناخية، وتفاقم أزمة المياه في المناطق الصحراوية، وازدياد عنف العناصر المناخية، وأمور قد لا يدركها الإنسان فقد }ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{.
وحول نصيب السعودية من عواقب التغير المناخي؟ يقول د.المسند: «قمت في عام 2005 بدراسة لاستقراء التغير المناخي لدرجات الحرارة في وسط السعودية، وأظهرت النتائج أن معدل ارتفاع درجة الحرارة خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي بلغ 1.5 درجة مئوية. وفيما يتعلق بالمستقبل واعتمادًا على ثلاثة نماذج عددية عالمية (HadCM3) بريطاني، و(CGCM2) كندي، و(ECHAM4) ألماني، وسيناريوهين للانبعاثات الغازية فقد أثبتت مخرجات النماذج أن معدل درجة الحرارة على مستوى وسط المملكة سيرتفع بمعدل 0.4م – 1.6?م بحلول عام 2020. بينما تتوقع الدراسة أن يرتفع معدل درجة الحرارة عام 2080 من 2?م– 4.8م. أما على مستوى التغير في كمية المطر في السعودية فأشارت مخرجات النماذج الثلاثة المذكورة إلى أنه لا يوجد نمط أو اتجاه واضح للمطر خلال العقود القادمة، حيث تشير النتائج إلى أن التغير يقع بين ناقص 20 ملم وزائد 30 ملم سنويًا مقارنة بفترة 1971– 2000.. والله أعلم.
والآن ماذا ينتظر العالم في المستقبل القريب؟ برأي د.المسند ستواصل درجة الحرارة العالمية زحفها البطيء إلى القمة، والجليد في القطبين سيواصل انصهاره التدريجي، ومستوى البحار والمحيطات سيواصل ارتفاعه التدريجي، وحالات الطقس العنيفة وغير المعهودة ستواصل كسر السجلات المناخية التاريخية.. وسوف يعاني العالم التغيرات المناخية بشكل متفاوت، وسوف يكون لها قتلى وجرحى في السنين القادمة حتى يصل إلى مستوى من الخطورة يدفع، وبالقوة، الساسة والرأي العام إلى اتخاذ إجراءات عملية عاجلة، وسوف تكون مكلفة وباهظة التكاليف.. فلربما تكاليف تخفيض نسبة الغازات الدفيئة الآن أرخص وأقل تكلفة منها بعد عقد أو عقدين بشكل قد يصل إلى 500%.. والله أعلم.
من جهة أخرى لا أرى أن نتائج قمة كوبنهاجن ضاعت، بل هناك تقدم في المسيرة وإن كان ليس على مستوى طموحات النشطين وغيرهم. وفي هذا السياق قال أوباما: «إن على العالم أن يتوصل إلى اتفاق حول المناخ حتى لو لم يكن كاملاً». ثم إنه ليس من السهولة الاتفاق الشامل والكامل بين 192 دولة في قضية شائكة ومائعة كقضية الاحتباس الحراري، سواء من الجانب العلمي، أو من جانب الآثار السلبية والتعويضات المالية.. إذ أحيانًا تجد صعوبة في الاتفاق بينك وبين ظلك، فما بالك مع 192 دولة كل له مذهب ومشرب؟!
ولكن كيف يمكن لنا في المنطقة العربية أن نسهم في فك هذا الاختناق الذي يتعرض له العالم الذي يفترض أننا جزء منه؟ العالم العربي حسب د.المسند من الضعف بمكان لدرجة أنه ليس بيده قرار نفسه في كثير من شؤون حياته، لذا فكيف يطلب منه أن يسهم في فك اختناقات دولية عويصة كمعضلة تغير المناخ؟! ولكن من جهة الموروث الإسلامي فعندنا خارطة الطريق التي تخبرنا كيف نعيش ونتعايش مع الكون أجمع قال تعالى: }وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ{. فالإنسان استخلف في أرض كاملة صالحة للحياة وفق معادلة ونواميس إلهية موزونة ومقدرة، وفي الوقت نفسه حذرنا الخالق المدبر من العبث والإفساد وإخلال الموازنة الطبيعية حيث قال }وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ وقال: }كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{.. فالإسلام لديه الحل في كيفية التعامل والتعاطي مع المقدرات الطبيعية والبيئية.