April_09Banner

تقرير


أكاديمية الطيران المدني السعودي
خطوة رائدة في صناعة النقل الجوي
لدى المملكة القدرة على أن تكون مركزًا علميًا وتدريبيًا لتوفير الكوادر البشرية المؤهلة.

• عبدالعزيز بن عبدالكريم العنقري
نائب الرئيس التنفيذي
الهيئــــة العــامــة للطيـــــران المدنـــــــي

أعلن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس هيئة جائزة الملك فيصل العالمية، يوم الإثنين 25 المحرم 1431هـ الموافق 11 يناير 2010م، أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لعام 1430هـ- 2010م، في مجالاتها الخمسة، وذلك بعد أن أنهت لجان الاختيار جميع اجتماعاتها. كما تم الإعلان، أيضًا، عن موضوعات الجائزة في دورتها للعام المقبل 1431هـ- 2011م، وفاز بها لهذا العام علماء من تركيا، والجزائر، ولبنان، وكندا، وألمانيا، والولايات والمتحدة، وأستراليا.

  • لقد تم تدريب 2043 متدربًا فنيًا خلال السنوات الخمس الماضية، منهم 530 في المراقبة الجوية

  • تخدم الأكاديمية قطاع الطيران المدني من مطارات، وإطفاء، وتجهيزات ملاحية، وسلامة الطيران وأمنه

Report1_Sultan_2

يمثل العنصر البشري في صناعة النقل الجوي، أحد المحاور الرئيسة، إن لم يكن أهم المحاور، لإيجاد صناعة نقل جوي متطورة، وتوطين تقنيات تلك الصناعة، ويمثل الاستثمار في تهيئة الكوادر البشرية لإدارة مرافق هذا القطاع الحيوي وتشغيلها، وتعهد تلك الكوادر بالتطوير من خلال برامج تدريبية متخصصة، أفضل استثمار تنفق عليه الدول المتقدمة والشركات المتخصصة بسخاء.

كانت المملكة، ولا تزال، تمثل الريادة بين دول المنطقة في الطيران المدني، ليس من حيث المرافق والتجهيزات، ولا من حيث المبالغ المستثمرة في البنية التحتية لهذه الصناعة فحسب، وإنما تميزها في عنصر أهم، وهو تهيئة الكوادر الوطنية المؤهلة علميًا وعمليًا. فقد عملت المملكة، خلال العقود الخمسة الماضية، على إعداد كوادر متخصصة وفنية لإدارة مرافق هذه الصناعة وتشغيلها، وكانت تعتمد في جزء كبير من هذه الجهود على إيفاد مجموعات من الطلبة للجامعات والمراكز التدريبية المتخصصة في خارج المملكة، كالولايات المتحدة الأمريكية، والسويد، وبريطانيا وغيرها.

هذه الجهود تبلورت بافتتاح الطيران المدني، مع بداية الستينيات الميلادية من القرن الماضي، معاهد تدريب فني في كل من جدة عام 1382هـ الموافق 1962م، والدمام عام 1386هـ الموافق 1966م، لتغطية احتياجات الطيران المدني من المراقبين الجويين، وفنيي صيانة الأجهزة الملاحية، والإطفاء، والإنقاذ، وفنيي الاتصالات الملاحية. كان لهذه المراكز التدريبية دور إيجابي في تخريج دفعات ممن يتولون اليوم إدارة هذه المرافق وتشغيلها بكل كفاءة واقتدار، وقد استفاد منها عدد من أبناء دول المنطقة. وينقسم التدريب في هذه المراكز إلى ثلاثة أقسام:

• تدريب أساسي لتهيئة قوى عاملة جديدة، بحيث يتخرج المتدرب في المراقبة الجوية أو الإطفاء والإنقاذ أو فني صيانة أجهزة ملاحية.
• تدريب تطويري للقوى العاملة لمن هم على رأس العمل في مجال الأعمال التي يزاولونها، وتعريفهم بالمستجدات في تقنية الأجهزة التي يتعاملون معها أو الإجراءات العملية التي يزاولونها.
• تدريب الهدف منه الحصول على الترخيص الدولي لمزاولة المهنة، كتدريب المراقب الجوي على الاقتراب، أو مراقب رادار.
لقد تم تدريب 2043 متدربًا فنيًا خلال السنوات الخمس الماضية، منهم 530 في المراقبة الجوية، و1217 في صيانة أجهزة الملاحة، و296 في الإطفاء والإنقاذ.

ولم يكتف الطيران المدني بهذه المعاهد، بل أنشأ مراكز تدريب في المطارات الدولية الثلاثة: مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، ومطار الملك خالد الدولي بالرياض، ومطار الملك فهد الدولي بالدمام، تقدِّم دورات متخصصة قصيرة: فنية، وإدارية، وتشغيلية، إلى جانب اللغة الإنجليزية، استفاد منها آلاف الموظفين ممن هم على رأس العمل.

لكن تلك المراكز بإمكاناتها البشرية، ومناهجها، وتجهيزاتها المعملية، لم تعد تتناسب مع القفزات التطويرية المتسارعة في صناعة النقل الجوي، والاتصالات، وتقنية المعلومات، أو حتى المناهج التدريبية كأساليب ووسائل. من هنا جاءت الحاجة إلى نقلة نوعية في منظومة التدريب في الهيئة العامة للطيران المدني لتواكب هذه المستجدات، فصدر قرار مجلس إدارة الهيئة رقم «1 -4» بتاريخ 2/1/1427هـ بتأكيد ما سبق أن صدر به قرار مجلس القوى العاملة رقم 1/2/407/25 بتاريخ 1/8/1407هـ بإنشاء أكاديمية الطيران المدني، وتُوِّج بالموافقة السامية الكريمة رقم 9094/م ب بتاريخ 14/12/1427هـ بأن تتولى الهيئة العامة للطيران المدني، إنشاء الأكاديمية والإشراف عليها.

الأكاديمية سوف تدرس فيها التخصصات الفنية: كالمراقبة الجوية، والإطفاء، والإنقاذ، وصيانة الأجهزة الملاحية، إلى جانب برامج جديدة مثل: أمن الطيران، وسلامة المطارات وتشغيلها كخطوة أولى، وتتوسع لاحقًا بتدريس تخصصات تخدم قطاع الطيران بصفة عامة، مما لا توفره مخرجات التعليم بالجامعات السعودية.

ما يميِّز هذه الأكاديمية عن غيرها هو التخصص، فهي تخدم قطاع الطيران المدني من مطارات، وإطفاء، وتجهيزات ملاحية، وسلامة الطيران وأمنه، كما أنها تمثل جهدًا مشتركًا بين أكثر من جهة. فهناك تنسيق بين الهيئة العامة للطيران المدني والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لإنشاء مرافق الأكاديمية، ومجلس أمناء الأكاديمية، برئاسة معالي رئيس الهيئة، يمثل نخبة من أكاديميين سعوديين يمثلون الجامعات السعودية ورجال أعمال لهم اهتماماتهم بصناعة الطيران المدني، ومتخصصين من الهيئة العامة للطيران المدني. كما أن الهيئة العامة للطيران المدني عمدت إلى التعاقد مع إحدى الشركات العالمية المتخصصة «شركة تاليس الفرنسية»، لتطوير المناهج التدريبية، وإعداد المدربين الأكفاء، وتوفير المعامل التشغيلية المتطورة، بالتعاون مع جامعات ومراكز تدريب عالمية متخصصة في كل من: فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، والاستفادة من تجارب أكاديميات الطيران الناجحة في كل من: سنغافورة، وماليزيا، ونيوزيلندا وغيرها، وقد صمم العقد على مراحل، انتهت المرحلة الأولى بمبلغ «40» مليون ريال، والمرحلة الثانية بمبلغ «150» مليون ريال للسنوات الأربع المقبلة. هذا التميُّز العلمي والمنهجي التدريبي يعطي المتدرب والجهة الموفرة للتدريب بالأكاديمية، اطمئنانًا بجدية التدريب، وأنه يتم وفق المواصفات والمتطلبات الدولية لأداء العمل، والترخيص الدولي لمزاولة المهنة في أي مكان في العالم.

ما أحب أن أؤكده أن التدريب الفني لمزاولة مهنة المراقبة الجوية مثلاً، يفوق بكثير في التكاليف، والجهد، والوقت، أي تدريب إداري آخر، وأنه يمثل عملية مستمرة.

في رأيي أن هذه الأكاديمية المتخصصة، وأختها الكبرى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وغيرها من الجامعات ومراكز التدريب المتخصصة، تمثل انطلاقة فعلية وحكيمة لتهيئة كوادر وطنية لسد احتياجات سوق العمل، وتوطين التقنية بالمملكة.

حكومة المملكة، وفقها الله، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، الرجل الذي يعود له الفضل، بعد الله، في وضع بذرة الأساس للتدريب الفني بالطيران المدني، وتعهدها بالرعاية والدعم، لم تأل جهدًا في دعم التعليم والتدريب من خلال اعتمادات الميزانية الضخمة للتعليم والتدريب، والتي تجاوزت «23%» من مجموع اعتمادات الميزانية العامة الحالية، يؤيد هذا ما تشهده المملكة من حراك ضخم في التعليم العام، وتوسع في أعداد الجامعات ومراكز التعليم التقني والتدريب المهني، فضلاً عن آلاف المبتعثين للدراسة بالخارج.

هذه الحقائق وهذه النظرة المستقبلية الطموحة للتدريب في نظري تضعنا أمام ضرورة وضع خطة استراتيجية للقوى العاملة، ليس لاحتياجات المملكة الآنية فحسب، بل لا بد أن تكون الخطة للعشرين سنة المقبلة، وربما أكثر، آخذين في الحسبان جميع العوامل المؤثرة: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، ومستفيدين من تجارب دول سبقتنا نجحت في وضع مثل تلك الخطط، ووظفت لها كل إمكاناتها، فجاءت نتائجها إيجابية. هذه الخطة تمثل مخرجًا تنمويًا وطنيًا، يتمثله كل مرفق في خططه الاستراتيجية، بما في ذلك القطاع الخاص، والدولة، وفقها الله، بنظرتها الحكيمة، مسؤوليتها ضبط تناغم هذه الخطط ووضعها في بوتقة واحدة، تمثل خطة الدولة الاستراتيجية للقوى العاملة تحدد آلياتها بوضوح والمستهدف منها، وتعرف مدخلاتها، وتقاس مخرجاتها بعيدًا عن الإنشائية والمبالغة. يحضرني في هذا السياق ما يؤكده صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، بأننا ننشد العالم الأول، وأننا بإمكاناتنا وقدراتنا لم نعد نقبل أو نصنف دون ذلك، وأعتقد أن سموه أصاب كبد الحقيقة. فما دمنا وضعنا ذلك هدفًا، فللهدف متطلبات، لزامًا علينا الوفاء بها، والعمل على تحقيقها، والبدء فيها مبكرًا قبل فوات الأوان، ويأتي في مقدمتها تهيئة الكوادر البشرية المؤهلة علميًا وعمليًا لهذه النقلة الحضارية.

لست متفائلاً فحسب، بل أجزم أن لدى المملكة القدرة على أن تكون مركزًا علميًا وتدريبيًا لتوفير الكوادر البشرية المؤهلة، ليس لتغطية احتياجاتها فقط، بل ولدول المنطقة.