الـغزال الجريح
• بقلم: محمد سعيد المولوي
كان بديع صيادًا ماهرًا، وكان يحب صيد الطرائد، فيأخذ بندقيته ويمضي إلى الغابة القريبة، فيصيد ما يتيسر له من الأرانب أو الغزلان أو الطيور أو الثعالب، وكثيرًا ما رآه جيرانه وهو عائد إلى البيت وقد حمل على كتفه غزالاً أو طير حباري أو ثعلبًا أو أمسك بيده أرنبًا وقد تدلى رأسه إلى أسفل. وقد اكتسب بديع خبرة كبيرة لكثرة خروجه إلى الصيد، وكان يساعده كلب سلوقي اشتراه وهو صغير ورباه كما يريد، وكان يصطحبه معه إلى الغابة، ويطلقه فيمضي يتحسس روائح الحيوانات حتى إذا وصل اليها أثارها بهجومه عليها، أو بنباحه فتخرج من مخابئها فتصبح عرضة لنيران بديع الذي يرديها جريحةأو قتيلة.
وكان بديع شهمًا صاحب مروءة ونخوة، يعتد بقوته ومهارته في الصيد، لذلك كان لا يطلق النار على حيوان وهو فار، وإنما يطلق النار إذا تواجه مع الحيوان، وكان يقول: إنني قوي، وأن الحيوان ضعيف، وأنا أقوى منه، فإذا فرَّ فإن مروءتي تأبى عليَّ إطلاق النار عليه من خلف، أما إن ظل واقفًا أو هاجمني، فالويل له مني. وكان رفاقه يعجبون من تفكيره، ولكنهم كانوا يحترمونه، لأنهم كانوا يعرفون مهارته في الصيد.
خرج بديع يومًا إلى الصيد، واصطحب معه كلبه عنترا، ودخل في الغابة، لكنه لم يجد حيوانًا واحدًا يصطاده، حتى تعب من السير، وفجأة لمح عن بعد بضعة غزلان ترعى، فأطلق كلبه من قيده، وراح الكلب يتسحب بهدوء على الأرض، ووضع أخمص بندقيته على كتفه، وأطلق النار نحو الغزال، وفي اللحظة نفسها وصل الكلب إلى الغزال، فنفر الغزال وتحرك، فلامست الرصاصة ما بين كتفه ورقبته، وانفلت الغزال هاربًا والكلب في أثره.
أدرك بديع أنه قد أصاب الغزال، وخاف أن يموت الغزال من غير استفادة منه، كما أن كلبه قد لحق الغزال ولم يعد، فاتجه نحو الجهة التي ذهب منها، وحين قطع مسافة وجد كلبه واقفًا على شفا حفرة كبيرة والغزال قابع أسفل الحفرة، لا يستطيع حراكًا.
أدرك بديع أن الغزال الجريح بفراره حيث كان يقفز قفزًا فرارًا من الكلب، لم يدرك وهو يصعد تلاً أن وراءه حفرة فوقع فيها وكسرت ساقه. وقف بديع على حافة الحفرة ينظر إلى الغزال الذي برك على الأرض والألم ينهشه، وهو لا يستطيع القيام، وأحسَّ بديع بالحزن على الغزال، وحدثته نفسه بإطلاق النار عليه، وسمع صوته من غير أن يدري وهو يقول: لا لست الرجل القوي الذي يطلق النار على حيوان جريح ضعيف.
نزل بديع في الحفرة، وحمل الغزال على كتفه، وكلبه يبصبص بذنبه، ويهز رأسه، ووصل إلى البيت فأودع بندقيته فيه، ثم مضى إلى المستوصف البيطري حاملاً الغزال ووضعه على طاولة الطبيب البيطري، وطلب منه معالجته، واستغرب الطبيب طلبه وسأله: لمَ لم تذبحه؟ وقال بديع :إن مروءتي تأبى عليَّ ذلك، ولست بالإنسان القوي الذى يستغل قوته ضد حيوان جريح ضعيف.
مضت فترة طويلة، وبديع يمضي بالغزال إلى الطبيب حتى شفي، ولكنه كان في هذه الفترة يتودد إلى بديع، فيضع خده على خده، ويلحس يده، ويحرِّك ذنبه وكأنه يعترف لبديع بالفضل ويشكره. حتى إذا شفي الغزال نهائيًا قال الطبيب البيطري لبديع: إن الكسر الذي أصاب الغزال جعله لا يستطيع أن ينجو بنفسه من المخاطر، ولو أعدته إلى الغابة فإنه معرض للهلاك سريعًا، وأنصحك ألا ترجعه إلى الغابة.
اصطحب بديع الغزال إلى حديقة الحيوان، وقد أصبح يأنس بالناس، وقدَّمه هدية إلى الحديقة، فشكرته إدارة الحديقة، وأصبح بديع بين الفترة والأخرى يقول لكلبه: هيا بنا نزر حديقة الحيوان، ونطمئن على صديقنا الغزال، وكان إذا وصل إلى قفص الغزال، عجب الناس مما يرون، فقد كان الغزال يركض نحو بديع فرحًا مسرورًا وهو يهز ذنبه، ويحاول أن يدخل فمه من خلال فتحات السور ليتمسح بيد بديع أو يلحسها، فيمسح بديع بيده على الغزال وقد غمره سرور عظيم، وحين كان يهم بالذهاب، كان الغزال يمضي يمنة ويسرة، يود لو اخترق السور ليعود مع بديع، وهكذا نشأت صداقة حميمة بين بديع والغزال، قائمة على الرحمة.