مشكلات الأولاد السلوكية
كيف نكتشفها..
ونتعامل معها ونعالجها؟
توفرالأجواء الأسرية المليئة بالحب والحنان والاستقرار يسهم في التنشئة السوية للأطفال.
• جدة: أميمة سند
يعاني أولادنا مجموعة مشكلات غير عادية، ترتبط بهم في بعض الأحيان منذ الصغر, وتستمر ملازمة لهم في كثير من الأحيان، ما يؤثر سلبًا في تعاملهم مع الآخرين بيسر وسهولة. لكن هناك طرقًا يجب أن يتبعها الأهل، وعلاجات طبية يحددها المتخصصون، حتى لا يتحول الأمر لمرض سلبي يؤثر في مستقبل الطفل، خصوصًا مع تزايد الظاهرة.
|
|
|
|
بحسب د.نهى زين الدين، استشارية التربية الخاصة بجدة، فإن مشكلات عديدة يعانيها كثير من الأطفال، خصوصًا عند دخولهم إلى محيط جديد عليهم، وهي قد تظل راسخة معهم طوال حياتهم. ويحذر الخبراء والمتخصصون من تحول الأمر إلى سخرية أو جعل الطفل الذي يعاني مشكلة ما، أضحوكة بين أقرانه، إذ إنها ربما تصيب الطفل بكثير من الأمراض النفسية.
اللجلجة
وتعد اللجلجة من أكثر عيوب النطق شيوعًا بين الأطفال، وأسبابها معقدة، ولكن النظرية القائلة بأن أساسها ومنشأها يرجعان إلى عوامل نفسية، هي أكثر النظريات العلمية شيوعًا وقبولاً. يمكن تعريف اللجلجة بأنها مصطلح يشير إلى «التمتمة»، و«الفأفأة»، و«التأتأة» في النطق.
ولعل أهم العوامل التي ترجع إليها الإصابة بمرض اللجلجة هو ما يشعر به المريض من قلق نفسي، وانعدام الشعور بالأمن، والطمأنينة منذ طفولته المبكرة، ويمكننا أن نبين أثر القلق وانعدام الأمن عند الطفل من الأثر الانفعالي الذي يعانيه عندما يتكلم, ولأنه يشعر بالقلق فإنه يصبح متوترًا، لذلك يتلعثم ويتلكأ في إخراج الكلام بصورة تامة، نتيجة لتخوفه المواقف التي يخشى مواجهتها، أو عندما يكون في صحبة أشخاص غرباء، وبمرور الأيام يتعود الطفل اللجلجة وقد يزداد معه الشعور بالنقص وعدم الكفاءة.
وعلينا أن ندرك أن الطفل الذي يعاني اللجلجة، يستطيع الحديث بيسر وسهولة في أوقات كثيرة، عندما يكون هادئ البال أو يكون بمعزل عن الناس, فمثل هذه المواقف تخلو تمامًا من الخوف والاضطرابات الانفعالية التي يعانيها عندما يضطر إلى الكلام في مواجهة بعض الأشخاص وخصوصًا ممن يتهيبهم.
الإفراط بتدليل الطفل
دلَّ كثير من البحوث العلمية على أن الأسباب الأساسية للقلق النفسي الذي يكمن وراء اللجلجة، تتلخص في: إفراط الأبوين ومغالاتهما في رعاية الطفل وتدليله أو محاباته وإيثاره على إخوته أو العكس، كأن يفتقر الطفل إلى عطف الأبوين، والعيش في جو عائلي يسوده الشقاق والصراع بين أفرادها، أو لتضارب أساليب التربية، أو لسوء التوافق والإخفاق في التحصيل المدرسي.
وعدم تمكن بعض الأطفال من اللغة بالقدر الذي يجعلها طوع أمرهم وفي متناولهم، فيؤدي تزاحم الأفكار، بسبب قصور ذخيرتهم اللغوية واللفظية إلى اللجلجة. وقد تكون بسبب أن الطفل يتكلم في موضوع لا يهمه أو لا يعنيه أو لا يفهمه، معتمدًا على الحفظ الآلي، وبذلك تكون وسيلته كلما ضاع منه اللفظ المناسب.
الطفل المتلعثم
تبين د.نهى أن في حالة التلعثم في الكلام، نجد أنه يظهر في شكل تكرار الحروف أو المقاطع أو الكلمات, أو إطالتها أو الوقوف عندها، أو عدم القدرة على النطق أحيانًا، وقد تصاحب ذلك حركات عصبية لعضلات الوجه أو اليدين أو أحد أعضاء الجسم, لكن ذلك لا يعني أن التلعثم ناشئ عن عدم قدرة الطفل عن الكلام, فالمتلعثم يتكلم بطلاقة وسهولة في الظروف المناسبة.
وأسباب التلعثم تنقسم إلى قسمين: أسباب عضوية وأسباب نفسية، فالعضوية هي التي تكمن في جهاز المخيخ، لأن المخيخ له علاقة بالاتزان في الكلام, والمشي وحركة الأطراف المصاحبة للكلام.
كما أن هناك جهازًا آخر مسؤول عن حركة الكلام، الجهاز الهرمي الخارجي بالمخ, فهو يعمل على تنظيم العلاقة بين الكلام والتعبير، مثل الضحك أو الحزن، فهناك أشخاص عندما يتلعثمون تظهر على وجوههم علامات الضحك أو الفرح أو علامات الحزن, وهناك أشخاص لا تظهر عليهم أي مظاهر للفرح أو الحزن، وهذا الاضطراب يظهر خصوصًا في أوقات الراحة للأطراف. ومن الممكن أن تزيد الاضطرابات مع الانفعالات، وهذه من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى التلعثم, وفي بعض الأحيان يحدث اضطراب أو فقدان في بعض الحروف لإصابة العضلات المصاحبة للكلام، أو إصابة العضلات المغذية للكلام.
وهناك الأسباب النفسية وهي تنقسم إلى نوعين: التهتهة والمد في الكلام، وأسبابه متعددة, منها محاكاة الطفل لأخيه الأصغر في نطق الكلمات، لأن الوالدين مهتمان به، فيحاول جذب اهتمامهما بهذه الطريقة. ويلاحظ الأهل أن الطفل من الممكن أن يصاب بلثغة بسيطة، لكن مع زيادة الضغط من أقرانه في النادي أو المدرسة ومن والديه، كذلك تتدهور الحالة من اللثغة إلى التلعثم. وفي أوقات كثيرة يمكن أن يصاحب هذا التلعثم الطفل إلى أن يصبح كبيرًا في السن إذا لم تتم معالجته في مرحلة الطفولة.
دعم الأهل للطفل
يمكن أن يكون التلعثم عند الطفل ناتجًا عن أسباب وراثية، ولكن بطريقة معينة، فعندما ينشأ الطفل مع أب وأم متلعثمين، فإنه يعتقد أن هذه طريقة الكلام العادية, لذا ننصح الأهل بالآتي: أن يذهبوا به إلى المتخصصين لمعالجة الوضع في أوله، وضرورة إعطاء الطفل الفرصة في التحدث، ولا داعي لاستعجاله في النطق، مع تعليمه الاسترخاء والبطء في الكلام وبهدوء، وعدم مقاطعته عندما يتحدث، أو نكمل عنه الجملة، بل ندعه يكمل جملته أو ما يريد قوله حتى النهاية دون تصحيح. ومن المهم ألا ننزعج أو نصرخ في وجه الطفل، لأن هذا يعطيه انطباعًا بأن به عيبًا، وهذا يولد القلق، ومن ثم يزيد التهتهة، واستخدام جمل أو كلمات بسيطة مع الطفل، والإيضاح له بأن الكلام لا يجب أن يكون سريعًا.
ومن المفيد جدًا الاستماع إلى الطفل عندما يتكلم باهتمام شديد، مع مراعاة عدم مطالبة الطفل المتلعثم بأن يمتنع عن التهتهة أو اللجلجة أو أن يتنفس بصورة طبيعية, فهذا لا يساعد على زوال التهتهة ولكنه يزيدها، وعلى الأهل ألا يتوقعوا الثبات والاستمرارية عند الطفل، فحتى إن زال التلعثم لمدة أشهر، فهذا لا يعني أنه زال تمامًا، فيجب أن نظل على العلاج حتى يسلم من المرض، وعدم الضغط على الطفل ليتكلم، ولا أن نحرجه أمام الغرباء, فالطفل الذي يحرج عند التكلم سوف يتحاشى الكلام بصورة تامة.
تنمية شخصية الطفل
ووفق د.نهى يقصد بالثأثأة تغيير حرف بحرف آخر، ففي الحالات البسيطة ينطق الطفل الذال بدلاً من السين، والواو أو اللام أو الياء بدلاً من الراء، وقد يكون ذلك نتيجة لتطبع الطفل بالوسط الذي يعيش فيه, وقد ينشأ ذلك نتيجة تشوهات في الفم أو الفك أو الأسنان، تحول دون نطق الحروف على وجهها الصحيح.
وينطق الطفل في الحالات الشديدة ألفاظًا كثيرة غير مفهومة، وهذا ناتج، في المقام الأول، عن عيب في سمع الطفل يمنعه من تمييز الحروف والكلمات التي يسمعها ممن حوله، ونطق السين ثاء من أكثر عيوب الكلام انتشارًا. ويحتاج علاج اضطرابات الكلام وأمراضه إلى صبر الآباء والأمهات، فإن لم يتعاونوا فشل العلاج أو طال أمده, وينحصر العلاج في الخطوات التالية:
أولاً: العلاج الجسدي، وذلك من خلال التأكد من أن المريض لا يعاني أسبابًا عضوية، خصوصًا النواحي التكوينية والجسمية في الجهاز العصبي، وكذلك أجهزة السمع والكلام، وعلاج ما قد يوجد من عيوب أو أمراض سواء كان علاجًا طبيًا أو جراحيًا.
ثانيًا: العلاج النفسي، وذلك لتقليل الأثر الانفعالي والتوتر النفسي للطفل، كذلك لتنمية شخصيته، ووضع حد لخجله وشعوره بالنقص، مع تدريبه على الأخذ والعطاء حتى نقلل من ارتباكه, ويعتمد نجاح العلاج النفسي للأطفال على مدى تعاون الآباء والأمهات لتفهمهم للهدف منه، بل يعتمد أساسًا على درجة الصحة النفسية لهم.
الثقة المتبادلة
لذا على الآباء معاونة الطفل الذي يعاني هذه الاضطرابات، بأن يساعدوه على ألا يكون متوتر الأعصاب في أثناء الكلام، حساسًا لعيوبه في النطق. وعليهم أن يعودوه على الهدوء والتراخي وجعل العلاقة مع الطفل يسودها الود، والتفاهم، والتقدير، والثقة المتبادلة. وعلى الآباء والمعلمين أيضًا محاولة تفهم الصعوبات التي يعانيها الطفل نفسيًا، سواء في المدرسة أو في الأسرة، كالغيرة من أخ له يصغره أو الحنق على أخ له يكبره، أو اعتداء أقران المدرسة عليه، أو غير ذلك من الأسباب، والعمل على معالجتها وحمايته منها، لأنها قد تكون سببًا مباشرًا أو غير مباشر فيما يعانيه من صعوبات في النطق.
ثالثًا: العلاج الكلامي، وهو علاج ضروري ومكمل للعلاج النفسي، ويجب أن يلازمه في أغلب الحالات, ويتلخص في تدريب المريض، عن طريق الاسترخاء الكلامي، والتمرينات الإيقاعية، وتمرينات النطق على التعليم الكلامي من جديد بالتدريج من الكلمات والمواقف السهلة إلى الكلمات والمواقف الصعبة، وتدريب جهاز النطق والسمع عن طريق استخدام المسجلات الصوتية, ثم تدريب المريض لتقوية عضلات النطق والجهاز الكلامي بوجه عام.
والقصد من ملازمة العلاج النفسي للعلاج الكلامي هو أن مجرد علاج اللجلجة أو غيرها من أمراض الكلام، إنما نعالج الأعراض دون أن نمس العوامل النفسية التي هي مكمن الداء، ولذلك فإن كثيرين ممن يعالجون كلاميًا، دون أن يعالجوا نفسيًا ينتكسون بمجرد أن يصابوا بصدمة انفعالية، أو أنهم بعد التحسن يعودون إلى اللجلجة وتسوء حالتهم من جديد دونما سبب ظاهري.
رابعًا: العلاج البيئي، ويقصد به إدماج الطفل المريض في نشاطات اجتماعية تدريجيًا، حتى يتدرب على الأخذ والعطاء, وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي، وتنمو شخصيته على نحو سوي، ويعالج من خجله وانزوائه وانسحابه الاجتماعي، وما يساعد على تنمية الطفل اجتماعيًا العلاج باللعب والاشتراك في الأنشطة الرياضية والفنية وغيرها, كما يتضمن العلاج البيئي إرشادات للآباء القلقين إلى أسلوب التعامل السوي مع الطفل، كي يتجنبوا إجباره على الكلام تحت ضغوط انفعالية أو في مواقف يهابها، ولكي يتركوا الأمور تتدرج من المواقف السهلة إلى المواقف الصعبة مع مراعاة المرونة لأقصى حد.