الصويرة
إطلالة المغرب على الأطلسي
أمواج عاتية، وأسوار عالية، وميناء عتيق، وساحل هادئ ممتد، وتاريخ عريق، ومقاهٍ متناثرة هنا وهناك، وحرف غنية و شعب صديق.
تتبوأ مدينة الصويرة، التي تعد بوابة المغرب البحرية، موقعًا فريدًا يطل إطلالة بديعة على ساحل الأطلسي، فهي شبه جزيرة تهب عليها الرياح الاستوائية على مدار العام. تتميز هذه المدينة من حيث كونها أفضل مواقع ركوب الأمواج في البلاد، لما تنفرد به من ساحل يمتد جنوبًا لأميال، يتألق برماله الذهبية، وروعة أجوائه المفعمة بالهدوء والسكينة مقارنة بمدن أخرى تتميز بأسواقها الصاخبة. تزهو بيوت الصويرة بلونيها الأبيض والأزرق، وفي ربوعها تنتشر أشجار النخيل، وسلال الزهور الحمراء الرائعة، وتتميز بميناء مزدهر يسوده الحركة والنشاط.
فيرونيكا ماريا غاربوت
ترجمة: إيمان عبدالواحد
في سنة 1952، بلغت شهرة الصويرة الآفاق وأدركت مكانة عالمية رفيعة عندما وقع اختيار أورسون ويلز عليها لتصوير فيلمه «عطيل Othello». هناك، يلف الأجواء صدى ارتطام أمواج الأطلسي بالحواف الصخرية الممتدة على طول الساحل، وأسوار المدينة ليسري في دروبها إحساسًا يسترجع تلك الأحداث المسرحية المأساوية. كما تنتشر مقاه تزدان شرفاتها بهاء، ويكثر حرفيون ينغمسون في نحت خشب العرعر الفواح في ورش تقع على امتداد أسوار المدينة التي تزدحم فيها معارض فنية خاصة تعد مقصدًا يفد إليه الفنانون والمبدعون الآتون من المناطق المجاورة.
في العصور الكلاسيكية القديمة، كثر تردد الملاحين على المرفأ طلبًا للراحة في أجوائه المميزة باعتدال مناخها على مدار السنة. في أيام سالفة خلت، شيدت قرية تاموزيكا، التي سكنها البربر، في موقع قريب من أسوار المدينة الحالية. ومنذ القرن الثاني عشر الميلادي، أخذت الجزر القريبة منها موقعها على خريطة المسارات البحرية للفينيقيين والقرطاجنيين. كذلك تحمل آنية من الفخار اسم القائد ماغو، ما يثبت إقامته فيها نحو سنة 630 للميلاد.
في عهد الإمبراطور الروماني أوغستس، أوفد جوبا الثاني ملك المغرب «التي سميت موريتانيا في ذلك الحين» ملاحين إلى الجزر، وأقام صناعة الملح بها. كما استخرجت، في ذلك الحين، صبغة تسمى «الأرجوان الملكي» من حلزون البحر من نوع murex brandaris، ما جعل المنطقة تسمى وفقًا للونها ليصبح اسمها «جزر الأرجوان» Purple Islands. وفي القرن العاشر للميلاد، أطلق على الصويرة اسم أمغدول Amougdoul «تعني المدينة المحصنة» تيمنًا باسم حاكمها البربري سيدي مغدول الذي ووري جثمانه الثرى على مسافة ميلين من المدينة. ولقد كانت أنواع البضائع كافة الآتية من منطقة سوس وجنوب المغرب تمر عبر مغدول.
في القرن الخامس عشر، أصبحت المنطقة مركزًا لتجارة البرتغاليين وتغير اسمها إلى موغادورا، وهو اسم ربما يكون مشتقًا من لقب أحد المسلمين المحليين من ذوي المكانة ويدعي سيدي مغدول. في سنة 1516، شيد البرتغاليون قلعة صغيرة سموها Castillo Reale، لتبقى آثارها قابعة عند مصب وادي القصب جنوب المدينة. قام البرتغاليون بزراعة قصب السكر في المنطقة حتى قدوم الإسبان ليغيروا اسمها إلى موغادور، وأعقبهم الفرنسيون في وقت لاحق ليطلقوا عليها اسم موغاديور.
في سنة 1764، قرر السلطان العلوي سيدي محمد بن عبدالله تحويل الميناء إلى قاعدة بحرية، ومن ثم كلف المهندسَ المعماري الفرنسي تيودور كورنو Théodore Cornut بإعداد مخطط جديد لمدينة الصويرة، وهو ما يفسر تميز الملامح الأصيلة للمدينة، وخصوصًا شبكة الطرق المتعامدة، والأسوار من حولها تحيط بها من كل جانب، إذ شيدت على طراز سان مالو St Malo في فرنسا. منح العرب موغادور اسم الصويرة «الصورة» أو الصاويرة «الموقع المحصن»، ما يؤكد أنها تعد المدينة الوحيدة في المغرب القديم التي استفادت من تخطيطها الحضري.
حين رغب السلطان محمد في أن تكون مدينته مأهولة بالسكان، أصدر أوامره لقنصل أغادير وسلا بالانتقال إلى الصويرة التي أصبحت الميناء الرئيس في البلاد، ومرفأ تجاريًا يربط بينها وأوروبا. ولقد وفد إليها تجار السلطان وأفراد من قبائل عدة يشكلون معًا سكان المنطقة اليوم. هناك، يتعايش أبناء قبيلة الشياظمة الذين يتحدثون العربية مع الكناوة، وهم أحفاد العبيد الأفارقة الآتين من السودان، وغينيا، والسنغال، وذلك إلى جوار قبيلة حاحا التي يتحدث أفرادها لغة البربر، إذ قدموا إليها من إقليم تامانار في جنوب المغرب.
بعد قرن من الزمان قضته المدينة تحت الحماية الفرنسية، تدهورت أحوالها، وفقدت أهميتها أمام موانئ الدار البيضاء، وأغادير التي ازدادت رواجًا عندئذ. واليوم، عادت الصويرة لسابق مكانتها بعد أن بلغ عدد سكانها 50 ألفًا، وهي تقع في إقليم يقطنه نصف مليون يعملون بشكل رئيس في قطاع الزراعة. وبالرغم من أن صيد الأسماك يبقى النشاط التجاري الرئيس هناك، إلا أن متاجر الخشب المطعم بالعاج والصدف تنتشر على امتداد الأسوار في شارع السقالة. يمكننا القول بأن ازدهار صناعة السياحة قد دفع مسيرة التنمية الاقتصادية قدمًا، وأن أكثر ميزات الصويرة سحرًا هي إمكانية زيارة أغلب المناطق بها سيرًا على الأقدام.
يعد ميناء الصيد الحيوي الذي يقع عند نهاية الساحل الرملي الطويل أهم مناطق المدينة. فقوارب الصيد بألوانها البهية، والقوارب الأخرى الزاهية المتراصة عند رصيفه، تنتشر في أفق تلك المنطقة المفعمة أجواؤها بحركة دؤوبة لا تهدأ. في المكان ذاته، تبنى سفن الصيد على الطراز التقليدي من المراكب الشراعية القديمة، وتقام المزادات لبيع الأسماك والمحار صبح كل يوم. كما تقدم المطاعم المجاورة أفضل أطباق السردين الطازج في البلاد. يمكن، أيضًا، لجمهور السياح زيارة منطقة سقالة الميناء، وهو الحصن المطل على المرفأ، للاستمتاع بجمال المشهد الخلاب الذي يستحق معاناة تسلق الأسوار لرؤيته. تقسم السقالة البلدة إلى منطقتين مميزتين، وهما القصبتان: حي الملاح، والمدينة.
بالرغم من أن الصويرة قد جاوزت حدود أسوارها توسعًا منذ زمن بعيد، فإنها تتميز بسهولة التجول في ربوعها، ففي الناحية الجنوبية الغربية من ميناء الصيد، يقع ميدان مولاي حسن الذي يعد ميدانًا رئيسًا، ومركزًا لالتقاء أهل المدينة. هنا يلتقي الرجال في الهواء الطلق خارج مقهى كافيه دو فرانس Café de France، بينما يفضل الشباب التوجه إلى مقهى سام Café Sam>s. في اللحظات التي تسبق غروب الشمس، تلتقي النساء ليجلسن معًا في الميدان. في الطرف الشمال شرقي من المدينة، يقع باب الدوكالة، وبينهما يقع شارعان رئيسان، وهما شارع سيدي محمد بن عبدالله، وجادة الاستقلال، وامتدادها في شارع محمد زيركتوني.
|
يمكن الوصول إلى سوق النجارين عبر المرور أسفل أسوار السقالة. هناك، يحفر النجارون الماهرون منتجات تتنوع بين الأساور، والصناديق، وإطارات الصور، والطاولات الكبيرة، ووحدات الأدراج والخزائن من خشب الورد، والأرز، وخشب العرعر. تباع منتجات الأخشاب المحفورة التي تنتج في الصويرة في أنحاء البلاد كافة، لكن رخص سعرها في المدينة يفوق أقل الأسعار في أي منطقة أخرى. تتزين أسطح كثير من تلك المنتجات، مثل علب المجوهرات وطاولات القهوة، بنقوش وزخارف من خشب الليمون، والأبنوس، والفضة، وذلك لتكوين أشكال هندسية دقيقة، وتكوينات مميزة من الأرابيسك. يضم زقاق الصياغون أقدم ورش لمشغولات الفضة عرفتها المدينة. وبالقرب من المسجد الكبير، يتقاطع شارع الاستقبال مع مركز تجاري يطل على شارع عقبة بن نافع.
تعد الصويرة مركزًا وملتقى للفنانين، مثل قاطنيها من المغاربة ومن بينهم الحسين ميلودي، وحمزة فقير، والركراكية بنحيلة الذين تعرض أعمالهم في ساحة أوثيلو في القصبة إلى جوار منحوتات التشكيلي مصطفى بومزوغ، ومحمد بوناداند، وعبدالصمد سدرون، إضافة إلى قطع زجاجية من أعمال بوجمعة بوفوس. كما تضم المدينة معارض أخرى مثل مؤسسة طلال Association Tilal، ومعرض حسن الكاس، ولابوتيت غاليري La Petite Galerie. ومن بين المعارض المتميزة، يأتي غاليري فريدريك دامغارد الذي يديره دانماركي يستخدم تقنيات حفر خشب العرعر بلمسات عصرية حديثة. وفي أغلب الأحوال، يزخرف الدانماركي وعدد من فناني حفر خشب العرعر أعمالهم بخشب الأبنوس، والصدف، والنحاس، والفضة، وخشب الليمون والجوز.
إلى جانب كون الصويرة مركزًا للفنون التشكيلية، فإنها تعد، أيضًا، موئلًا للموسيقا وفنونها، فموسيقيو الغناوة المحليون يعزفون موسيقاهم المصاحبة للرقصات على آلات محلية وترية مزينة بالخشب المطعم بالصدف يسمونها غوامبي، ويجتذب المهرجان السنوي الذي أسسه أندريه أزولاي André Azoulay عشرات الآلاف من الزوار، ففيه يحتشد الفنانون المغاربة وغيرهم من جميع أنحاء العالم. ومن بين الفنون الشعبية المحلية، يقدم أفراد فرقة حاحا، التي تعد أفضل فرق البلاد قاطبة، رقصة الحرب في أثناء المهرجانات والعطلات.
يمكن لزوار الصويرة الإقامة في فنادق فاخرة مثل فندق أوتيل ديزيل Hotel des Iles الذي يضم مطاعم عدة، إضافة إلى مسبح في الهواء الطلق، أو فندق الرياض الفاخر في منطقة المدينة. تحتضن الصويرة، أيضًا، فندق فيلا ماروك Hotel Villa Maroc، ودار عبدول Dar Abdul، وميزون دو سود Maison du Sud، ما يوفر خيارات عدة لراغبي الإقامة فيها.
يذكر أن فندق الرياض كان فيما مضى قصرًا لأحد الباشوات، وأعيد ترميمه ليستعيد فخامة بنائه الأصلي الذي يعود للقرن الثامن عشر. وهناك، أيضًا، فنادق أقل تكلفة مثل فندق الماجستيك وفندق أوتيل ديزامي Hotel des Amis.
في ميدان الأمير مولاي حسن، تنتشر المقاهي التي تقدم وجبات الإفطار في أجواء هادئة يبدأ معها الزائر يومًا ملؤه السكينة والراحة. ولوجبات الغداء أو العشاء، يمكن ارتياد مطعم شي سام Chez Sam العريق المشهور بتقديم وجبات المأكولات البحرية، وهو أحد معالم المغرب. يطل المطعم على الميناء عند الطرف القصي من المرفأ. كما يقدم المطعم الذي يحتل قمة فندق رياض المدينة طواجن لحم الضأن المتميزة.
كذلك، يتميز مطعم شي توفيق Chez Toufik بطرازه المعماري، إذ شيد على نمط أبنية البربر التقليدية، وهو يقدم أطباقًا رائعة في أجواء تصدح فيها الموسيقا في أغلب الأمسيات. وبعد ارتياد هذه المطاعم، يمكن للزائر أن يعود أدراجه إلى الميدان الرئيس لتناول كوب من القهوة مع قطعة أو اثنتين من الحلوى المحلية ذات المذاق المتميز.
عند التوغل جنوبًا، تلوح الكثبان الرملية في منطقة ديابات التي يتوافد عليها المتزلجون على الماء منذ أمد بعيد. تتوافر بها أماكن عدة لتأجير معدات التزلج، وذلك بالقرب من فندق تافوكت، إضافة إلى مراكز تقوم بتنظيم ركوب الخيل. ولمن يملك بعض الوقت، يمكنه زيارة قرية الصيد تارزاوت، وبلدة تارودانت التي تعد المركز الاقتصادي لإقليم السوس، وتافراوت، وهي القاعدة التي تنطلق منها جولات المشي على الأقدام في جبال ما وراء الأطلس،الأطلس الصغير.