June2010Banner


«هدية من الصحراء»..
صهيل في كنتاكي
أمريكا تحتفي بالمعرض الأكبر لتاريخ الخيول، و«المؤسس» لا يزال يسكن وعي العالم.

تحتل الخيول الفضاء الأكبر في الذهنية العربية الأصيلة المسكونة بمشاهد الصحراء، الوفية للجواد، رفيق درب رحلة العرب منذ القدم، وشريك كفاحهم في الماضي القريب الذي شهد توحيد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود شتات مملكة الأجداد، على صهوة جواد.

الرياض: أهلاً وسهلاً

ما الذي حدث في كنتاكي؟
كان معرض «هدية من الصحراء» الذي تنظمه المملكة في متحف الخيل في ولاية كنتاكي الأمريكية منذ 27 مايو الماضي حتى الخامس عشر من أكتوبر المقبل، ذلك الجسر الثقافي العريض الرحب الذي يتيح للشعب الأمريكي، الذي ربما لم تتح للسواد الأعظم منه فرصة معرفة هويتنا الثقافية، فرصة لارتياد عالم الصحراء والتفرس في وجوه أبطال ملاحمها، ومشاركتنا عشق الخيل عبر مشاهد التاريخ المتعاقبة التي حرص اتحاد الفروسية السعودي «الجهة المنظمة» على أن تكون حاضرة بشحمها ولحمها حتى لا يساور المتجولين داخل أروقة المعرض أدنى شك أنهم يتجولون داخل أروقة التاريخ.

نحو 300 شخصية دولية وأمريكية مهتمة بشؤون الخيل والفروسية في العالم توافدت على حديقة الخيل بكنتاكي لتشهد انطلاقة المعرض الأكبر في التاريخ الذي يعنى بالخيول وعلاقتها بالإنسان بتشكيلته الثقافية المتنوعة، حيث يمكن مرتاديه على مدى ستة أشهر من قراءة تاريخنا العربي والإسلامي، وأيضًا تاريخ الدولة السعودية في مراحله الثلاث من خلال نحو 400 قطعة أثرية وتراثية عن الخيل، ولوحات فنية اقتنيت من 28 متحفًا في 19 بلدًا حول العالم، تحكي تاريخ ملاحمنا العربية والإسلامية، وتحكي تاريخ الخيول وعلاقتها بالإنسان، لتفتح مساحات التقاء حضارية وإنسانية تعزز علاقات الشعب السعودي بالشعب الأمريكي الصديق، وبجميع مرتادي المعرض من شعوب العالم.

واستعاد سمو وزير التربية والتعليم رئيس مجلس أمناء الفروسية السعودية، الأمير فيصل ابن عبدالله بن محمد آل سعود، ذكريات ثلاثة عقود عندما كان يدرس في أمريكا وشاهد لوحة «عربي للبيع»، وربط بين اللوحة التي كانت تعرض حصانًا للبيع والاحتفائية التي شارك فيها السعوديون والأمريكيون احتفالاً بالخيل العربي، مؤكدًا أن إقامة معرض «هدية من الصحراء» قد حقق له حلمًا راوده منذ 20 سنة ليعكس صورة مشرقة عن حياة الشعب السعودي وارتباطه بالخيل، واستدعى من الذاكرة مقولة لرئيس الاتحاد الدولي للفروسية الأسبق وكانت أميرة إنجليزية، إذ قالت: «إنكم أهل خيل، وإن جدك الملك عبدالعزيز كان آخر فرسان العصر في امتطاء صهوات الحصان مقاتلاً من أجل وطنه».

وكان الأمير فيصل كرم عددًا من الشخصيات المساهمة في الإعداد للمعرض وتنظيمه من داخل المملكة وخارجها، ومن أبرزهم: الأمير تركي الفيصل، الأمير تركي بن عبدالله، الأمير نواف بن فيصل، الأميرة عادلة بنت عبدالله، وزير الزراعة د.فهد بلغنيم، ومدير مركز ديراب للخيل العربية سامي النحيط، وحاكم ولاية كنتاكي، ومدير حديقة كنتاكي بارك، ومدير المتحف الدولي، ومكتبة الملك فهد الوطنية.

فيما أوضح الأمير نواف بن فيصل، نائب الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد الفروسية، أن المعرض حظي بمباركة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ليكون قناة تواصل بين شعبي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اللذين تربطهما علاقات صداقة متميزة قائمة على الاحترام المتبادل، ومعرفة كل طرف بالدور الذي يلعبه كل جانب في الساحات الدولية والإقليمية. وأشار الأمير نواف إلى أن قيمة المعروضات تجاوزت 300 مليون دولار لأهميتها التاريخية.
وكان الأمير نواف بن فيصل كرم الشخصيات التي أسهمت في إقامة المعرض ورعايته: الأمير تركي الفيصل، الأمير خالد بن سلطان، الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد، ستيفن بيشير حاكم كنتاكي، جورن نيكلسون مدير هورس بارك، نيل كوك مدير المتحف.

ترحيب أمريكي
تلقت كنتاكي «هدية الصحراء» بسعادة وترحيب على أعلى مستوى، حيث دشن المعرض ستيفن بيشير، حاكم ولاية كنتاكي الأمريكية، والأمير نواف ابن فيصل، نائب الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد الفروسية، في حضور سمو وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس أمناء الفروسية السعودية، والأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس مجلس إدارة الفروسية السعودية، والأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، عضو مجلس مؤسسة ليان الثقافية، وعدد من الأمراء.

وثمن حاكم كنتاكي اختيار ولايته لاستضافة «هدية الصحراء» واصفًا المملكة بأنها «من أبرز الدول التي تولي رياضات الفروسية اهتمامها»، مثمنًا دعم خادم الحرمين الشريفين لرياضات الفروسية ولميدان كنتاكي.
وأعرب لاري بروبست، رئيس اللجنة الأولمبية الأمريكية عن سروره الكبير بإقامة المعرض في ولاية كنتاكي قائلاً إنه: «بلا شك يعبر عن اعتزاز السعوديين بالخيول وارتباطهم الوثيق بها، فاختاروا المعرض وكنتاكي لتأكيد ذلك»، مشيدًا بالاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز لهذه الرياضة، مبديًا التفاؤل بأن المعرض سيكون جاذبًا للشعب الأمريكي للاطلاع على شيء من تراث الشعب السعودي وثقافته.
فيما أعرب جورن نيكلسون، مدير كنتاكي هورس بارك، عن غبطته باستضافة المتحف للمعرض بقوله: «إن المعرض يعد حدثًا كبيرًا ومهمًا لمحتوياته الكثيرة التي تجسد دور الحصان عبرالعصور متزامنًا مع إقامة بطولة العالم للفروسية».

مقتنيات.. وفعاليات
اكتنزت هدية الصحراء بباقة عملاقة من المقتنيات الرائعة، وأثريت بقائمة من الفعاليات التي أضفت عليها سحر الشرق وأصالة عالم الصحراء، من مشغولات ذهبية معبرة عن الخيل وعن أدواته وعن التصاميم المحاكية له لمصممة المجوهرات السعودية هالة الشعيبي. كما قدم المصمم العالمي السعودي يحيى البشري عرضًا للأزياء التقليدية المعبرة عن ثقافة الخيل والفرسان، وقدم العازف العالمي المغربي سعيد الشرايبي 12 مقطوعة موسيقية تحكي تاريخ الخيل ومعزوفاته.

أيضًا قدم اتحاد الفروسية كتاب الفروسية الذي جمعه وترجمه وراجعه فريق متخصص من مختلف دول العالم بإشراف د.شهاب الدين أحمد حامد الصراف. يحكي الكتاب مسيرة تاريخية للخيول العربية على جزءين، مستعرضًا في الجزء الأول فنون الفروسية في تاريخ المغرب والمشرق، من خلال محتويات شاملة عن الخيول العربية، منها، العربات والمعدات الخاصة بالحصان في الشرق الأدنى القديم، وتدريب الخيول في النصوص المسمارية، وعدة الحصان الآشوري وأدوات زينته، وفرق الخيالة الهيلينية، والفرثية، والساسانية، وسباق العربات في العهدين الروماني والبيزنطي، ومحاربو آسيا الوسطى الرحل، وخيولهم وأسلحتهم في فترة ما قبل الإسلام، وعدة الحصان المغولي في القرنين السابع والثامن الهجريين، والحصان في آثار قرية الفاو، والصيد والقتال والإغارة لحصان الجزيرة العربية قبل الإسلام، وركائب من العالم الإسلامي، وسباق الخيل وميادينه في سامراء، وركوب الخيل في بداية العهد العباسي، وأدب الفروسية في العصرين العباسي والمملوكي، ولمحات عن الصيد والبيزرة في الأندلس، وأكل لحوم الخيل وشرب لبن الأفراس في العصر المملوكي، ومخطوط مصور عن علم الخيل في المكتبة الوطنية بباريس، والخيول العربية في الهند في العصر الوسيط، وتصوير الخيول على المسكوكات الإسلامية، والفروسية العثمانية، وتصوير الخيول في إيران والهند في القرن العاشر الهجري، ومواضيع الصيد في زخارف السجاجيد والأقمشة، والفرس والفارس في تماثيل غرب أفريقيا، وعدة الحصان والفارس في أفريقيا، وأنساب الخيل العربية الحديثة.

وفي الجزء الآخر من الكتاب سلط الضوء على تدجين الحصان وعصر العربية والحصان في الحرب، والصيد، والرمي، والكرة، والصولجان، والخيل في المواكب والاحتفالات، وعلم البيطرة وعلاج الخيل والحصان، والأدب والأساطير، والخيل في القرآن والسنة.

شارك الشبان والشابات السعوديون المبتعثون بتميز في تنظيم فعاليات البرنامج، واستقبال الضيوف، وتقديم خدمات السكرتارية، كما شاركوا في لجان التحضير واللجان الفنية والمواصلات والإعلام. وتلقت مجموعة الشبان تقدير الأمير فيصل بن عبدالله، رئيس مجلس أمناء الفروسية السعودية، وأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء. وضمت مجموعة الشبان طلاب البكالوريوس في برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وطلاب الدراسات العليا في الولاية.

الأميرة عادلة: لدينا جولات عالمية وصفحة على «الويب»
كشفت الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، عضو مؤسسة ليان الثقافية، على هامش المعرض، عن أن الإعداد للمعرض استغرق أكثر من سنة ونصف السنة من التجهيز والإعداد والتصميم، وأن المعروضات ستجول عددًا من دول العالم بعد بطولة العالم، مؤكدة أن الرياضة تحظى باهتمام كبير في السعودية ومنها رياضة الفروسية.

وأوضحت الأميرة عادلة أن هذا الحدث يعكس أهمية الفروسية بالنسبة للمجتمع السعودي عامة والإرث الحضاري للخيول العربية في الإسلام بشكل خاص. «بالنسبة لي فقد شاركت في الإعداد في هذا الحدث كوني عضوًا مؤسسًا في مؤسسة ليان للثقافة التي أصدرت بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز كتاب «الفروسية» الذي يجمع باقة غنية من أرقى الفنون الإسلامية القديمة التي تعنى بالفرس والفارس والمعروضة في أهم المتاحف العالمية». كما صرحت الأميرة عادلة بأن مجموعة «الفروسية» ستتجول في الولايات المتحدة، وستعرض في لندن عام 2012، وأن عرضها الدائم سيكون في المملكة في متحف الفروسية. «أما الكتب وبعض الاكسسوارات التذكارية التي صممتها المصممة هالة الشعيل فهي مخصصة للبيع في المكان المقام به المعرض، وستكون هناك صفحة إلكترونية في شبكة الإنترنت للمعرض».

العزف على مقامات الخيول
12 مقطوعة موسيقية قدمها العازف العالمي المغربي سعيد الشرايبي تحكي تاريخ الخيل ومعزوفاته، من العصر القديم حتى العصور الحديثة. اشتملت مقطوعات الشرايبي على: الفروسية عند المغول وغزوه، ورقصة الفرسان والفروسية عند السومريين، ورقصة الفرسان لما بين النهرين، والفروسية في الحجاز ومن زمن بعيد، ولقاء وتقاسيم «حجارة كاركود»، وتقاسيم «راست»، وحول سليمان ورقصة سليمان.. وكلها مقطوعات ترتبط بالخيل العربي من حيث المناسبة، والحدث، والعنصر الزمني من العصور القديمة مثل عصر المغول، مرورًا بالسومريين، وفي عدد من المناطق المختلفة.