الأمن والسلام في شريعة الإسلام
يدعو الإسلام إلى تهيئة الناس حتى يغرس السلام في نفوسهم غرسًا وأن تمنع كل بواعث الشر والخلاف والفتنة.
قرر الإسلام أنه دين المحبة والوئام، والأمن والسلام، ودعا إلى استقرار العالم واطمئنانه، وترسيخ أمنه الدائم، وفق منهج إلهي تخضع له كل البشرية، وتقتنع بأحكامه ومبادئه النفوس الزكية، فانتشر في بقاع الأرض، ورفرفت راياته خفاقة في كل اتجاه، بسبب شعور الناس بأنه دين المحبة، والنقاء، والأمن، والتسامح، والصفاء، وتحرير الإنسان من براثن الظلم والاستبداد، وتخليصه من مسببات البغي والاستعباد.
أ.د. عبدالكريم بن صنيتان العمري
الجامعة الإسلامية
فالسلام بمعناه المشرق الفياض، ومدلوله المضيء المتدفق بالأمن والاطمئنان، لهو شعار المسلمين في كل مكان، وتحتل كلمة «السلام» مقامًا رئيسًا، ومركزًا متقدمًا بين أهداف الإسلام العامة، بل صرح القرآن الكريم بأن الثمرة المرجوة من الدخول في الإسلام، هي الاهتداء إلى طريق النور والسلام. قال، جل وعز: }قد جآءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين «15» يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم{. «المائدة: 15، 16».
ولتحقيق هذه الغاية، وضع الإسلام من المبادئ كأسس ودعائم ثابتة للسلام، فالناس في الإسلام مهما اختلفت أنسابهم ولغاتهم أبناء أب واحد، وأم واحدة. قال تعالى: }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساءً{. «النساء: 1».
والإسلام يدعو إلى تهيئة المجتمع، حتى يغرس السلام في نفوس الناس غرسًا يجري من أخلاقهم وطباعهم مجرى الدم في عروقهم، وأن تُمنع كل بواعث الشر والخلاف والفتنة في المجتمع بإحقاق الحق، ومنع الظلم، وإقامة العدل، وإصلاح نفسية الفرد ليكون خاضعًا لله، تعالى، في حكمه وأمره، محبًا للناس في عسره ويسره، عاملاً للخير في منشطه ومكرهه، بعيدًا عن الأذى في رضاه وغضبه، قال تعالى: }واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون{. «الحج: 77».
وقال، صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم». «رواه أحمد».
إن العلاقة وطيدة، والترابط وثيق بين لفظتي «الإسلام» و«السلام»، إذ يؤدي كل منهما إلى شيوع الاستقرار والأمان، ونبذ دواعي الشر والأذى والعدوان، والسلام من أسماء الله، تعالى، في القرآن الكريم. قال، جل وعز: }هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام{. «الحشر: 23».
والسلام تحية المسلمين حين يلقى بعضهم بعضًا، وتحية المسلم لنبيه، صلى الله عليه وسلم، في صلاته، وتحية المسلم لإخوانه في الصلاة: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، وشعاره حين ينتهي من صلاته عن يمينه ويساره.
إن كلمة «السلام» من أول أسباب التآلف والمحبة، وهي مفتاح لاستجلاب المودة، كما قال، عليه الصلاة والسلام: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم». «رواه مسلم». فهي تزرع المحبة بين المسلمين، وتغرس التواضع، وترفع التهاجر والشحناء والتقاطع.
قال العلامة ابن القيم، رحمه الله تعالى: «التحية بالسلام تتضمن السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدم على كل شيء، ومقصود العبد من الحياة إنما يحصل بشيئين، بسلامته من الشر، وحصوله الخير كله، والسلامة من الشر، مقدمة على حصول الخير، وهي الأصل، ولهذا إنما يهتم المخلوق بسلامته أولاً، ثم غنيمته ثانيًا، على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنه لو فاتته حصل له الهلاك والعطب، أو النقص والضعف، فتضمنت السلامة نجاته من كل شر، وفوزه بالخير، فانتظمت الأصلين اللذين لا تتم الحياة إلا بهما». انتهى كلام? رحمه الله.
ليس السلام مجرد هتاف تردده الأفواه والحناجر، بل هو المنبثق من أعماق النفس السوية، النفس المطمئنة، المبرأة من الأدران والحقد، الخالية من الشوائب والخلل والحسد، التي تغمرها العقيدة النيرة السمحة، مصدر الهداية والأمن والنور، التي رضيها الله، تعالى، للبشرية، فتجد قلب المؤمن ينبض بالرحمة على إخوانه، والرأفة والحنو على جميع الناس، فتتفجر من أعماقه بوارق السلام، وتتدفق من عقيدته نسائم الأمن والأمان.
إن الإسلام بمثل هذه المبادئ الراسخة أشاع في الدنيا كلها الرحمة، والعدل، والاطمئنان، وصان للبشرية كرامتها، ورسخ في البلاد الأمن والحرية والسلام، ليعيش الناس آمنين مطمئنين متحابين سالمين.
إن السلام في الإسلام نظرية متكاملة، تحترم النوع الإنساني، وتشمل البشر كافة، أفرادًا وأسرًا ومجتمعات، ويسكب في النفس السكينة والأمن، بالاعتماد على الخالق، عز وجل، والاطمئنان بجواره، والثقة في رعايته، ورحمته، وحمايته، فبذلك تطمئن النفس وتسكن، فلا تهزها الأحداث، ولا تفزعها الأهوال: }الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب{. «الرعد: 28».
وينشر الإسلام السلام في سائر الميادين، فالبيت مثابة وسكن، والإسلام يؤكد غرس بذور السلام فيه، حيث يصور العلاقة في داخله تصويرًا ينم عن السكن والاستقرار: }ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة{. «الروم: 21».
ثم يحيط الإسلام البيت بكل رعاية وضمانة، ويحث المرأة على الاستقرار في بيتها ورعاية أولادها، قطعًا لدابر الفوضى والنزاع، كما يعنى الإسلام بأمن الأسرة ويزرع الثقة المتبادلة والشعور بالأمن بين أفرادها.
ويقرر الإسلام بأن العلاقة بين الفرد والمجتمع تقوم على التعاون، والأمن، والسلام، ويسعى إلى تعميق روابط التماسك والتآلف بين جميع الفئات، ويؤكد أهمية الاستقرار في الحياة العامة والخاصة.
إنه دين يتميز بالعدالة والسماحة، وإشاعة الأمن والسلام، ونزع كل ما يتغلغل في النفس البشرية من جموح مستهجن، ورغبات عدوانية، واتجاهات نحو العنف والقسوة، وبث في الأنفس المبادئ والقيم المثلى، التي تدفع الإنسان نحو المحافظة على أمن مجتمعه، فالإسلام هو المنهج الوحيد الذي يملك القيم الكريمة التي تغرس الأمان في النفوس، وتحفظ الحقوق، وتصون الكرامة، وترسخ السلام والاطمئنان.
إن الإسلام وهو يربي النفوس على الخُلق الكريم، ويشيع السلام بين الناس، إنما يدعو إلى احترام كيان الفرد، وتوفير أمن المجتمع، الذي لا يتحقق إلا بأمن الإنسان داخل نفسه، فإذا حلت فيه السكينة والطمأنينة، انعدم منه الاضطراب والقلق، واتجه إلى الرفق والإحسان، ودفع الشكوك والأوهام التي تولد القلق والاختلاف، وتجلب الأحقاد والمنازعات. ولقد امتن الله، تعالى، على عباده بهدايتهم إلى هذا الدين، ليعيشوا في ظلاله الآمنة الوارفة، ورحمة الله، تعالى، الواسعة، قال، جل وعز: }يا أيها الناس قد جآءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا «174» فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا«175»{. «النساء: 175،174».