الرمان من فواكه الجنة
• بقلم: محمد سعيد المولوي
• رسوم: ريم الكوسا
جلستْ عائلةُ عدنان بعد تناول طعام العشاء، تشاهد الرائي، وقال الأب: ما رأيكم أن تكون جلستنا هذه الثانية في الأحاجي، وحول أحجية حلوة جديدة، واستبشر الجميع وصاحوا: نحن بانتظارك يا أبي.
قال الأب: كرة من نحاس حُشيت بفصوص من ياقوت، لها جدران مختلفة صفراء، يقطر منها الشراب فيكون حلوًا ويكون حامضًا، ينعشُ النفوسَ ويداوي المعدةَ ويمتعُ القلوبَ، فما هي؟ قال هيثم: لقد عرفتها يا أبي، إنها البطيخة الخضراء. قال الأب: أنتَ تقول الخضراء، ونحن قلنا من نحاس والنحاس أحمر، لقد أخطأتَ الجوابَ.
وقال عدنان: إنها البرتقالة، فهي كرة، وقشرتها قريبة من الأحمر، ويفصل بين قطعها جدران. وقال الأب: لقد قاربتَ الجوابَ، ولكنك أخطأتَ، فقد قلنا إن فيها فصوصًا من الياقوت، وليس ذلك في البرتقال.
توقف الأب قليلاً ثم قال: فكروا قليلاً، ففي آخر فصل الصيف توجد فاكهة لذيذة، قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، عنها إنها دباغ للمعدة، وذكرها القرآن الكريم بأنها من فواكه الجنة، وهي كروية، ولونها نحاسي.. فصاحت ليلى: لقد عرفتها يا أبي، قال الأب: وما هي؟ قالت ليلى: إنها الرمان، وقد عرفتها من الحديث الشريف الذي يقول: «كلوا الرمان بتلبينته، فإنه دباغ للمعدة»، وهو تنطبق عليه كل الأوصاف التي ذكرتها من نحاسية القشرة، وفصوص الياقوت، والجدران، والعصير الحلو والحامض.
قال الأب: أحسنت، ولكن مَنْ منكم يعرف كيف يُزرع الرمان؟ قال هيثم: أظن أن الرمانَ يزرع بوضع بذوره في التراب وتعهدها بالسقيا، وقال الأب: إن هذه طريقة ليست مضمونة النتائج، وكثيرًا ما تموت البذور، أو تأكلها الحشرات، وخيرٌ من ذلك وأسرع إنباتًا أنْ ينتظر حتى يأتي مطلعُ الربيعِ وتبدأ براعمُ الأشجارِ تظهر، ومنها الرمان، فيقطع من قضيب الرمان قطعة بطول ثلاثين سنتيمترًا تحوي برعمًا أو أكثر، ثم تغرس القضبان في التراب على خطوط متوازية، وتتعهد بالسقاية، فتنبت من القضبان، بإذن الله، جذور وتكبر البراعم لتكون ساق الشجرة، وهكذا لا تمضي إلا سنوات قليلة حتى تصبح الغرسة شجرة تزهر وتثمر.
وقال عدنان: ما أعجب هذه الطريقة في استكثار الأشجار؟ وقال الأب: إنه صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه. ثم سأل الأب: كم نوعًا من الرمان تعرفون؟ قال هيثم: الحلو، والحامض، والذي هو بين بين، ويسمى باللفان. وقال الأب: إن الرمانَ معروفٌ في كثيرٍ من البلاد، ولكن أيُّ البلاد تشتهر بجودة الرمان؟ فسكت الأولاد، وقال الأب: اعلموا يا أولادي أن أفضل المناطق لزراعة الرمان هي اليمن، والطائف في السعودية، ودمشق ودير الزور وأعزاز في سورية، وتركيا والهند. وأفضل أنواع الرمان المسمى بالعصافيري، وتتميز الرمانة بحباتها المرصوفة إلى جانب بعضها بعضًا بعناية إلهية معجبة، وتفصل بينها أغشية صفراء تسمى التلبينة، وطعمها حلو لذيذ يسيل عصيرًا لا تكاد تحس لها بذرًا، فإذا عُصِرتْ خرج منها عصيرٌ رائعٌ في لونه وطعمه.
وتابع الأب قائلاً: والآن يا أبنائي مَنْ منكم يعرف فوائد الرمان؟ قال عدنان: لعله من الأفضل يا أبتاه أن تذكر لنا فوائد الرمان، فأنت أدرى، وأجاب الأب: على الرحب والسعة. اعلموا يا أولادي أن الرمانَ غذاءٌ ودواءٌ، فكونه يحوي نسبة من السكر تبلغ 10% من وزنه، يكون غذاءً جيدًا إلى جانب كونه يحوي مواد دهنية، ومجموعة من فيتامينات أ، ب، س، ولكن كون الرمان دواء أهم وأعظم: فالرمان طاردٌ للديدان، ومقوٍ للقلب، وينظف مجاري التنفس والصدر، ويشفي، بإذن الله، من الرشح، وإذا غلي قشره وشرب فإنه يشفي، بإذن الله، من الإسهال، ويخفض الحرارة، ويروي من العطش، ويوقف نزيف الدم، كذلك إذا غلي زهره وشُرِب فإنه يعالج من الإسهال المزمن، وأمراض اللثة، وتقرحات الجلد، وهو يمدُّ الجسمَ بما يحتاج إليه من معادن: كالكالسيوم، والحديد، والفسفور، والكبريت، والمغنزيوم. وصاح هيثم: رجاءً يا أبي، لقد شوقتنا لأكل الرمان فأحضره لنا، وقال الأبُ: على الرحب والسعة، ولكن أريد منكم دائمًا أن تذكروا نِعَمَ الله عليكم فيما خلق لكم.