جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة
الملك عبدالله يستثمر في الإنسان ويغلِّب لغة الثقافة والحوار لتقارب الحضارات.
حمل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز منذ توليه مقاليد الحكم في بلاده، بفراسة العربي الأصيل، هاجس أمته، وساعدته بصيرته الثاقبة التي ورثها عن الوالد المؤسس، على اختصار الطريق ليقف على هموم أبنائه، ثم يرسم على ضوئها، مشروعه الإنساني الرامي إلى تيسير سبل المعرفة، في بيئة قوامها التفاهم وركيزتها السلام.
بدأ بالتأسيس لإرساء مفهوم الحوار بين أبناء شعبه، وترسيخه تقليدًا واعيًا، وسبيلاً إلى التشاور والتفاهم، وثقافة واعدة، تصقل شخصية الأجيال الشابة، وتصل بها إلى بر النضج والأمان، وتؤهلها لاتخاذ القرار.
هذا النهج الراقي المتزن الذي حرص خادم الحرمين الشريفين على تبنيه في الداخل، هو ذاتُه الذي اختاره للتقريب بين الشعوب والثقافات في الخارج، ومد جسور التواصل، وتكريس مبدأ قبول الآخر، وإثبات أن التعايش ممكن في ظل المودة والتسامح، وأنه لا أمن أو سلام، دون تفاهم، وأن التفاهم لا يمكن أن يحصل دون تحاور، وأن من أدوات التحاور اللغة والثقافة لا السياسة وحدها.
من هنا جاءت جائزة الملك عبدالله للترجمة، لتحفز التنافس الخلاق، وتضخ دماء جديدة في جسد الترجمة، وتعيد إلى مشهدها حراكًا سكن منذ قرون، وبريقًا خفَتَ بخمود نور بيت الحكمة، فأسست لنهضة حيوية، انطلاقًا من رؤية آمنت بالدعوة إلى مد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب، وتفعيل الاتصال المعرفي بين الحضارات.
إعلاء لغة الفكر وترسيخ مبدأ التقارب
فاز بالجائزة في دوراتها الثلاث، علماء من مختلف الجنسيات. فقد أرادها خادم الحرمين الشريفين عالمية موضوعية، تكرس، بنزاهةِ المعايير التي تبنتها في اختيار من هم أهل لنيلها دون تعصب أو مجاملة، نبلَ الرسالة التي أنشئت من أجلها.
الاحتفاء بالجائزة
احتفلت جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة منذ أيام بدورتها الثالثة، في حفل بهيج استضافته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، في مقرها بالعاصمة الفرنسية باريس، تم في أثنائه تسليم الجائزة للفائزين بها. وحضر الحفل أكثر من ألف مدعو، ما بين ممثلين دوليين وكبار المسؤولين في الحكومة الفرنسية وأهل الفكر والإعلام.. وقد تولى صغار من جنسيات مختلفة تقديم فقرات الحفل، بلغات الدول الأعضاء في المنظمة العالمية، ما كرس التنوع الثقافي، والتكامل الحضاري للمنظمة والجائزة، على حد السواء.
احتضان اليونسكو لحفل تسليم الجائزة يعكس المكانة التي تحظى بها، ويدلل على اكتسابها صفة العالمية، وانفتاحها على الثقافات جميعها، ويدعم قدرتها على أن تكون آلة فاعلة تخدم الحوار.
قالوا عن الجائزة
أجمع الفائزون بالجائزة على أن اقترانها باسم خادم الحرمين الشريفين، ساهم في ترسيخ صفتها العالمية، وقدرتها على استقطاب صفوة المترجمين من أنحاء العالم، للتنافس على الفوز بها، ما يعد مؤشرًا على نجاحها في تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها.
في هذا السياق قال د.محمد الخولي، محاضر دولي: «تستمد الجائزة قيمتها المعنوية من اقترانها باسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فهي تحمل اسم عاهل عربي مستنير، وقائد فذ ما زلنا نتابع خطواته الموفقة على جميع الأصعدة، تكشف مواقفه كلها عن الأصالة والطموح إلى التطور على أساس من الالتزام بمنظومة القيم الإسلامية والاعتزاز بتراث الأمة. وهي لا تكرم أفرادًا، بقدر ما تكرم الترجمة نفسها، كونها رسالة يضطلع بها المثقف العربي المعاصر بقدر ما حمل لواءها أسلافنا من عهد المأمون».
د.عبدالقادر المهيري، أستاذ اللغة في الجامعة التونسية، يرى تلك الدلالة الرمزية الكبرى للجائزة من حيث كونها «تتمثل في انخراطها ضمن رؤية شاملة لقائد جزيرة العرب، تهدف إلى تفعيل الترجمة بصفتها وسيلة للتواصل بين الأمم والشعوب، والتقاء الثقافات، من منطلق الحاجة إلى معرفة الآخر وكأنه نحن، بصفته حاملاً لقيم ومعارف لا يجوز تجاهلها. وقد سلك أسلافنا في الماضي هذا النهج حين نقلوا عن طريق الترجمة، علوم الأوائل، فكانت عاملاً من عوامل الإبداع نقل التراث العربي إلى الحضارات العالمية، وأطلع العرب على حصيلة فكر حضارات سبقتهم».
د.عصام الجمل, أستاذ الجراحة بجامعة الملك سعود, أكد أن رعاية خادم الحرمين الشريفين للجائزة «تجسد رؤية وعناية بتشجيع العلم والعلماء، في إطار مبادرته للحوار والتفاهم، والتعايش بين الحضارات، وتجعل من الجائزة مشروعًا علميًا وثقافيًا فريدًا، للتواصل المعرفي من خلال الترجمة، ليس بوصفها نافذة مفتوحة على الآخر، وإنما لكونها قناة للتفاعل الإيجابي المتميز بين أبناء الثقافات والحضارات المختلفة، واستكشاف تجارب العلماء والاستفادة منها والإفادة بها».
على صعيد متصل قال د.أحمد العويس، أستاذ الكيمياء بجامعة الملك سعود: «الأهداف العظيمة لهذه الجائزة، والرعاية الكريمة لها من لدن قائد مسيرة الشموخ والتطوير، تجعل الفوز بها مصدر فخر واعتزاز، وحافزًا للمعنيين بالترجمة جميعهم، لتقديم أفضل الأعمال التي توفر مصادر المعرفة للطلاب والباحثين في تخصصات دقيقة، مثل العلوم الطبيعية والتجريدية، التي تعد من ركائز النهضة».
يرى د.شريف الوتيدي، أستاذ جراحة المخ والأعصاب في جامعة الملك سعود، في الترجمة سببًا يعين على أن تنهض هذه الأمة إلى الاضطلاع بدورها العلمي وقال: «إن رعاية الملك عبدالله للجائزة ساهمت في ترسيخ عالميتها ونجحت في تشجيع حركة الترجمة إلى اللغة العربية، في المجالات العلمية التطبيقية الحديثة، التي تعاني المكتبة العربية نقصًا واضحًا في الكثير من تخصصاتها. سيما أن إتاحة فرص الاستفادة من النتاج العلمي في الدول المتقدمة من أهم الوسائل للنهوض بالأمة واستعادة مكانتها العلمية، واستئناف إسهاماتها الحضارية».
وبعد
فقد كانت الترجمة، منذ عصور بعيدة، ركيزة أساسية قامت عليها الحضارة الإسلامية، ولعبت دورًا تاريخيًا في التقريب بين الحضارات. وهي بصفتها أرقى اللغات العالمية في التحاور الفكري، ليست ترفًا، وإنما رسالة إنسانية لولاها ما تعرفنا على إبداعات الفكر الآخر، وخيار حضاري يختزل الطريق نحو التعايش السلمي، ونافذة نطل بواسطتها على أعمال الآخر، فنتفاعل معها.. ذلك أن الهم الإنساني هم مشترك.
إيرينا بوكوفا
المديرة العامة لليونسكو
«مبادرات خادم الحرمين في حوار أتباع الديانات والحضارات تعد فعلاً من المبادرات الريادية، على المستوى العالمي، وجائزته مثال ينبغي أن يحتذى به في العالم كله، لذلك حرصت منظمة اليونسكو، بمناسبة تكريس عام 2010 السنة الدولية للتقريب بين الثقافات، على أن يكون حفل توزيع الجائزة ضمن الفعاليات العالمية التي تنظمها المنظمة الدولية طوال العام الجاري، فالترجمة إحدى الأدوات الأولية لتحقيق حوار الحضارات، وهي أولويات لا يمكن أن تتحقق دون حضور دولي».
الأمير عبدالعزيز
ابن عبدالله بن عبدالعزيز
رئيس مجلس أمناء الجائزة
«استضافة اليونسكو لحفل تسليم الجائزة، دعم للتنوع الثقافي وإرساء لقيم حوار يحترم المكونات الدينية لكل حضارة وثقافة، ويقبل بحق الاختلاف والتنوع دون محاولة فرض نموذج ثقافي أوحد على غيره من الثقافات، وترسيخ للتقارب بين الثقافات بوصفها دعائم السلام بين الشعوب.
النجاح الذي حققته الجائزة منذ انطلاق دورتها الأولى كشف عن حاجة حقيقية لتفعيل آليات التواصل المعرفي بين الدول والشعوب، ورغبة لدى المجتمع الدولي في تعزيز جهود التقارب بين الثقافات، وإغلاق الباب في وجه التصادم بين أتباع الأديان، والتطرف ورفض الآخر».
الاحترام المتبادل
أندري ميكال
مستشرق فرنسي، نقل عن أمهات كتب النثر والشعر الشيء الكثير إلى لغته. قال في الجائزة: «الترجمة تمكننا من تقاسم القيم الإنسانية المشتركة التي ألخصها في كلمتين: الاحترام المتبادل، والأخوة. وقد حمل الملك عبدالله رسالته إيمانًا بقيم حضارية راسخة، ليبني جسرًا بين الناطقين بالعربية والمتحدثين بغيرها من اللغات. أنا متأثر جدًا، ومتشرف من صميم قلبي بهذه الجائزة».