June2010Banner


بوند ستريت..
شارع الفخامة
يعد بوند ستريت في لندن من أفخم الشوارع التي تزدان بأشهر

فيرونيكا ماريا غاربوت Veronica Maria Garbutt
ترجمة: إيمان عبد الواحد

يتبوأ بوند ستريت Bond Street في لندن مكانة رائدة على قمة أماكن التسوق الراقية في العالم. يضم الشارع الذي يمتد من ميدان بيكاديللي جنوبًا حتى شارع أكسفورد شمالاً، متاجر أنيقة، وأزياء راقية، وبضائع فخمة، ومجوهرات فائقة الجمال، إضافة إلى معارض التحف وصالات المزادات. منذ إنشاء بوند ستريت في سنة 1700 للميلاد، في منطقة ماي فير، أصبح الشارع موئلاً يتردد عليه أثرى أثرياء المجتمع البريطاني، وأكثرهم نفوذًا ومكانة.

غير أن ما يطلق عليه «بوند ستريت» لا وجود له على أرض الواقع، فالجزء الجنوبي منه يعرف باسم شارع بوند القديم Old Bond Street، بينما الجزء الشمالي منه، الذي يشغل أكثر من نصف مساحته، فيسمى شارع بوند الجديد New Bond Street. وعند نقطة التقائهما، يقع تمثال رائع من البرونز يجسد صورة قائدين من زمن الحرب هما فرانلكين روزفلت، ووينستون تشرشل. سمي الشارع بهذا الاسم تيمنًا بسير توماس بوند Thomas Bond الذي ابتاع قصرًا يطل على ميدان بيكاديللي في سنة 1683 ليهدمه في وقت لاحق، ثم يشرع في تطوير الموقع برمته. بحلول عام 1746، ظهر الشارع بأكمله والشوارع الجانبية المتفرعة منه على خرائط العاصمة لندن.

واليوم، يتميز بوند ستريت بما يزدحم به من متاجر للمجوهرات الثمينة الراقية مثل تيفاني، وكارتييه، وأسبري أند غارارد Asprey and Garrard ، وشانيل، وبرادا، وغوتشي، ما يمنحه ملامح مميزة لا تخطئها العين. تتوافد سيارات ليموزين سوداء فارهة تترى لتذرع المكان جيئة وذهابًا. كما تألف العين مشهد الرجال ذوي المكانة الرفيعة وهم يرفلون في بذلاتهم السوداء الأنيقة أمام متاجر تعرض منتجات أنيقة مذهلة، قد تبدو من الخارج خالية من الزبائن، بينما تعقد صفقات البيع والشراء في غرف أنيقة خاصة تقع داخلها.

إلى جوار متاجر الأناقة والموضة الراقية، تقع داران من أكثر دور المزادات ازدحامًا في المدينة، وهما بونهامز Bonham’s، وسوذبيز Sotheby’s التي تأسست عام 1744، وتعد الأفخم بين دور المزادات كافة. تفتح دار سوذبيز أبوابها لتقييم المقتنيات من التاسعة صباحًا حتى الرابعة والنصف بعد الظهر. في هذه الأثناء، يمكن لزبائن الدار تصفح ما يتوافر من كتيبات ومطبوعات، للاطلاع على تفاصيل القطع المعروضة، بينما يستمتعون بتناول كوب من القهوة والكعك في المقهى الملحق بها.

يجتذب هذا المزيج الرائع من الفخامة والأناقة الرفيعة كلاً من سكان المدينة وزوارها، ويسهم توازن سعر صرف الجنيه الإسترليني، في الوقت الحالي، في مزيد من الإقبال على شراء البضائع والمنتجات. لقد شهدت معدلات البيع التي حققتها متاجر هذه المنطقة ارتفاعًا بنسبة 5%، وذلك بالرغم من الركود الاقتصادي الذي عاني آثاره أغلب تجار التجزئة في ذلك الحين. فور دخول الجزء الجنوبي من هذا الشارع، يدرك الزائر ما يتمتع به من أهمية بين مناطق بيع المجوهرات الراقية، فهو يضم متاجر أنيقة مثل دي بيرز De Beers التي تعرض قطعًا من جواهر بديعة تمتزج بأحجار كريمة غير منتظمة الشكل، ومتجر موساييف Moussaief الذي يعرض جواهر يثريها بهاء الألوان، وكذلك متجر لوفيف Leviev بما يحتويه من ألماسات تعد هي الأكبر حجمًا على مستوى العالم.

تقع هذه المتاجر الكبرى جميعًا في الناحية الغربية من الشارع إلى جوار متجر شوميه Chaumet الذي عبقت أجواؤه بروعة التصاميم الفرنسية، ومتجر بودلز Boodles بما يعرضه من مجوهرات إنجليزية الصنع فائقة الجمال، إضافة إلى متجر مجوهرات بولغاري المتميزة بكثرة الزخارف، وبوشرون Boucheron حيث تعرض الحلي الراقية. يتألق، أيضًا، متجر مجوهرات شانيل بأناقة معروضاته الفريدة، وهو يبعد خطوات عن متجر الأزياء التابع للدار، والذي يعرض حقائبها الشهيرة وبذلات التويد التي تصلح لكل الأماكن والأزمنة.

في الفترة الأخيرة، قامت عدد من الدور مثل تيفاني وغوتشي وأسبري أند غارارد Asprey and Garrard بإعادة تزيين متاجرها وتوسعتها. إضافة إلى بيع المجوهرات، تشتهر دار أسبري أند غارارد بالكتب المغلفة بالجلود الطبيعية، والألعاب، والأواني المصنوعة من الفضة.

على الجانب الشرقي من الشارع يقع متجر جورج جنسن George Jensen الذي يعرض تصاميم عصرية أنيقة من الفضة والذهب الإسكندنافي، وإلى جواره يوجد متجرا شوبار Chopard وفان كليف أند أربلز للجواهر الراقية، وفرع دار دي غريسونيو de Grisogno المتفرد بما يعرضه من جواهر تتألق بأحجار كريمة زاهية الألوان، ومتجر دار ميكيموتو Mikimoto للأقلام الفاخرة واللؤلؤ، ولقد افتتح، مؤخرًا، فرعًا لمجوهرات غراف Graff الشهيرة بألماساتها الصفراء الكبيرة.

بالرغم من ازدحام بوند ستريت بهذه التشكيلة من متاجر المجوهرات، إلا أنه يعد، في المقام الأول، شارع الأناقة والأزياء، فعلى امتداده تصطف المتاجر الأنيقة التي تحمل أسماء دور الأزياء العالمية العريقة مثل برادا، وبوتيغا فينيتا، وأرماني، وإيف سان لوران، وهي تعلن جميعًا عن وجودها بقوة وتفرد. ولقد شهد العام الحالي إعادة افتتاح متجر لوي فويتون بعيد عملية توسعته وتجديد طلته، ليصبح ثاني أكبر متاجر العلامة العريقة بعد مقرها في باريس.

وبطبيعة الحال، قامت العلامات التجارية البريطانية بتطوير إنتاجها لتواكب متطلبات الأناقة في القرن العشرين. فقد امتزجت أزياء برينغل Pringle المحبوكة بأناقة الكشمير المميزة، بينما جمعت أزياء داكس Daks بين حداثة التصاميم العصرية والقماش التقليدي المنقوش بالمربعات الذي عرفت به في عالم الأزياء. كما غدت دار أوليفر سويني Oliver Sweeney مصنعًا عصريًا للأحذية يمد رجال المجتمع الراقي بتصاميمه الإنجليزية الطابع، والاكسسوارات الأنيقة، إضافة إلى خدمات حصرية متكاملة تقدم للزبائن وفق الطلب. عند زاوية كوندوي ستريت Conduit Street التي تتقاطع مع منتصف بوند ستريت، يقع متجر دار بيربري Burberry، العلامة الإنجليزية الرائدة في عالم الأناقة والموضة.

في سنة 1856، تأسست العلامة على يد توماس بيربري Thomas Burberry، الذي عمل عندئذ خياطًا تحت التدريب، ليقدم من خلالها تشكيلة من الأزياء فائقة الجودة. وبحلول سنة 1880، تطور إنتاجها ليشمل السترات المصنوعة من قماش الغبردين الرقيق المقاوم للماء. وفي السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، افتتحت بيربري أول متاجرها في منطقة وست إند West End وسط العاصمة لندن. في سنة 1911، تولت الدار تصميم أزياء أوائل مستكشفي القطب الجنوبي، ثم حاكت ملابس الجنود المقاتلين في خنادق الحرب العالمية الأولى، لتبتكر لهم المعاطف الواقية من الأمطار المعروفة باسم trench coat.

بمرور الوقت، أصبحت الأقمشة المنقوشة بالمربعات السمة الغالبة على أزياء بيربري والمميزة لها. وفي سنة 1955، منحت الملكة إليزابث الثانية الدار جائزة التميز. بحلول سنة 2001، تربعت تصاميم الدار على عرش الأناقة الراقية حين تولى أمرها المصمم كريستوفر بايلي Christopher Bailey. في الآونة الأخيرة، توقفت بيربري عن طرح تصاميم تقليدية المظهر التي أصبحت ترتبط بطبقة الأثرياء الجدد، لتحل محلها فخامة تشكيلة برورسوم Prorsum بعد أن انطلقت تغزو الأسواق. تتميز التشكيلة باستخدام الأقمشة الناعمة، وألوان الباستيل الهادئة، وأناقتها المذهلة التي وضعت بوند ستريت بقوة على خارطة الأزياء مرة أخرى.

على بعد خطوات من متجر بيربري في كوندوي ستريت ، يقبع فندق ويستبري Westbury Hotel المفعمة أجواؤه بالراحة والهدوء الملائم لتناول وجبات الغداء لمن يرغب فيها بعد هذه الجولة الطويلة. وبالقرب من الفندق، من البيكاديللي حتى شارع برلنغتون غاردنز Burlington Gardens، يقع مركز التسوق برلنغتون أركيد Burlington Arcade الفخم المشيد على طراز ريجينسي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. يضم المركز، كذلك، متاجر صغيرة مثل مقهى لادوريه Laduree، ون. بيل N. Peal، وبنهاغليونز Penhaglion’s. يذكر أن قوة حراسة خاصة تدعى Burlington Beagles، يعتمر أفرادها القبعات المرتفعة، يذرعون المكان جيئة وذهابًا. فيما مضى، كان هؤلاء الحراس ينتمون إلى فرقة الخيالة الملكية العاشرة. يتولى هؤلاء الرجال مراقبة المتسوقين للحيلولة دون وقوع تصرفات غير مقبولة، مثل الصفير، والضوضاء، والركض، ومضغ اللبان.

في الجهة المقابلة تقريبًا، يقع مركز بيكاديللي أركيد Piccadilly Arcade الذي يشتهر بمعروضاته من الآنية الزجاجية والخزفية، إضافة إلى متاجر الأزياء الرجالية الفاخرة مثل نيو أند لنجروود New And Lingerwood. يوفر المتجر الملابس اللازمة لحضور نشاطات سباق هينلي للتجديف وغيرها من الأنشطة التي تقع في الموسم ذاته.

على بعد خطوات معدودة، يقع متجر باربور Barbour الذي يطل على البيكاديللي ويشتهر بتصاميمه التقليدية البسيطة المريحة مثل سترة Beaufort التي توفر لمرتديها الحماية من الأجواء الباردة المطيرة التي تغلب على الأراضي البريطانية. وبالرغم من شهرة المتجر التي اكتسبها لتقديمه عروض أزيائه في الهواء الطلق، والتصاميم الملائمة لممارسة الرياضات المختلفة في المناطق الريفية، مثل: الصيد، وصيد الأسماك، والرماية، فقد امتد نشاطه لينتج الأحذية، والملابس المحاكة، والاكسسوارات أيضًا. ولقد ضمت أحدث تشكيلة عرضها المتجر عددًا كبيرًا من القمصان الملونة، وقطعًا جديدة تستوحي تفاصيلها من ملامح بعض التصاميم المبدعة مثل استخدام الأقمشة الحمراء اللامعة الخفيفة المبطنة لحياكة المعاطف. مؤخرًا، افتتحت هذه العلامة البريطانية الأصل فرعًا للتصاميم التراثية في شارع فوبيرت Foubert’s Place الذي يقع في الجهة المقابلة من شارع كارنابي Carnaby Street.

انطلاقًا من برلنغتون أركيد، يمكن الوصول إلى برلنغتون جاردنز حيث يضم المبنى رقم 7 متجر دار أبركرومبي أند فيتش Abercrombie and Fitch التي تأسس أول متاجرها في مانهاتن عام 1892 على يد ديفيد أبركرومبي David Abercrombie ليوفر للصفوة الأزياء الرياضية وملابس الرحلات الفاخرة. من بين زبائن المتجر، في الأيام الخوالي، مجموعة من المشاهير مثل إرنست شاكلتون Ernest Shackleton، وكلارك غيبل Clark Gable، وجون ف. كينيدي John F. Kennedy، وإرنست همنغواي Ernest Hemingway. يجتذب فرع المتجر في لندن الأنظار، وهو الأول من نوعه في القارة الأوروبية، لتميزه بنظام الإضاءة المبتكر، وأناقة طاقم العاملين به ومظهرهم الجذاب الذي يرحب بالزبائن في حفاوة بالغة. يقدم المتجر الأمريكي الراقي الأزياء البسيطة الملائمة لأسلوب حياة طلاب الجامعة من الشباب، ما يجعلها موضع اهتمام قراء المجلة من هذه الفئة.

في الركن الشرقي من برلنغتون غاردنز، يحتل شارع سافيل رو Savile Row موقعه، ما يوفر لهواة اقتناء البذلات الرجالية الفاخرة الفرصة للحصول على مبتغاهم، فهو يعد موطن حياكة أزياء النبلاء الإنجليز. في سبعينيات القرن الثامن عشر، أقام خياطون ماهرون متاجرهم لتلبية احتياجات وجهاء الجورجيين مثل بو برومل Beau Brummel، ذلك المتأنق الذي يعزى إليه الفضل في إدخال البذلات الرجالية إلى عالم الأزياء والأناقة. واليوم، تعد مثل هذه المتاجر على أصابع اليد الواحدة، لكن ما تبقى من خياطين يعد صفوة الحرفيين المهرة في مجال إبداعهم. كما تقدم هذه المتاجر الأسطورية خدماتها للزبائن في أجواء من المرح، إذ يتمتع عمالها بروح الفكاهة والدعابة.

في المبني رقم 1 في شارع سافيل رو، يقع متجر جيفز أند هوكس Gieves and Hawkes الذي يوفر القمصان والبذلات الفاخرة المصنوعة يدويًا لطبقة النبلاء منذ سنة 1785. كانت الدار بالأساس تقوم بتوريد احتياجات الجيش البريطاني والبحرية الملكية. هنا، يتبادر إلى الذهن سؤال: ما الذي يصنع البذلات فائقة الأناقة إذًا؟ يجيب ك. سارجنت، كبير عمال قص الأقمشة في الدار، عن السؤال فيقول: «ما يصنع مثل هذه البذلات هو مزيج من حرفية قص القماش، والحياكة فائقة الجودة. كما يجب انتقاء الأقمشة الممتازة وحياكتها بدقة وفق مقاسات الزبون. ولمن يرغب في تعزيز أناقته وإبراز مكانته، فلا يتردد في ارتداء بذلة تحاك له خاصة». من بين دور الحياكة الراقية الأخرى التي تقع في الشارع نفسه، نذكر هاردي إيميز Hardy Amies، وكيلغورKilgour ، وريتشارد جيمس Richard James.

بعيد انتهاء الجولة في بوند ستريت، يمكنكم التوجه إلى شارعي سانت جيمس St James وجيرماين Jermyn، فهما يقعان على مقربة منه. تضم هذه المنطقة التاريخية مجموعة من أقدم المتاجر الراقية المتخصصة في أزياء الرجال ولوازم أناقتهم في لندن بأسرها، من بينهم من اشتهر بحياكة القمصان الراقية مثل: ترنبول وآسر Turnbull & Asser، وتوماس بينك Thomas Pink، وهاكيت Hacket، ومتاجر الأحذية مثل جيمس لوب James Lobb ، وكروكيت أند جون Crockett & Jone، والقبعات مثل لوك أند كومباني Lock & Co، إضافة إلى متاجر العطور فلوريس وتايلور Floris and Taylor. يجب على زائر المنطقة ألا يفوته تناول كوب من الشاي في فندق ريتز الأنيق، وذلك قبل التوجه إلى فورتنم أند مايسن Fortnum and Mason أرقى متاجر لندن على الإطلاق الذي يتميز باحتفاظه بملامحه الأصلية، ما جعله يبدو كأنه لا يعترف بحداثة القرن الحادي والعشرين أو يعرف إليها طريقًا.

كما لا يجب أن يفوتكم التسوق في متجر ليبرتي Liberty متعدد الأقسام المكسو نصفه بأخشاب أنيقة فخمة تزين أرضه وتصميمه الداخلي. ينفرد المتجر بروعة أجوائه، ومعروضاته من أزياء رجالية راقية حيكت ببراعة وإتقان، ما يجعله جزءًا مهمًا من رحلة التسوق في لندن لمن يرغب في خوض تجربة لا مثيل لها.