النحات سعود الدريبي:
رسالة الفنان لا لغة لها
سر نجاح النحات يكمن في تقديمه عملاً يلغي المسافة والزمن بينه وبين المتلقي.
|
سنين
نوع الحجر : جرانيت
فكرة العمل: الإنسان وما يحمله معه من هموم ومسؤوليات طوال السنين .. }لقد خلقنا الإنسان في كبد{.
|
الرياض: نزار الغنانيم
تصوير: هشام شما
بدأ مشواره مع النحت منذ ما يزيد على ثلاثين عامًا. أقام الكثير من المعارض، ونال العديد من الجوائز في الداخل والخارج. حبه للفن، دفعه إلى تطوير مهارته في النحت، وساعدته قراءاته في هذا المجال، ومتابعته الساحة الفنية، ومشاركاته في المناسبات الدولية، على صقل موهبته الفنية. ضم معرضه «همس الصخور» 30 عملاً، تمتد إلى عشر سنوات، تخللتها مسافات زمنية، تجعل الزائر يقف بنفسه على تنوع أعماله خلال هذه المرحلة من رحلته الفنية.
|
إسوارة
نوع الحجر: رخام
فكرة العمل : أسورة بشكل زخرفي تشبه اكتشافات الأحافير الأثرية.
|
تتنوع الرسائل التي يوجهها النحات السعودي سعود الدريبي، بتنوع الأعمال التي يقدمها، فكل عمل لديه يحمل رسالة مستقلة بذاتها. وقد سعى من خلال معرضه «همس الصخور» الذي أقيم مؤخرًا في المتحف الوطني بالرياض، إلى أن يقول إن الصخور التي لا يرى فيها المتلقي العادي سوى مادة صلبة جامدة، قد تهمس أيضًا، وتبوح، لذا، أخرجها بهذا الشكل الأنيق والرقيق، حتى كاد أن يجعلها بالفعل، تخاطب المتلقي برقة، وتهمس لكل من وقف أمامها.
صدق الإحساس
يرى الدريبي أن الفنان يوجه رسالة فنية لا لغة لها، لكي يدع المجال فسيحًا أمام خيال المتلقي، ولا يحرمه متعة تصور العمل الفني، وقراءته باللغة والفكر اللذين يفضلهما. يكمن سر نجاح النحات في تقديمه عملاً يلغي المسافة والزمن بينه وبين المتلقي. وبقدر ما يترجم النحات إحساسه بصدق، يختصر الطريق باتجاه وجدان جمهوره.
ينتمي الفن إلى الثقافة البصرية، وكلما حمل أفكارًا سامية وصادقة، أسهم في إثراء الساحة الفنية، والمتلقي على وجه الخصوص، فنجاح الفنان في العمل نفسه، مرتبط بقدر البساطة التي يحرص عليها في التعامل مع المتلقي، أيًا كانت ثقافته.
قد يتصور النحات، في بعض الأحيان، العمل داخل الصخرة، قبل أن يتعامل معها، فيشكل المنحوتات بيديه، فالنحت لا يقف عند المشاهدة، وإنما يتبلور عن طريق اللمس وحركة التشكيل، فيصنع النحات بيديه، ومن أعماق أحاسيسه، أعمالاً تعكس عن طريق اللمس، إحساسه الفني العالي. ويبعث في المتلقي إحساسًا مرهفًا بواقعية الشكل المنحوت، وتتطور الحركة حتى تصل إلى التعبير عما يجول في داخل النفس وانفعالاتها. ضالة الدريبي هي الفكرة، إن وجدها وجد عمله، بغض النظر عن المدرسة التي ينتمي إليها، وهو يحقق ذاته من خلال أفكاره مهما تنوعت الخامات، لكنه يفضل النحت على الصخور، ويجد في التعامل معها سهولة ويسرًا، أكثر من الخشب. تتركز أفكاره حول مجتمعه، بهمومه ومشاغله، وما يدور فيه. تشكل أعماله امتدادًا للتراث، ويأمل أن يراها تتحول بدورها، يومًا ما، إلى تراث.
|
ليت الذي بيني وبينك عامر..
وما بيني وبين العالمين خراب
نوع: الحجر رخام
فكرة العمل : تعبير ملموس وحيّ ولو كان من رخام، يعبِّر عن بيت للإمام الشافعي رحمه الله ..
ليتك تحلو والحياة مريرة .. وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ..وبيني وبين العالمين خراب .. |
يسعى سعود الدريبي عبر التنوع الذي يكرسه في أعماله، إلى إرضاء جميع الأذواق، قدر المستطاع، لكنه يحرص على المحافظة على مستوى فني راقٍ، فهو يرى أن رسالة الفنان تتمثل في المساهمة بتثقيف مجتمعه، والارتقاء بتذوقه البصري، لذا يحاول في أعماله، أن يقدم للمتلقي المتذوق مفهومه للفن، من خلال تعبيرات مختلفة. ويستطيع النحات أن يعد نفسه قد نجح في منح المتلقي إحساسًا بالعمل الفني، إذا وفق إلى لفت انتباهه إلى أعماله، لكن يظل من الصعوبة بمكان، أن تأتي بعمل نخبوي يرضي عامة الناس.
تكريس الجمال
يرى الفنان التشكيلي السعودي سعد العبيد، أن ارتباط اسم مدينة الدوادمي بفن النحت، وبالفن التشكيلي السعودي عمومًا، إنما لعدد المبدعين الذين أنجبتهم، وأثبتوا وجودهم بجدارة على الساحتين المحلية والعربية. كيف لا، وهي موطن الفنان عبدالله العبداللطيف، رحمه الله، رائد النحت الذي تخرج على يديه العديد من فنانيها المتميزين، أمثال: علي الطخيس، وأحمد الدحيم، وشجعان الرويس، ومحمد الصقيران، وفهد الدبيان، وعبدالعزيز الرويضان.
يتميز سعود الدريبي، ليقينه التام أن الاحتكاك بذوي الخبرة يساعد على تنمية ثقافة الفنان، بتعدد رحلاته ومشاركاته الفنية المحلية والدولية، وهو ما ظهرت آثاره على أعماله التي حفل بها معرضه الأخير، فقد طور معالجة خامة المرمر، وطوعها، حتى سطر بإزميله أروع المجسمات، مرتكزًا على رصيده المعرفي الثقافي التراثي الغني بمختلف محفزات العمل، والإبداع، والإحساس المرهف، لتكريس الجمال.
إسقاطات إنسانية
استطاع الدريبي أن يتعامل مع خاماته بذكاء، لينجز إبداعات فنية رائدة، ضمنها جرأة كبيرة في الطرح، حيث تناول العديد من الأعمال، منها ما هو مجرد، ومنها ما هو واقعي، بروح عصرية واضحة.
النحات والفنان السعودي، د.محمد الفارس، تجمعه بسعود الدريبي جذور واحدة. فكلاهما بدأت أعماله الأولى بتأمل الطبيعة، ومحاولة الكشف عن معانيها. ويرى أنه ليس من باب المصادفة أن تكون الجذوع والأغصان هي مفتاح التأمل في أعمال الدريبي، الذي شق طريقه بجد وحرص، وسعى وراء المعاني الجميلة، يتلمسها بإسقاطات إنسانية متنوعة، زاوج فيها بين الرمز والخيال، مع تقدير الجمال الواقع، فجاءت أعماله حديقة فنية يجد فيها كل متذوق بغيته. لقداتخذ أسلوبًا يجمع بين متعة التوجيه، وجرأة التجريد، ودقة التصميم، ليواصل معه تحديه لأقسى الصخور.