ستراتفورد
هنا عاش شكسبير
أضحت مدينة ستراتفورد محجة للأدباء والشعراء ومحبي الأديب البريطاني المبدع الذي ترك لعشاق الشعر والمسرح شخصياته التي ما زالت تعيش بين الناس.
|
بيت شكسبير
متحف شكسبير يقع على شارع هانلي وهو عبارة عن منزل نصفه خشبي ويتصدر قائمة الأولويات في الزيارة عندما تكون في مدينة ستراتفورد.
|
إعداد: فيرونيكا ماريا غاربوت
ترجمة: إيمان عبدالواحد
|
نافورة وساعة
في شارع روذرز تقع النافورة الأمريكية وهي برج ساعة مزينة تم إهداؤها من قبل سكان فيلادلفيا عام 1887 إلى الملكة فكتوريا.
|
تطل بلدة ستراتفورد أبون أفون على ضفاف نهر أفون في قلب الأراضي البريطانية، وتأتي في المرتبة الثانية، بعد العاصمة لندن، من حيث عدد الزوار والسيّاح الوافدين إليها سنويًا. وفي عام 1564، شهدت هذه البلدة الصغيرة مولد ويليام شكسبير، الذي يُعتقد أنه أعظم من كتب باللغة الإنجليزية على وجه الإطلاق.
عبر تلك السنوات الطوال، لم تنقطع زيارات المعجبين بكتابات ذلك الشاعر الملحمي المبدع إلى مسقط رأسه. وكانت الحملة الشعبية التي استهدفت جمع الأموال، بغرض شراء المنزل الذي شهد مولده، قد لاقت نجاحًا واسعًا عام 1847. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت ستراتفورد موئلاً يقصده أعظم كتاب الدراما البريطانيين الذين يلجؤون إليه لاستلهام الأجواء التي أبدعت أعظم ما كتب في تاريخ الأدب الإنجليزي. وتعد ستراتفورد أيضًا مركزًا ثقافيًا مزدهرًا ومقرًا لفرقة شكسبير الملكية المسرحية.
تضم المدينة بين ربوعها العديد من الأبنية التاريخية التي شُيِّدت في القرن السادس عشر الميلادي، ما يؤهلها لتكون نقطة الانطلاق نحو جولة سياحية مميزة، تبدأ عند الجسر الأثري الذي شيِّد في العصور الوسطى ليظل محتفظًا بأهم ملامحه دون تغيير منذ خمسمائة عام وحتى الآن. وقد تميَّز هذا الجسر الصخري المتماسك البنيان بأقواسه التسعة عشر التي هدم اثنان منها في أثناء الحرب الأهلية بغرض تحسين دفاعات المدينة ضد الاعتداءات.
في موقع قريب من الطرف الآخر من البلدة التي يمر عبرها الجسر، تقع حدائق بانكروفت التي تضم تمثالاً لويليام شكسبير، يحيطه عدد من التماثيل الأخرى لشخوص من مسرحياته التاريخية، والفلسفية، والهزلية، والمأساوية أيضًا. وفي المنطقة نفسها، تخوض القوارب الصغيرة الضيقة مياه حوض القناة والنهر جيئةً وذهابًا لتنقل رواد المكان عبر ميناء بانكروفت، وكانت القناة المائية قد افتتحت عام 1816.
يؤدي شارع بريدج الضخم الذي يقع أسفل جسر كلوبتون، إلى شارع هاي (High Street) حيث يمكن تناول الوجبات الشهية أو الاستمتاع بالتسوق، كما يؤدي امتداده لشارع هينلي الذي يضم متحف مسقط رأس شكسبير الذي اتخذ من أحد المنازل مقرًا له. ويأتي هذا المنزل، الذي يكتسي بألواح خشبية مميزة، على رأس قائمة الأماكن التي ترتادها أعداد كبيرة من زوار شكسبير ومريديه. ويتميز هذا المنزل المتحف بأثاثه المصمم على طراز الحقبة التاريخية التي عاش فيها والده جون شكسبير، بما يتناسب مع مكانته في المجتمع.
وفي المكان الذي شهد مولد شكسبير، أثثت الغرف على طراز الحقبة التي عاش فيها واحتوت خزائن العرض على بعض أعماله الأدبية الخالدة وبعض الأغراض التي تستعرض تاريخ أسرته.
تتدفق أعداد كبيرة من الزوار على مركز شكسبير الذي تم تأسيسه عام 1964 احتفالاً بالذكرى المئوية الرابعة لميلاد الأديب والشاعر الكبير. وتتخذ أمانة هيئة الحفاظ على مسقط رأس شكسبير (Birthplace Trust) من هذا المركز مقرًا لها. يضم هذا المركز أيضًا مجموعة هائلة من الملفات الأرشيفية التوثيقية ومكتبة وأماكن للدراسة خصصت للطلاب من جميع أنحاء العالم. وفي الجهة المقابلة لموقع المركز، يمكن لزوار المكان ارتياد مكتبة شكسبير التي تبيع نصوص مؤلفاته من المسرحيات والقصائد.
من بين الممتلكات التي تشرف عليها هيئة الحفاظ على مسقط رأس شكسبير، هناك منزل ناش (Nash>s House) الذي لا يبعد عن المكتبة سوى بضع خطوات في شارع تشابل (Chapel Street) وتعود ملكية هذا المنزل المزين بكسوة من الخشب إلى إليزابث هول حفيدة شكسبير، وقد تم تحويله حديثًا إلى متحف للتاريخ الوطني يزدان بالحديقة الرائعة الملحقة به والتي تضم الأعشاب ذائعة الاستخدام خلال العصر الإليزابيثي، الذي امتد من أواسط القرن السادس عشر إلى بداية القرن السابع عشر الميلادي، والزهور البديعة المميزة التي تجذب الأنظار وتذهل الزوار. وبجوار هذا المنزل، يقع مبنى نيو بليس (New Place) الذي قضى فيه شكسبير سنوات تقاعده واعتزاله الكتابة منذ عام 1611 وحتى وفاته في عام 1616.
وتضم المدينة أيضًا ثلاثة مسارح، من بينها مسرح فرقة شكسبير الملكية، الذي تم افتتاحه عام 1879 بعرض لمسرحية ضجة بلا طائل (Much Ado About Nothing) وبعد احتراقه عام 1926، شُيِّد فوق أنقاضه مسرح جديد من تصميم إليزابث ويتورث سكوت. وعلى الرغم من التصميم الصارم الملامح الأصم التفاصيل الذي يتميز به هذا البناء، إلا أن زخارفه الفنية الرائعة المفعمة بالفخامة صقلت هذا الطراز ومنحته الثراء والقيمة المعمارية.
يتاخمه مسرح البجعة (Swan Theatre) الذي شيِّد عام 1986 ليصبح نسخة من مسارح الحقبة اليعقوبية من تاريخ إنجلترا، حيث كانت خشبة المسرح تتوسط مقاعد الجماهير التي تحيط بها من كل جانب. ويمكنكم زيارة هذا المسرح الذي تقدم العروض فيه في فترة المساء، بينما تستطيعون التجول نهارًا في صالة العرض التابعة لفرقة شكسبير الملكية لمشاهدة مجموعة من الأزياء المسرحية النفيسة ذات القيمة التاريخية وإلقاء نظرة على الأمتعة الشخصية لأبطال تلك العروض. وتستطيعون أيضًا القيام بجولة داخل كواليس المسرح للتعرف على العالم الخاص بالممثلين. وتقدم فرقة شكسبير الملكية العروض المسرحية أيضًا فوق المسرح المعروف باسم «المكان الآخر»
(The Other Place) الذي يتسع لمئة وخمسين مشاهدًا، ويقع في الطريق الجنوبي الفرعي القريب من المعرض، كما تقدم عروضًا مماثلة في مدينة لندن.
|
منزل زوجة شكسبير
يبدو منزل آن هاثاوي زوجة شكسبير الذي ترعرت فيه، ويعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر ويتألف من 12 غرفة. |
وللأطفال، أيضًا، نصيب من الاستمتاع بعالم شكسبير المذهل، حيث يمكنهم مشاهدة العرض السمعي والبصري المميز والذي تدور أحداثه في عام 1576 عندما كان شكسبير صبيًا في الثانية عشرة من عمره، لتصور نمط الحياة السائد في الحقبة التيودورية باستخدام المؤثرات الصوتية والضوئية لإثراء العرض المسرحي الروائي. هذا ويمكن للأطفال أيضًا ارتياد متحف شكسبير الريفي الواقع في قرية ويلمكوت (Wilmcote) شمال غربي ستراتفورد، حيث يقدم عروضًا مثيرة للصيد بالصقور، إضافة إلى مشاهد تصور أعمال الحدادين وصانعي العجلات والعديد من أصحاب المهن والحرف الأخرى.
بالقرب من المتحف الشكسبيري الريفي، يقبع منزل عائلة ماري آردن، والدة ويليام شكسبير، والذي يعد أحد المباني الفخمة التي شُيِّدت في القرن السادس عشر الميلادي والتي تكتسي جزئيًا بألواح من الخشب ونوافذ رائعة ذات جمالونات، فتصنع مشهدًا مميزًا مع السقف المائل على الطريقة الإنجليزية التقليدية التي تثبت مدى ثراء جد شكسبير لأمه، حيث كان من المزارعين ميسوري الحال. وعلى عكس الأعراف الاجتماعية السائدة في تلك الحقبة، ورثت ماري المنزل والأراضي عن والدها. ولا يزال هذا المنزل يزخر بأجواء تلك الفترة التاريخية المميزة نظرًا لاهتمام من توالوا على سكناه بالحفاظ على ملامحه كما هي، حتى إن أثاثه الحالي يطابق الطرز السائدة في ذلك الزمان البعيد.
تقع قرية شوتري الصغيرة على مسافة ميل واحد من مدينة ستراتفورد، وتضم تلك القرية الوادعة بيتًا كانت تقطنه آن هاثاوي يومًا ما، قبل أن تصبح زوجة لشكسبير، ويضم هذا البيت الريفي، الذي شُيِّد في القرن الخامس عشر، اثنتي عشرة غرفة مع حديقة وبستان للفاكهة، وتعود ملكيته لمزارع ناجح يدعى ريتشارد هاثاواي. كان ريتشارد يمتلك بعض الأراضي التي يقوم بزراعتها في هذا المكان الذي عاش فيه أسلافه حتى مطلع القرن العشرين. وتقع ضمن هذه الأراضي حديقة أشجار شكسبير بما تحويه من أعشاب ورد ذكرها في مسرحيات الأديب الكبير.
ترتبط مدينة ستراتفورد بالعديد من أسماء الشخصيات البارزة الأخرى غير ويليام شكسبير، فمنزل هارفارد الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر الميلادي والذي يقع في شارع هاي (High Street)، كان ملكًا لكاثرين روجرز والدة جون هارفارد الذي هاجر للمستعمرات الأمريكية، كما عرفت آنذاك، في القرن السابع عشر ليؤسس الجامعة العريقة التي تحمل اسم عائلته. وفي شارع روثر، بالقرب من منزل آل هارفارد، تقع النافورة وبرج الساعة المزخرف البديع المعروف باسم بالنافورة الأمريكية المهداة من شعب فيلادلفيا إلى الشعب البريطاني بمناسبة اليوبيل الذهبي للملكة فيكتوريا عام 1887.
وإذا أتيحت لكم الفرصة والوقت اللازم لخوض مغامرة صغيرة مثيرة خارج حدود المدينة، فلا تفوتكم زيارة مركز شاير للخيول، الذي يضم أنواعًا نادرة منها، ولا تنسوا زيارة قلعة ورويك، حيث الشعور الغامض الذي تبعثه أجواء غرف احتجاز المساجين داخل القبو ومستودعات الأسلحة في زوار المكان. ومن بين الأماكن الأخرى التي تستحق الزيارة أيضًا متنزه المنزل الريفي المعروف باسم شارليكوت الذي يشاع أن شكسبير قام بانتهاك حرمة صيد الغزلان فيه، ما عجَّل برحيله إلى لندن.