April_09Banner


الحمامات..
درة البحر المتوسط
تتميز بالتلال الصخرية والشواطئ الممتدة برمالها البيضاء.

وصف الرومان شبه جزيرة الوطن القبلي، وتسميتها الأجنبية
Bon Cope ومعناها «رأس الطيب» بأنها شبه الجزيرة الحسناء Pulchri Promontorium، وما زال هذا الوصف الشرفي ينطبق عليها إلى الآن. تبعد هذه الأرض الخصبة 140 كيلومترًا فقط عن جزيرة صقلية، وتتميز بالتلال الصخرية والشواطئ الممتدة ذات الرمال البيضاء. وعلى الرغم من علاقة المنطقة الوطيدة بأوروبا، إلا أن جولة حول مدينة الحمامات الزرقاء تؤكد وجودك في العالم العربي. وتعد الحمامات جوهرة التاج، ويطلق على الأراضي الواقعة خارج المدينة العامرة ببساتين الحمضيات «البرتقال والليمون» والحقول الخضراء اسم «روضة تونس».

فيرونيكا ماريا غاربوت

تبلغ مساحة شبه الجزيرة 3 آلاف كيلومتر مربع، وكانت تاريخيًا بعيدة عن الأحداث الرئيسة التي دارت بين المناطق الساحلية الشمالية والشرقية، وما زالت كذلك في يومنا الحاضر. وقد استند الاستيطان في المناطق النائية خلف السواحل على الأراضي الخصبة التي زرعت فيها بساتين أشجار الزيتون بكثافة، لدرجة أنه يطلق على الخط الساحلي ما بين نابل والحمامات اسم «ساحل الزيتون». على طول الساحل الجنوب الشرقي. تمتاز مدينة قُرْبة بزراعة الفراولة، بينما تشتهر نابل بإنتاج «الهريسة»، معجون الفلفل الحار الذي يعد أحد العناصر الجوهرية في المطبخ التونسي.

أما معظم أشجار الحمضيات فتنمو في الجزء الجنوبي الغربي من الوطن القبلي قرب مدينة «منزل بوزلفة». في وسط شبه الجزيرة، يقع خط من التلال ما بين جبل سيدي عبدالرحمن في الشرق وجبل Jebel Ben Oulid في الغرب, ويبلغ عدد سكان المنطقة نحو 5 آلاف نسمة، تتمركز الأغلبية منها على امتداد ساحل الجنوب الشرقي.

مدينة الحمامات
تبعد مدينة الحمامات 65 كيلومترًا عن مدينة تونس العاصمة، ويسهل الوصول إليها بوسائل النقل العام، مثل: الحافلات، وسيارات الأجرة المشتركة، والقطارات. وتكثر فيها المنازل البيضاء ذات النوافذ الزرقاء والأزهار والورود المتدلية على الجدران. ورغم كونها منطقة حضرية مترامية الأطراف، إلا أن آثار البلدة القديمة نجت من التطوير والتنمية الواسعة.

في ثلاثينيات القرن الماضي اكتشف زوار أوروبيون مدينة صغيرة ترتطم بجدرانها مياه البحر المتوسط، وترسو على رمالها الناعمة قوارب الصيادين. أقامت العائلات المحلية بسبب مناخها بساتين ظليلة بجانب منازلهم. وقد بنى الأوروبيون منازلهم بغرف باردة ذات قباب وحدائق منسقة بمسابح، وتحيط بها أشجار السرو والبرتقال, وقد بُني أول الفنادق بالأسلوب نفسه، وخضع لقيود التخطيط المبكر، التي تشترط عدم تجاوز ارتفاع المباني والمنشآت مستوى الأشجار.

تضم المدينة أربعة منتجعات رئيسة، هي: المدينة «من بين فنادقها فندق بلفيو Bellevue، والياسمين Le Jasmin، وبيل آزور Bel Azur»، ومنطقة المرازقة «فندق عمر الخيام»، والمنطقة السياحية في الشمال «فندق مجموعة البرتقال وفندق ميرامار»، ومنطقة ياسمين الحمامات في الجنوب «فندق الحمامات رويال، وسفير بالاس». وتضم المنطقة الأخيرة العديد من عوامل الجذب السياحي، منها حديقة قرطاج لاند الترفيهية، ومنتجع العلاج بمياه البحر، وملاعب الغولف. وتعد سيارات الأجرة غير المكلفة أفضل وسيلة للتجول في المنطقة، علاوة على الحافلات والقطار الترفيهي.

عُرفت الحمامات لدى الرومان باسم «بوبوت» Pupput، وقد استقروا على بُعد كيلومترات عدة جنوب غرب مركز المدينة الحالي. كانت محطة توقف على طريق الرومان الرابط بين حضرموت «سوسة الحديثة» وقرطاج، وقد قام أحد الرعاة الأثرياء «سالفيوس جوليانوس» بتطوير التجارة الزراعية والبحرية. ومن بين الذين استقروا في هذه المدينة العثمانيون، والإسبان، والصقليون، وإذا كنت من المهتمين بعلم الآثار، فإن هذا الموقع يستحق الزيارة لمشاهدة جدار تعلوه الفسيفساء البيزنطية، علاوة على جدران من الفسيفساء وبعض الأعمدة في المنازل العتيقة المبنية على طراز Peristyle الذي يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.

بنى بنو حفص مدينة الحمامات في منطقة الوطن القبلي الساحلية، وتنقسم إلى الحمامات الشمالية والحمامات الجنوبية، مستخدمين الهياكل والأساسات العائدة إلى عهد الأغالبة. وفي الركن الشمالي الغربي، تشاهد عند «القصبة» بعض الحصون التي تدل على تاريخ المدينة الدفاعي. وعلى امتداد أسوار المدينة توجد مقاهٍ عدة صغيرة بإطلالات رائعة على امتداد الخط الساحلي والمدينة، بينما تعرض الأكشاك الواقعة في الشوارع خارج تلك المنطقة الهدايا التذكارية، إلى جانب محال الملابس والاكسسوارات.

تعد مئذنة الجامع الكبير التي تم ترميمها في القرن الخامس عشر الميلادي أحد معالم المدينة البارزة. وتزين جدران الجامع أضواء تنبثق من الأبواب الخشبية ضمن أطر حجرية. في الجهة المقابلة، الحمامات التركية العامة بأبوابها المخططة باللونين الأبيض والأخضر، وبالقرب منها متحف الحمامات للأزياء التقليدية، الذي يعرض الملابس التقليدية النسائية وفساتين الزفاف.

أما الشارعان الرئيسان في المدينة الحديثة، فهما شارع الحبيب بورقيبة الممتد شمالاً من المدينة حتى يلتقي مع الطريق المؤدية إلى الحمامات الجنوبية، وشارع الجمهورية، الذي يتجه نحو الشمال الشرقي والحمامات الشمالية. يعد شارع الجمهورية بمنزلة المركز التجاري للمدينة، ويضم العديد من المحال والمقاهي والمطاعم، وتسوده كل ليلة أجواء احتفالية، ما بين مطعم «الركن الأخضر» L’Angolo Verde بمقاعده المظللة في الهواء الطلق، والذي يقدم البيتزا والباستا الإيطالية، وصالون المثلجات. أما إذا كنت تفضل المأكولات البحرية والكسكس، فعليك بزيارة مطعم «المدينة»، حيث يمكنك تناول العشاء في شرفة تطل في الآن ذاته على المدينة والشاطئ والواجهة البحرية. كما يوجد مطعم «ماما ميا» الواقع في إحدى حدائق شارع الكويت، والذي يقدم أطباق المطبخ التونسي التقليدي.

تضم مدينة الحمامات مركزًا ثقافيًا ساحرًا بناه في عشرينيات القرن الماضي جورج سيباستيان ، وهو ما يُعرف بفيلا سيباستيان، وقد وصفها المهندس المعماري فرانك لويد قائلاً أنها أجمل دار رآها، وشهد المكان إقبالاً ملحوظًا خلال تلك الحقبة، وكان من بين مرتاديه أسماء مثل الكاتب أندريه جيد، والرسام باول كلي وغيرهما. وتعد الحدائق من الأماكن الجديرة بالاستكشاف، والتي تضم مدرجًا رومانيًا يحتضن خلال شهري يوليو وأغسطس مهرجان الحمامات الثقافي الدولي، الذي يقدم عروضًا فنية عربية وعالمية، ورقصًا وأعمالاً مسرحية.

أنشطة ورياضات
تتنوع الأنشطة التي يمكن ممارستها في الحمامات، فإذا كنت تتمتع بلياقة عالية، يمكنك ممارسة الغوص، والمشاركة في دورات في أساليب الغوص بنادي «سميرة فينوس»، أو «مركز الغوص» في ميناء الياسمين. ومن الأنشطة المشهورة، أيضًا، رياضة الغولف. ويوجد غرب المدينة ناديان للغولف، أحدهما «نادي الياسمين» ويضم ملعبًا ذا 18 حفرة وثانيهما ذو 9 حفر للمبتدئين، والآخر، «نادي سيتروس» الواقع وسط بساتين أشجار الزيتون والليمون، وفيه ملعبان أحدهما من الدرجة الأولى ذو 18 حفرة والآخر ذو 9 حفر. ولمحبي الفروسية يوفر «نادي المرازقة للفروسية» إمكانية ركوب الجمال والخيل في التلال المحيطة. وإذا كنت ممن يبحثون عن التدليل أو علاج مرض التهاب المفاصل، فعليك بمراكز العلاج بمياه البحر التابعة لفندق «بيل آزور» Bel Azur، أو المنتجع الضخم في فندق أميلكار بالحمامات الجنوبية.

جولة في سبع ساعات
في جولة لن تستغرق أكثر من سبع ساعات، يمكنك التنقل من الحمامات إلى الوطن القبلي والعودة إلى المدينة عبر محطات توقف في الأماكن ذات الاهتمام والجذب السياحي. المحطة الأولى هي مدينة نابل، القاعدة الإدارية للمنطقة، علاوة على كونها مركزًا للخزف، والنحت على الحجر، والصناعات المختلفة. في هذه المدينة يمكنك في أيام الجمعة زيارة السوق الأسبوعية وما تعرضه من زجاج وجلود ومجوهرات وأوانٍ خزفية، كما يمكنك الاطلاع على تاريخ المنطقة من خلال مشاهدة المجوهرات البونيقية وتماثيل «بعل أمون» Thinissut.

على بُعد نحو 20 كيلومترًا شمال شرق مدينة نابل، تقع مدينة قُرْبة، وهي مدينة صغيرة شهيرة بسوق الأحد الأسبوعية، وزراعة الفراولة والطماطم. وكانت موقع مدينة يوليا كوروبيس Julia Kurubis القديمة. لم يبقَ من آثارها سوى جسر. ومن الآثار الباقية من العهد الإسلامي رباط صغير صُمم للدفاع والحماية ضد هجمات القراصنة. ويمتد الطريق الرئيس إلى محطتنا المقبلة: قليبية، بموازاة بحيرة قُربة التي تعد من أرقى مناطق مراقبة الطيور في تونس، وأجمل المناظر في الشتاء، عند تجمع طيور الفلامينغو الوردية فوق مياه البحيرة.

عند وصولك قليبية اتبع اللوحات الإرشادية المؤدية إلى «الميناء»، و«الشاطئ»، حتى تصل إلى حصن مضلع كبير بُني على أيدي القرطاجيين في القرن الثالث قبل الميلاد. تطل أسوار قليبية على مناظر خلابة، ويفتح الحصن أبوابه للزوار بين الساعة الثامنة صباحًا والسادسة عصرًا. ويمكنك النزول عبر درجات سلم حديدي إلى خمسة سراديب متداخلة، تمتاز قليبية علاوة على ذلك، بشواطئها الرملية الممتدة، وتعتمد أساسًا على الزراعة والصيد. وظلت المدينة حتى الآن بكرًا، لم تمتد إليها أيدي المطورين ولا يرتادها كثير من السياح.

في عام 1952 اكتشف موقع مدينة القرطاجيين «الكركوان» التي تعد نموذجًا لنمط حياة السكان في القرن الرابع قبل الميلاد. تعد المدينة بموقعها المتميز على حافة جرف منخفض مطل على البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة أشجار الصنوبر التي تقع خلفها، موقعًا ملائمًا للرحلات والنزهة. من بين أطلال منازل المنطقة يمكنك مشاهدة الحمامات العتيقة بأرضيات الفسيفساء الوردي والأبيض وأحواض الاستحمام الجميلة. ويعرض متحف، في الموقع نفسه، قطعًا أثرية للقرطاجيين من جميع أنحاء البلاد، منها المجوهرات، وأحجار الرحى، والأواني الفخارية، ومكاحل العين، ومرشات ماء الزهر، والورد، والياسمين.

المحطة التالية في هذه الجولة هي جبل الأبيض، الذي تستطيع أن تشاهد وأنت على قمته، في ليلة صافية، أضواء جزيرة صقلية، التي تبعد عن الموقع 140 كيلومترًا. وعند تسلق الجبل والصعود نحو 400 متر يطالعك منظر خلاب من جهة الشمال الشرقي للقمة، عبر مضيق صقلية. يمكنك الوصول إلى هناك عبر شارع علي البلهوان في قرية الهوارية.

تشتهر الهوارية بكهوفها ومغاراتها العجيبة، التي تعود إلى العهد الروماني، وتقع على شاطئ البحر مباشرة. وقد استخدمت صخور حجر الكلس ذي اللون البرتقالي المائل إلى البني في العهدين الروماني والبيزنطي لأغراض النحت الزخرفي. وقد تشاهد، إن حالفك الحظ، أحد الصيادين يطلق صقره، حيث إن صيد تلك الطيور وتربيتها جزء مهم من حياة أهل هذه المدينة في العصور القديمة. ويستخدم نوعان من هذه الطيور: صقر الشاهين «البرني»، وصقر الساف sparrow falcon. وعلى الطريق إلى الكسارات «مراكز تكسير الصخور» يوجد مركز لهواة الصيد بالصقور، كما يُقام مهرجان لصيد االصقور كل عام خلال شهري مايو أو يونيو، ويمثل بداية موسم الصيد.

محطتنا الأخيرة قبل العودة إلى الحمامات هي مدينة النقاهة «قُرْبص». الطريق من الهوارية يمر عبر مناطق ريفية مفتوحة قبل الهبوط المفاجئ نحو الخط الساحلي. وقبل الوصول إلى البلدة تتدفق ينابيع مياه كبريتية ساخنة تصب مباشرة في مياه البحر بمنطقة يطلق عليها اسم «عين العتروس».

إذا كان لديك متسع من الوقت، فلا تدع فرصة زيارة كل من قرى تكرونة، وسيدي خليفة، وسيدي الجديدي، الواقعة في منطقة خليج الوطن القبلي، وقبل الوصول إلى الأخيرة ستجد مركز «كين» التراثي الذي يضم ورشًا حرفية، ومعروضات، ومتحفًا، ومطعمًا. أما إذا ذهبت إلى هناك في ليلة صيفية، فيمكنك تناول وجبة العشاء والاستمتاع، في أثناء ذلك، بعروض فلكلورية، في منطقة مخيمة، راجين لكم رحلة سعيدة.