الذئب الغادر
• بقلم: محمد سعيد المولوي
• رسوم: ريم الكوسا
كان الذئبُ الأغبرُ مريضًا، لا يستطيعُ الحركةَ أو الصَّيدَ، لذا وجَدَ له مكانًا في الغابةِ أوى إليهِ ليستريحَ، ورقَدَ فيه ثلاثةَ أيامٍ دون طعامٍ، فأحسَّ بالجوعِ الشَّديدِ يعتصرُ معدتَه، فخرجَ من مخبئهِ على ضعفٍ يبتغي طعامًا، ومرَّ على أرنبٍ، فخافت الأرنبُ، فجرتْ مسرعةً ناجيةً بنفسِها، وأراد الذئبُ أن يلحقَ بها، ولكنَّه عجز عن ذلك لضعفِهِ.
ووصلَ الذئبُ إلى النهرِ، فوجدَ مجموعةً من الجواميس تشربُ الماءَ، فاستبشرَ خيرًا وتقدَّمَ نحو أحدِها بخطى ضعيفةٍ يريدُ صيده، فنطحه الثورُ نطحةً قويةً رمتْ به بعيدًا، وابتعد الذئبُ ناجيًا بنفسِهِ والألمُ يملأ جسمَه من أثرِ النَّطحةِ.
ورأى الذئبُ قطيعًا من حميرِ الوحشِ ترعى الكلأ، فقال هذه لحمُها أطيبُ وليس لها قرون، وتسلل من وراء أحد الحمير يريد صيده، فرفسَه برجليه رفسةً عنيفةً كانت أشدَّ إيلامًا من نطحةِ الثورِ.
كان الثعلبُ واقفًا على طرفِ النهرِ يشربُ، فآلمه ما حلَّ بالذئبِ، ورأى الذئبَ يقومُ بصعوبةٍ، فيمضي غير بعيدٍ، ويلقي بجسدِه على الأرضِ. ورقَّ الثعلبُ لحال الذئبِ، فطالما اصطاد الذئب وجاء الثعلب يشاركه في صيده.
اقترب الثعلبُ من الذئبِ فرآه ضعيفًا حزينًا، ودمعتان تجولان في عينيه، وقال الثعلبُ مرحبًا يا ابن العم، مالي أراك حزينًا؟ وأجابَ الذئبُ: إني مريضٌ، وقد مضتْ عليَّ ثلاثةُ أيامٍ بلا طعام، وقال الثعلبُ: لا عليك انتظرْ.
مضى الثعلبُ إلى خمِّ دجاجٍٍ يعرفه، فاصطاد منه ديكًا سمينًا ورجع به إلى الذئبِ والدَّمُ يسيلُ من جسمِ الديكِ، وريشُه يتطايرُ في الهواء، وقال: تفضَّلْ كلْ، والتهمَ الذئبُ الديكَ بسرعةٍ وراح يلحسُ شفتيه بلسانه.
سألَ الثعلبُ الذئبَ.. هل شبعتَ؟ فقالَ الذئبُ: لا، فمضى الثعلبُ ثمَّ عاد وهو يحملُ في فمهِ دجاجةً لا يزال يختلج جناحاها ووضعها أمامَ الذئبِ، الذي هوى إليها بفمهِ وأنيابِه وأظفارِه، فمزَّقها قطعًا وابتلعها.
أحسَّ الذئبُ بالنشاطِ والقوةِ بعد أن الْتَهمَ الطائرين، واستمرأتْ نفسُه الطعامَ، فقال للثعلبِ خذني إلى خمِّ الدجاجِ، وبينما هُما في الطريقِ سألَ الذئبُ الثعلبَ: هلْ ذقتَ يومًا طعمَ لحمِ الثعالبَ، فأوْجَسَ الثعلبُ في نفسِهِ خيفةً، فراح يركضُ أمامَ الذئبِ وعينُه الأولى على الطريقِ والأخرى على الذئبِ.
انحَرفَ الثعلبُ عن الطريقِ، وراح يجري بسرعةٍ والذئبُ خلفَه، وصعدَ تلَّةً لا يبِيْنُ ما وراءها، ولما وصل إلى رأسِ التلَّةِ انحدر مسرعًا، وركضَ الذئبُ ملهوفًا ليرى أمامَه قطيعًا من الغنمِ، فسُرَّ من منظرِها وقال هذا أطيبُ من لحمِ الدجاجِ والثعالب.
لَمْ يكُنْ الذئبُ يدري ما ينتظره، فقد شمَّتْ كلابُ الحراسةِ رائحتَه، فهاجمته وراحت تنهشه حتى أدمته وصار بعيدًا، وسقط على الأرضِ متعبًا جريحًا.
جاء الثعلبُ وهو يضحك، وقال له: أرأيتَ يا صاحبي جزاءَ الخيانةِ والغدرِ، فلقد خدمتُك، وأطعمتُك، واصطدتُ لك، وقرَّرتُ أن أقودَك إلى خمِّ الدجاجِ، ولكنِّي أحسستُ أنَّك تريدُ افتراسي، فسقتُك إلى الكلابِ حتى تأخذَ درسًا بأنَّ الغدرَ عيبٌ، وسوءُ تصرفٍ، ولؤمٌ، وأنَّه يعودُ على صاحبِهِ بالضَّررِ.