April_09Banner


سباقات الهجن
جمال وأصالة
يُعدُّ سباق خادم الحرمين الشريفين للهجن واحدًا من أكبر السباقات في العالم.

تميَّز مهرجان الجنادرية عبر مسيرته، بالاهتمام بالموروث الثقافي والتراثي، ومنه سباق الهجن الذي أخذ حيزًا كبيرًا من الاهتمام والمتابعة منذ ربع قرن، حتى أصبح سباق خادم الحرمين الشريفين للهجن، الذي انطلق عام 1393هـ، 1974م، النشاط الذي يفتتح به المهرجان.. إذ يُعدُّ واحدًا من أكبر السباقات في العالم، ويشترك فيه ما يقارب 1500 من الإبل.

الرياض: نزار الغنانيم
تصوير: هشام شما

يجري سباق الهجن وفق قواعد وشروط محددة، يعرفها المشاركون في السباق وكذلك المتابعون له. وتشمل هذه القواعد: مواصفات ميادين السباق، وصفات الهجن المشاركة فيه، وإجراءات تنظيم السباق. وتتباين ميادين السباق من بلد إلى آخر من ناحية الشكل، فقد تكون على شكل مضمار مستقيم أو بيضاوي أو دائري، وعادة ما تكون مجهزة بمنصة رئيسة للمشاهدين، تمكنهم من متابعة السباق في مراحله المختلفة. ويتضمن الميدان تجهيزات فنية تساعد على ضبط السباق ومتابعة تحكيمه، ويتم السباق لمسافات مختلفة، لا تتعدى عادة دورة واحدة حول الميدان، وهي تراوح بين 8كم و10كم، وقد تصل إلى 22كم.

الإبل التي تشارك في سباق الهجن كلها من سلالات عربية أصيلة، تُعرف عادة بأبناء أو بنات «النوق الأصايل»، وتتصف بمميزات خاصة تؤهلها للجري السريع، إضافة إلى صفاتها المعروفة والتي تشترك فيها مع سائر الإبل، فهي ذات سنام واحد، ورقبة طويلة، وأكتاف وقوائم قوية. كما تتميز بضمور الجسم، والرشاقة، وخفة الحركة، والسرعة، والقدرة على التحمل، والاستجابة للتدريب. ويراوح وزن الواحدة منها بين 500 كغم و600 كغم.

تشتمل إجراءات سباق الهجن على تحديد نوع الهجن المشاركة، وعمرها، وفئاتها، وفترات السباق. تشترك كل من الجمال والنوق عادة في أشواط مستقلة، وقد يكون هناك بعض الأشواط المختلطة، كشوط الهجن السودانية. يشترط لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، أن تكون الهجن المشاركة في كل شوط من الأشواط في السن نفسها، وكذلك، وضع الإبل في فئات متجانسة من حيث مستوى اللياقة، أي عدم وضع الهجن المعروفة بلياقتها العالية في الفئة نفسها مع غيرها من الإبل التي لم تتضح قدراتها. إلا أن هناك بعض الأشواط المفتوحة، يُسمح فيها بالمشاركة لجميع من يرغب، وذلك لإضفاء المزيد من روح التنافس واكتساب خبرة عالية في السباق.

يتم تدريب الهجن على أربع مراحل، تهدف المراحل الثلاث الأولى منها إلى ترويض الهجن وتعويدها على الانصياع للأوامر، على يدي «المُضمر»، وهو الشخص الذي يقوم بترويض الهجن، بينما تهدف المرحلة الرابعة إلى تدريب الهجن على الجري السريع، ويتولى مهمة القيام بها، «المطي» وهو الشخص الذي يقوم بتدريب الهجن على السرعة. تبدأ المرحلة الأولى، وهي مرحلة الترويض، عندما تكون الهجن «مضربة» أو «لقية»، أي في الثالثة من عمرها، ويتم في هذه المرحلة ربط رأس الجمل بحبل، يربط طرفه الثاني في جذع شجرة، ما يدفع الجمل إلى محاولة التخلص من الحبل، معتمدًا على قوة جسمه، لكنه يرضخ في النهاية، بعد فشله المتواصل في التخلص من الحبل.

يوضع في المرحلة الثانية، «الشدّاد»، وهو الخشب الذي يثبت على ظهر الجمل في المسافة بين رقبته وسنامه، ويثبت «المحوى»، وهو مصنوع من ليف النخيل، على «المركب»، وهو المسافة بين سنام الجمل وذيله، بوساطة حبل يسمى «المحقبة»، ويثبت «الشدّاد» من الجهتين اليمنى واليسرى بواسطة «البطان»، وهو حبل من الصوف يربط على بطن الجمل، ويربط بـ «الشدّاد» حبل آخر يسمى «الزوار» نسبة إلى زور الجمل، لأنه يثبت أمام زور الجمل.

تأتي بعد ذلك، المرحلة الثالثة، وهي مرحلة ركوب الجمل الذي يكون «مقلوصًا»، أي مربوطًا في جمل آخر، سبق ترويضه، يعلمه أولاً «صد العصا»، أي الانصياع إلى اتجاهات العصا التي يستعملها المضمر، ثم يبدأ بعد ذلك تدريب الجمل على الجري البطيء من خلال ربطه أيضًا بجمل آخر مدرب. ويتم في المرحلة الرابعة، تدريب الهجن على الجري السريع. يسمح للجمل بشرب كمية أقل من الماء، ويتم إطعامه من البرسيم والحليب الطازج، ويبدأ التدريب بالجري لمسافة كيلو مترين، ثم تزداد المسافة تدريجيًا، حتى تصل إلى عشرة كيلو مترات، ويتم التدريب في البداية بـ «القلص» ثم دونه، وتدخل الهجن بعد ذلك، في مسابقات تمهيدية، تتم فيها تصفيات نهائية تنتقى فيها أفضل الهجن الفائزة، لتدخل في السباقات الفعلية.

يطلق اسم «الراكب» على الشخص الذي يقود الهجن في السباق، ويسمى أيضًا «الركبي»، ويكون غالبًا ذا وزن خفيف، حتى لا يثقل على الهجن في أثناء السباق. ولا بد من أن يكون مدربًا على ركوب الهجن في السباقات، وخبيرًا بكيفية التعامل معها في أثناء الجري، قادرًا على تنفيذ تعليمات المدرب تجاه الهجن.

تتحرك الإبل بسرعات مختلفة، حيث تبدأ بطيئة، ثم تزاد تدريجيًا، لتصل إلى أقصى سرعة، وتتمثل هذه السرعات في المشي أو «التهدئة» وهو أبطأ سرعة للهجن، ويمكن أن يواصل السير بها طوال اليوم ولمسافات طويلة، فإذا زادت سرعة المشي قليلاً سمي خبيبًا، وهي السرعة الثانية للهجن، وتختلف المسافة التي يمكن أن يقطعها الهجن بسرعة هذه المرحلة حسب قدرته. أما «الصفيف» فهو أسرع من الخبيب، وترتاح الهجن للصفيف، فهو لا يرهقها، وتستطيع أن تستمر فيه لمدة طويلة، تقطع خلالها مسافات طويلة. يأتي بعد ذلك «الدلي» وهي درجة من السرعة أقل من القصوى، أي أن بعض الهجن تلجأ إلى «الدلي» عندما تتعب من الجري بالسرعة القصوى، وتستطيع الهجن من خلالها أن تجري مسافة أطول من سرعة الركض العادي، وإن اختلف ذلك من هجين إلى آخر. في هذه المرحلة يمد الهجين يديه ورجليه، متخالفتين، ويسمى الجري بأقصى سرعة الركض، ولا تستطيع الهجن الاستمرار في الركض طوال فترة السباق، لكنها تراوح عادة، بينه وبين «الدلي»، وتتفاوت قدرة الهجن على إكمال الجري بأكبر مسافة ممكنة، وفيه ترفع يديها ورجليها عن الأرض معًا، وتجري بأقصى سرعة لها وكأنها تقفز قفزًا.

يتبع سباق الهجن مجموعة من الاحتياطات الواجب الالتزام بها، ومنها تكميم فم الهجن بين الوجبات، حتى لا تأكل شيئًا لا يراد لها أن تتناوله، وتغطية أجسامها ليلاً بما يناسبها، حفاظًا عليها من البرد، وعدم تعريضها لتيارات هواء شديدة أو حرارة بالغة، والاهتمام الشديد بصحتها، وتغذيتها، كما يجب منعها عن الأكل لفترة 17 ساعة قبل السباق، ومن الشرب لمدة يوم أو أكثر، وهو ما يسمى بـ «التقفيل»، وذلك لتدخل السباق بحالة نفسية جيِّدة، تعرف بـ«التحفيز».