April_09Banner


فقه المسافر
آداب وأحكام ينبغي للمسلم أن يتنبه إليها في حله وترحاله.

حمد بن عبدالله بن خنين
مستشار شرعي، عضو الجمعية الفقهية السعودية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

يختص السفر بجملة من الأحكام والآداب الشرعية التي تتطلب من المسلم تعلمها ومعرفتها والإلمام بها، حتى يكون على دراية من أمره وفي شتى شؤونه. ويلاحظ التردد عند السفر، ويجبر بصلاة الاستخارة قطعًا للتردد والقلق في اتخاذ القرار، لحديث جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن»، وهذا الحديث رواه البخاري. ومن الأدب استئذان الوالدين، لحديث عبدالله بن عمرو، رضي الله عنهما، أنه قال: «جاء رجل النبي، صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد». رواه البخاري. يقول الحافظ بن حجر: «واستدل به على تحريم السفر بغير إذن الوالدين، لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته، فالسفر المباح أولى». ذكر ذلك في فتح الباري الجزء 6 صفحة 173.

كما ينبغي الحرص على الرفيق الصالح، الذي يُعين المرء على دينه ودنياه، فهو حامل المسك الذي إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. من روايتي البخاري ومسلم.

كما أن معرفة أحكام السفر وآدابه مطلوبة عن طريق سؤال أهل العلم والمعرفة، أو بقراءة الكتب المتخصصة، أو سماع المحاضرات وحضورها، ونحو ذلك من المواد المتوافرة.

كما أن رد الأمانات وسداد المستحق في الذمة مطلوبان، يقول الله تعالى: }إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها{ النساء 58. فالمسافر لا يدري ما يعرض له في أثناء سفره، فلذا كان عليه أن يبرئ ذمته من هذه الديون أو الودائع والأمانات، كما يلزم المسافر ترك شيء من المال لمن تلزمه النفقة عليه كالزوجة، والأولاد، والوالدين، ونحوهم، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يقوت» رواه أبو داود. وعند السفر يستحب توديع الوالدين، والأهل، والأصدقاء، والجيران، والدعاء لهم، وطلب الدعاء منهم. فعن سالم أن ابن عمر، رضي الله عنهما، كان يقول للرجل إذا أراد السفر: «ادن مني أودعك، كما كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يودِّعنا، فيقول: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» رواه الترمزي. ومن السنة إذا سافر ثلاثة فأكثر، يُؤمَّر أحدهم، لحديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمرِّوا أحدهم» رواه أبو داود. وهذا العمل فيه توحيد للقول والعمل ومصلحة ظاهرة، حيث إن كثرة الآراء تفسد السفر وتعكره. كما أن السفر يوم الخميس نهارًا مستحب، لحديث كعب بن مالك، رضي الله عنه، «أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس» رواه البخاري، وأن يكون باكرًا، لقول صخر الغامدي، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، قال: وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجرًا، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثُر ماله. رواه الترمذي. وقد يحرص المسافر على البكرة ولو ليلاً، لحديث أنس، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «عليكم بالدلجة، فإن الأرض تُطوى بالليل». رواه أبو داود. فإذا بدأ بالرحيل دعا بدعاء السفر، لحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبَّر ثلاثًا، ثم قال: «سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل»، وإذا رجع قالهنَّ وزاد فيهن، «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» رواه مسلم. كما ينبغي ألا ينسى أذكار اليوم والليلة الواردة، وإذا نزل منزلاً يقول ما ورد في حديث خولة بنت حكيم السلمية، رضي الله عنها، حيث تقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» رواه مسلم. كما عليه التكبير إذا صعد الثنايا، والتسبيح إذا هبط الأودية، لحديث جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، قال: «كنا إذا صعدنا كبَّرنا وإذا نزلنا سبَّحنا» رواه البخاري. والدعاء أيضًا في السفر مستجاب، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» رواه الترمذي. ومن الآداب في السفر الرفق في جميع الأمور والتعاملات مع الجميع، وفي أثناء القيادة والأصحاب والأهل، يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة والسلام: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير» رواه مسلم. كما على المسافر، قبل العودة، إخبار الأهل بموعد قُدومه من السفر، وعدم مباغتهم ليلاً، وهم غافلون، لحديث أنس رضي الله عنه، قال: «كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يطرق أهله، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية». رواه البخاري. ويقول: «إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة» رواه البخاري ومسلم. وإذا رجع ورأى بلدته يقول: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» رواه مسلم. ويبدأ بدخول المسجد فيركع فيه ركعتين، لحديث كعب بن مالك، رضي الله عنه، «أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين» متفق عليه. ومن الآداب أن يكون أهل بيته وصبيانه في استقباله، لحديث عبدالله بن جعفر، رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا قَدِم من سفر تُلُقِّي بصبيان أهل بيته» رواه مسلم. كما لا ينسى المسافر جلب الهدايا للأهل والأولاد، لما تجلبه الهدية من إدخال الفرح والسرور عليهم بعد الانقطاع عنهم، ويستحب صنع الوليمة للقادم من السفر، لحديث جابر بن عبدالله، رضي الله عنهما، «أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قَدِمَ المدينة نحر جزورًا أو بقرة». رواه البخاري
.