جزاء الغراب
• بقلم: محمد سعيد المولوي
• رسوم: ريم الكوسا
كان خالد يسْكنُ في دارة «فيلا» تحيط بها حديقةٌ كبيرةٌ، تنوعتْ أشجارُها من جوز، وسرو، ومشمش، وحور, وإلى جانب حديقة داره، كانت هناك دارات «فيلات» حافلة بالأشجار، ما أغرى العصافير والطيور، ولا سيما حَمَام اليَمَام، بالسَّكن فيها، وقد حرصت العصافير والحَمَامات على المقام في هذه الحدائق، لأنَّ أصحابَ الدُّور كانوا يضعون للطيور ما يزيد عنهم من بقايا الطعام.
مرَّتْ بالحدائق مجموعةٌ من الغِرْبان، فأعجبها حُسْنُ الحدائقِ وكثرةُ الأشجارِ ووفرةُ الطَّعامِ وتنوُّعِه، فأقامتْ الغِرْبان في تلك الحدائق, وكان بين هذه الغِرْبان غُرابٌ شرسٌ مؤذ،ٍ فهو لَمْ يكتفِ بما كان يضع أصحابُ الدارات والفيلات من الطَّعام، بل كان يطوفُ على أعشاش العصافير والحَمَام واليَمَام، فيأكل البيض الموجود فيها، أو يأكل ما يَجِدُ من فراخ لهذه العصافير والطيور.
كانت العصافير والحَمَامات تتألم لما كان يُصيْبُ بيضها وفراخها. فشكَّلتْ وفدًا مضى إلى الغُراب واشتكى للغُراب ما يصنع بهم. وحضّوه على الأكل مما يُقدِّم لهم أصحابُ الحدائق، لترك بيضهم وفراخهم, لكن الغراب المؤذي أجابهم بكلِّ صَلَفٍ وكبرياء: أنا حرٌّ وآكلُ ما أشاء، وفي أي مكان أريد.
عاد وفْدُ الحَمَامات والعصافير خائبًا كسيرًا, وظلَّ الغراب يؤذي دون رادع. ويومًا حضر خالد إلى دارته فرأى منظرًا أدمَى قلبَه، فإنَّ أرانبه الصغيرة التي أطلقها للتنزه، عَدَا عليها الغرابُ، إذ كان يحمل الأرنب الصغير ويعلو به في الجوِّ ثم يُطْلقه فيسقط على الأرض ويموت, ثمَّ ينزل فيشق صدره ويأكل قلبَه. وأحسَّ خالد بغضبٍ شديدٍ وهو يرى أرانبه صرعى على الأرض ميِّتةً، وقرَّر الانتقامَ من الغُراب، فأحضر بندقيته ليطلق عليه النار، ولكنَّه توقَّفَ وقال في نفسه: لا، إنْ أطلقتُ عليه النار فأنا قويٌّ يجرب قوته على ضعيفٍ، ولا يكون هناك فرقٌ بيني وبينه، فهو قويٌّ يستعمل قوَّته على الطيور الضعيفة، وأفضلُ شيء أن أعلِّمَ الغُرابَ ورفاقَه درسًا لن ينسوه.
أحْضَر خالد منظارًا مقرِّبًا، وراح يراقب حركات الغِرْبان بشكلٍ عام، وحركات الغُراب المؤذي بشكلٍ خاص، حتى كان يوم رأى فيه الغُرابَ جالسًا في عُشِّه، وحين طار عن العُشِّ، رأى في العشِّ بيضةً، وانتظر خالد إلى اليوم الثاني، فأصبح عدد البيضات اثنتين. وانتظر يومين آخرين وهو يرى الغُراب يجلس على البيض، حتى إذا طار الغُرابُ يريد طعامًا وضع خالد سلّمًا وصعد إلى عشِّ الغُراب وأخذ بيضه ووضعه في عُشِّ أحد طيور الحَمَام.
وقَفَ الحَمَامُ مدهوشًا ممَّا حصل، واجتمع قريبًا من العُشِّ الذي وضع خالد فيه البيض، وعاد الغُرابُ إلى عُشّه فلم يجد بيضه، فغضب واعتقد أن الحَمَام قد أكل بيضه، وقرَّر الانتقام من الحَمَام وطار في الجو، فرأى الحَمَامَ مجتمعًا على عُشٍّ فيه بيض، فظنَّ أنَّه بيض حَمَام، وأعمى الغضبُ عينيه، فلَمْ يدركْ نوع البيض, وانقضَّ على البيضتين وكسرهما وأكلهما. وكانت الحَمَامات تصفِّق بأجنحتها وتبدي فرحها, وعَجِبَ الغُرابُ من موقف الحَمَامات، وتقدمتْ حمامةٌ وقالت للغُراب: هل تعْلَم أنَّك أكلتَ بيضك، وفجعتَ بأولادك، وشربتَ من الكأس التي كنتَ تسقينا منها؟ وانتبه الغُرابُ وهو يأكل البيض كان يحسُّ أن طعْمَه مختلفٌ عن طعْم بيض الحَمَام، وعَلِمَ صدقَ الحَمَام وشعر بالهزيمة.
كانت الحَمَامات تغرِّدُ مسرورةً، وطار الغُرابُ محزونًا هاربًا، لا يكاد يرى طريقه, ومِنْ حُزنه لَمْ يرَ غُصْنَ شجرةٍ متدليًا، فاصطدم به، وسقط على الأرض، وقد انكسرتْ رقبته وتوفي. وقالت إحدى الحَمَامات: هذا جزاءُ الظَّالمِ، ومَنْ حَفَرَ حفرةً لأخيه وقع فيها عن قريب.