حقل.. بين البحر وجبل اللوز
مدينة سياحية تحتضنها الجبال وتغفو على خليج العقبة.
ساحل يجمع بين السحر والروعة، حيث يبدو المكان آهلاً وبكرًا، باردًا ومعتدلاً، جديدًا كنواة مدينة حضارية،
وقديمًا قدم رحلة الشتاء والصيف، تشهد على ذلك مخطوطة كتاب «رحلة الشتاء والصيف» لمحمد بن عبدالله الحسيني الشهير بكبريت، إذ ذكر محافظة حقل التي تتمتع بهذا الساحل الساحر في مخطوطته قائلاً: «فيها نخيل وآبار طيبة الماء، وكانت حقل المنزل التاسع من مسيرة الحاج المصري من بلاده».
تقع محافظة حقل في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية، على الساحل الشرقي لخليج العقبة. وتجاورها قرى ومدن ساحلية عديدة مثل: ضبا، ومقنا، وراس الشيخ حميد، وشرماء، ومقيال، وقرية البدع التي توجد بها آثار مدائن شعيب، وهي تشبه، إلى حد كبير، مدائن صالح في أنها بيوت منحوتة في الجبال، وقد ذكرها الله في القرآن الكريم، قال تعالى: }وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره{ ولقد عُذبت قبيلة مدين بالرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين! كما أن محافظة حقل تتبعها مراكز عديدة مثل الدرة، وهو منفذ على الحدود السعودية الأردنية، وعلقان، والزيتة، وأبوالحنشان، والوادي الجديد، وجميعها تتبع منطقة تبوك التي تبعد عنها مسافة 200 كيلومتر. تتميز حقل بموقع استراتيجي مهم، إذ تطل على ثلاث دول مجاورة هي: الأردن، وفلسطين، ومصر. فهي لا تبعد عن مدينة العقبة سوى مسافة 30 كيلومترًا، كما يمكن رؤية أضواء مدينة إيلات ليلاً من على أحد جبال حقل، ومن شاطئ راس الشيخ حميد يمكن رؤية جبال سينا التي تبعد نحو مسافة 13 كيلومترًا تقريبًا يفصل بينهما خليج العقبة.
التاريخ والتسمية
لم تتكون نواة حقل كمدينة حضارية إلا عام 1359هـ في عهد الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، الذي اهتم بها، نظرًا لموقعها الجغرافي وأهميته، فبنيت فيها أولى قلاعه «قلعة الملك عبدالعزيز» على مساحة تقدر بنحو 2000 متر مربع، وقد بُنيت من الحجارة البحرية، والطين، والأسمنت، وسقوفها من الخشب بأيدي أبناء مدينة حقل منذ أكثر من ثمانين عامًا. وقد كانت هذه القلعة الحصينة مخصصة للإمارة. أما اليوم فهي تعد من المعالم الأثرية في المنطقة، وإن تكن قد طالها الإهمال وتحتاج إلى ترميم، لكن الكتابة المنقوشة على مدخل القلعة، والتي تحتوي على اسمها، والعام الذي بُنيت فيه ما زالت ماثلة أمام الرائي، وشاهد على التاريخ.
سميت المنطقة حقلاً نسبة إلى الموضع الطيب والبكر الذي لم يزرع فيه قط، وهي تسمية قديمة تشهد على ذلك قصائد الشعراء، وكتب الرحالة الذين زاروا الموقع منذ مئات السنين. وقد ذكر ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» أن حقل مكان دون أيلة بستة عشر ميلاً، وكان لعزة محبوبة كُثيِّر، بستان فيها، ولعل أبيات كُثيِّر عزة التي قيلت في هذا الموضع سنة 732م شاهدة على قدم التسمية والمكان:
سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا
بحقل لكم يا عزّ قد رابني حقلا
وقد ذكر هشام بن السائب الكلبي صاحب كتاب «جمهرة الأنساب» في كتبه الجغرافية أن «حقل هي ساحل تيماء». وهذا يوضح مدى أهمية حقل قديمًا كميناء وموضع، فتيماء كانت تعد مركزًا من مراكز الحضارة العربية القديمة، وذلك لوقوعها على طريق التجارة الواصل بين بابل، ومصر، ومكة، والشام.
كما ذكرت شعرًا في مخطوطة كتابه «رحلة الشتاء والصيف» لشاعر غير معروف، قيل فيها:
وسارت إلى حقل فروت بمائه
ومرت بوادي قر بعد روائها
الجغرافيا والسياحة
تتميز حقل بتضاريس رائعة ما بين السهول الممتدة وجبال اللوز التي تبعد عن حقل 80 كيلومترًا جنوبًا، والتي تعد الأكثر علوًا في المملكة العربية السعودية، كما تعد ضمن أعلى القمم في منطقة الشرق الأوسط، وحسب ما جاء في بعض الدراسات الأنثروبولوجية أن جبال اللوز هي طور سيناء، مستندة على أدلة تؤكد هذا الاعتقاد. ما يميز جبال اللوز، إضافة إلى علوها المتناهي الذي يمكن زائرها من الفوز بإطلالة جوية قل نظيرها، وطبيعتها الخلابة أن الثلج يكسوها شتاءً، ما يجعلها وجهة محلية للاستمتاع برؤية الثلج والتراشق به. أما في الصيف، فإن حقل يحتضنها البحر، وتحفها الجبال التي نحتتها عوامل التعرية، فظهرت بأشكال غير معتادة. وبالرغم من حجم مساحة حقل الصغيرة، إلا أن شواطئها تجمع تضاريس متنوعة ما بين صخرية ممتدة من الجبال الشامخة، ورملية يظللها شجر النخيل الذي ينمو طبيعًا في أرض بكر. إن تضاريسها ومناخها المعتدل صيفًا، حيث لا تتجاوز معدل الرطوبة في فصل الصيف 30%، يجعل منها مرفأ مثاليًا للسياحة والاستجمام، ومتنزهًا صيفيًا وربيعيًا، ولعل ذلك يعود إلى توافر شواطئ عديدة ومختلفة التضاريس يجد فيها المصطافون ضالتهم، فشاطئ الشريح الذي يمتاز بأرضه المستوية، ويبعد عن المدينة «حقل» مسافة 30 كيلومترًا يعد مكانًا مثاليًا لرياضة السباحة والغوص، إذ تكثر تحت مياهه الشعب المرجانية التي تشكل لوحة بحرية في غاية الروعة تجعل من الغوص نزهة مثيرة. أما شاطئ السلطانية فيقع مواجهًا لميناء نويبع المصري، ويبعد عن مدينة حقل 42 كيلومترًا جنوبًا، ولا تختلف تضاريسه عن شاطئ الشريح من حيث استواء الأرض والشعب المرجانية. أما شاطئ بئر الماشي الذي يبعد عن مدينة حقل نحو 55 كيلومترًا يختلف في تضاريسه عن الشريح والسلطانية، إذ إن أرضه شبه رملية، يتخللها الحصى الصغير، وتنمو أشجار النخيل على أطرافه، لذا هو مكان رائع للتريض، كما تعد الطبيعة البحرية من نخيل، وطيور بحرية، ورمل، هي السمة الغالبة عليه. وما يميز مدينة حقل جزيرة صخرية صغيرة تسمى «جزيرة الوصل»، وسمي الشاطئ الذي يقابلها «شاطئ جزيرة الوصل»، لكن العامة يطلقون عليه «شاطئ السفينة الغارقة»، ويعود ذلك إلى سفينة يونانية قديمة غارقة على ضفاف الشاطئ، وتضفي بعدًا دراميًا على المكان، ومشهدًا مسرحيًا يستحق المشاهدة. جعل منها مزارًا للسياح والباحثين عن المغامرة.
إن حقل تصنف من أهم المواقع القابلة للاستثمار السياحي، كما أنها مهيأة لطبيعة تضاريسها ومناخها أن تكون مقصدًا سياحيًا ليس على المستوى المحلي فقط، بل وحتى العالمي، إذ تعد من أروع الأماكن في الشرق الأوسط لممارسة رياضة الغوص، ومشاهدة تشكيلات الشعب المرجانية الساحرة.
رحلة بأقل التكاليف
إن الرحلة إلى محافظة حقل تعد متعة برية بالرغم من بعد المسافة بينها وبين العاصمة الرياض، إذ تبعد عن الرياض نحو 1600 كليومتر برًا، لكن المشاهد الطبيعية في فصل الربيع تستحق العناء. أما في حالة الرغبة في قطع المسافة بصورة أسرع، فهناك خيار الرحلة الجوية عن طريق تبوك الذي يعد مطارها أقرب محطة لمحافظة حقل.
يوجد في محافظة حقل العديد من الخيارات للسكن، إذ تتوافر الشاليهات الحديثة بخدماتها الضرورية. إن أجمل شيء في حقل والمدن الساحلية المجاورة لها هو متعة الصيد، أو دخول البحر للمتعة والاستجمام. ويتم ذلك عن طريق استئجار قارب يتسع لستة أشخاص في الغالب، ويؤجر باليوم، وتراوح قيمته بين 100 ريال و150 ريالاً في الساعة. يمكن للسائح دخول البحر وصيد ما لذ وطاب من أسماك الكنعد، والهامور، والشعري. وربما تجاوزت حصيلة الصيد خلال أربع ساعات 20 كيلو جرامًا من السمك تكفي لوليمة بحرية رائعة ولذيذة، وتطهى على شاطئ بكر ساحر في مدينة تغفو على خليج العقبة، وتستيقظ على أصوات طيور البحر المسرف في الزرقة والعمق. أما في حالة الرغبة في القيام برحلة سياحية مغايرة إلى مدينة حقل، فبالإمكان الانتظار إلى موسم فصل الشتاء الذي يدق الأبواب الآن، لتكون رحلة باتجاه جبال اللوز، لرؤية منظر عزََّنظيره في أي بقعة من بقاع المملكة العربية السعودية.