June2010Banner

 


مملكةُ النملِ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسم: ريم العسكري

صَاحَ خالد بصوتٍ عالٍ: تعالَ يا أبي وشاهدْ ما يوجدُ على بابِ غرفتكَ، وصاحَ الأبُ من بعيدٍ: ماذَا هناكَ؟ قالَ خالد: لستُ أدري، لكنِّي لمْ أرَ شيئًا مثلَ هذَا منْ قبل. وأسرعَ الأبُ نحوَ غرفتهِ، فإذَا بهِ يرَى أنَّ الخشبةَ التي تُكوِّنُ حاشيةَ البابِ مطليةٌ بلونٍ أحمر يتحركُ، وحينَ تفحصهُ وقفَ مندهشًا وهوَ يقولُ: إنهُ النملُ الطيارُ الأحمرُ يا بنيَّ، وهوَ منْ أخطر أنواعِ النملِ وأشدهَا فتكًا، هوَ والنملُ الأبيضُ.
قالَ خالد: ولمَ هوَ خطيرٌ يا أبي؟ قالَ الأبُ: إنَّ هذَا النملَ قادرٌ علَى هدمِ البيوتِ، فهوَ مغرمٌ بأكلِ الخشبِ، والملابس، والكتبِ، والمقاعد، وهوَ شديدُ الفتكِ، لا يتركُ أخضرَ ولا يابسًا، وكمَا ترَى الآنَ يا بنيَّ أنَّ النملَ قدْ أكلَ طرفًا منَ الخشبِ، وانظرْ إلى الخشبةِ كيفَ فتحَ فيهَا ثقبينِ ليدخلَ وراءهَا، فيبيضَ، ويفرخَ، ويتكاثرَ، ولمْ يكنْ هذانِ الثقبانِ موجودينِ فيهَا.
قالَ خالد: ومنْ أينَ جاءَ هذَا النملُ، فأنَا مَا رأيتُ مثلهُ منْ قبل؟ قالَ الأبُ: إنهُ كمَا يحطُّ الجرادُ علَى المزروعاتِ، فيأكل منهَا الأخضرَ واليابسَ، فإنَّ هذَا النملَ يسعَى إلى البيوتِ، ويتسربُ إلى الأخشابِ، والملابس، والكتبِ، والمفروشاتِ، فيخربهَا، ويقضِي عليهَا، لذَا تجبُ مكافحتهُ سريعًا.

قالَ خالد: أنَا أعرفُ يا أبِي النملَ الصغيرَ الأسودَ الذِي يتجمعُ علَى ما يجدُ منَ الأطعمةِ فيأكلهَا، فمَا هوَ هذَا النملُ؟ قالَ الأبُ: إنَّ هذَا النوعَ منَ النملِ يسمَّى «الذرَّ»، وهوَ منَ الحشراتِ النافعةِ، لأنهُ يخلِّصُ أطرافَ البيوتِ والمزارع منَ النفاياتِ، والقاذوراتِ، والحشراتِ. وسألَ خالد: كنتَ ذكرتَ يا أبِي أنَّ هناكَ نملاً أبيضَ، فمَا هوَ؟ قالَ الأبُ: إنَّ الناسَ تسميهِ «النملَ الأبيضَ» خطأً، لمشابهتهِ النملَ، ولكونهِ أبيضَ، ولكنهُ، في الحقيقةِ، ليسَ نملاً، بلْ هوَ حشرةٌ خبيثةٌ ضارةٌ تسمَّى «الأَرَضَةَ»، والعامةُ يستعملونَ كلمةَ «العثِّ» بدلاً منَ «الأَرَضَةِ»، وهذهِ الحشرةُ أصلُهَا دودةٌ تتحولُ إلى فراشةٍ، كمَا تتحولُ دودةُ القزِّ إلى فراشةٍ، وضررُ هذهِ الحشرةِ كبيرٌ جدًا، لأنهَا تغزُو الملابسَ والكتبَ بشكلٍ خاصٍ، وبعددٍ قليلٍ علَى شكلِ فراشاتٍ، فلا يتنبهُ لهَا الناسُ لصغرهَا، فتدخلُ خزائنَ الملابس والكتبِ، وتبدأُ التهامهَا، وتصبحُ دودةً بيضاءَ، وتبيضُ بيوضًا تفقسُ وتتغذَّى علَى ما أمامهَا منْ ملابس، وكتبٍ، وأثاثٍ، ثمَّ تطيرُ إلى أماكنَ أخرَى. قالَ خالد: علمنَا عنِ النملِ بشكلٍ عامٍ حتَّى نعرفَ عدونَا منْ صديقنَا. قالَ الأبُ: النملُ أنواعٌ كثيرةٌ، أشهرهَا تلكَ الحشرةُ السوداءُ التي تتمتعُ برأسٍ كبيرٍ، وأرجل رفيعةٍ مرتفعةٍ، وفمٍ كبيرٍ، وطولهُا يقاربُ ثلاثةَ أرباعِ السنتيمتر، ويسميهَا العامةُ «جمل حر»، لأنهَا تعيشُ في البرارِي، حيثُ تكونُ الأرضُ حارةً قليلاً، وتتغذَى علَى أوراقِ الشجرِ، ومَا يتساقطُ منَ الثمارِ علَى الأرضِ، وعلَى فضلاتِ الطعامِ، فتنظفُ الأماكنَ ممَّا يمكنُ أنْ تكثرَ فيهِ الجراثيمُ، وينشرُ الأمراضَ. سألَ خالد: أينَ يعيشُ النملُ، عادةً، في المزارع، والبساتين، والغاباتِ؟ قالَ الأبُ: إنَّ النملَ بجميعِ أنواعهِ يعيشُ في حُفَرٍ يحفرهَا في الأرضِ، أوِ الأثاثِ، أوِ الأشجارِ، ويجعلهَا أوكارًا عجيبةً تكونُ الحياةُ فيهَا منظمةً كمَا هي في خلايَا النحلِ، فإنَّ للنملِ ملكةً تديرُ شؤونهُ، وتسيِّر أمورَ الخليةِ، وينقسمُ النملَ إلى مجموعاتٍ، فمجموعةٌ تتولَى جمعَ الطعامِ، وتحضرهُ إلى العشِّ، وتغلفهُ بلعابهَا كي يصمدَ إلى فصلِ الشتاءِ، ومجموعةٌ تدافعُ عنِ الخليةِ منْ داخلهَا، وأخرَى تدافعُ وتصطادُ منْ خارجِ الخليةِ، فإذَا ما هاجمتْ حشرةً كالصرصورِ، أوِ الخنفساء، أوِ الزلقطِ، أوِ العنكبوتِ، فإنَّ مجموعةَ النملِ تهاجمُ تلكَ الحشرة بأعدادٍ كبيرةٍ، فتحاولُ تقطيعَ بعضِ أعضائهَا كالقرونِ أوِ الأرجلِ، ومنهَا ما تمضِي في عضِّ الحشرةِ، محاولةً تسميمهَا حتَّى تنهكهَا، ويعجبُ المرءُ حينَ يرَى مجموعةً منَ النملِ تحملُ إلى عشهَا قطعَ صرصورٍ أوْ خنفساء أكبرَ منْ حجمهَا بمراتٍ، متعاونةً معَ زميلاتٍ لهَا. وأحبُ أنْ تعلمُوا أنَّ بعضَ النملِ في غاباتِ الأمازونِ عضتهُ سامةٌ، وتؤذِي الإنسانَ. أمَّا «الذرُّ» الذِي يعيشُ في البيوتِ، فإنهُ يعضُّ، ولكنْ عضتهُ ليستْ سامةً، وإنمَّا مؤلمةٌ، لوجودِ حمضِ النملِ في لعابهِ. قالَ خالد: تُلاحظُ يا أبي كثرةُ النملِ وأعدادهُ الهائلةُ، وهوَ أمرٌ يدعُو إلى العجبِ. قالَ الأبُ: ليسَ ذلكَ بعجيبٍ، فإنَّ النملَ يبيضُ آلافَ البيوضِ التي تفقسُ نملاً، وإذَا أحببتَ أنْ تأخذَ فكرةً عنْ هذهِ الكثرةِ، فإنَّ للنملِ عدوًا هوَ حيوانٌ بحجمِ الخروفِ الصغيرِ، قوائمهُ قصيرةٌ، ولهُ خرطومٌ طويلٌ مجهزٌ بلسانٍ أطولَ منَ الخرطومِ، مبللٌ، دائمًا، بلعابٍ لزجٍ، ولهُ أظفارٌ قويةٌ طويلةٌ، وهوَ يأتِي إلى أوكارِ النملِ، سواء تلكَ التي في الأشجارِ، أو المحفورة في الأرضِ، أو التي هي تحتَ الحجارةِ، فيخربُ الأوكارَ، ويوسعهَا، ويقلبُ الحجارةَ، فينطلقُ النملُ مذعورًا، فيلمُّهُ بلسانهِ اللزجِ ويأكلهُ، ويكفِي أن تعلمَ أنَّ آكلَ النملِ يأكلُ في اليومِ الواحدِ ما يقاربُ خمسةَ عشرَ ألفَ نملةٍ في اليومِ، وبالطبعِ فإنَّ النملَ يتكونُ جسمهُ منْ معادنَ، وبروتيناتٍ، وموادَ مغذيةٍ تكفِي آكلَ النملِ، وتغنيهُ عنْ أكلِ مَا سواه، ومنْ هذَا العددِ الضخمِ منَ النملِ نعلمُ مقدارَ تكاثرهِ، ولقدْ رأيتُ مرةً «فيلمًا» وثائقيًا في الرائِي عنْ رجلٍ تاهَ في غاباتِ الأمازونِ، ولمْ يكنْ لهُ طعامٌ إلا النمل الذي حفظهُ اللهُ بهِ منَ الموتِ جوعًا، وأحبُ أنْ أختمَ حديثِي يا بنيَّ بأنَّ النملَ آيةٌ منْ آياتِ اللهِ، لما فيهِ منْ عظيمِ قدرةِ اللهِ، تعالَى، وقدْ ذكرهُ اللهُ في القرآنِ العظيمِ، وسمَّى سورةً باسمهِ، والعلماءُ اليومَ يعكفونَ على دراسةِ النملِ، ولا يزالونَ يكتشفونَ في النملِ وحياتهِ مَا يبعثُ على الدهشةِ، والآنَ يا بنيَّ هاتِ قارورةَ المبيداتِ الحشريةِ لنتخلصَ منْ هذَا النملِ الأحمرِ المؤذِي، وعليكَ يا بنيَّ أنْ تراقبَ هذهِ البقعة، وأنْ تعاودَ رشَّهَا بالمبيدِ، لأنَّ البيوضَ الموجودة في الخشبِ ستفقسُ نملاً جديدًا، ويخرجُ المئاتُ منَ النملِ التي استترتْ في الخشبِ، ولمْ يُصبهَا المبيدُ الحشريُّ.