June2010Banner

 


احترسوا من الشاشات
الجلوس أمام شاشات التلفاز والحاسوب أوقاتًا كثيرة يكون سببًا في بعض الأمراض.

د.عبدالبديع حمزة زللي
أستاذ علم التلوث البيئي، رئيس وحدة البحوث الصحية
والبيئية، بفرع جامعة أم القرى بالمدينة المنورة

تعرض الإنسان، ولا يزال، للتلوث البيئي، فقديمًا كانت الملوثات البيئية تكاد تنحصر فيما ينبعث من غازات سامة، وجسيمات دقيقة، ودخان وغبار مصدرها البراكين، أو حرائق الغابات. ومع عصر الآلة ظهرت ملوثات جديدة منها الاحتباس الحراري، وهدير الأصوات المزعجة «ضجيج الأجهزة», ما خلف مشكلات صحية، وأمراضًا مستعصية نتيجة لتعرضه الدائم للمجالات الكهربائية، والمغناطيسية، والكهرومغناطيسية. ومؤخرًا انضمت أصناف جديدة من الأضواء الاصطناعية التي تنتج من الأجهزة المستخدمة في حياتنا اليومية إلى قائمة الملوثات البيئية, تحت ما يسمى بالتلوث الضوئي light pollution.
منذ سنين خلت طالعتنا الأخبار ونشر في الصحف أن برنامجًا مُسليًا للأطفال قد عُرض في تلفاز إحدى الدول, وفي أثناء مشاهدته تعرَّض عدد من الأطفال في أماكن مختلفة لمشكلات صحية مفاجئة, نُقلوا على إثرها مباشرة إلى المستشفيات. ولم يعرف كثير من الناس كيف أدت مشاهدة هذا البرنامج الكرتوني إلى هذه المشكلة.
وحقيقة الأمر أن مشاهدة البرنامج لم تكن السبب المباشر في حدوث هذه الظاهرة، وإنما الإشعاعات الكثيفة الخاطفة التي كانت تنبعث من شاشات التلفازات لتجسيد هذه الأحداث المثيرة في البرنامج كانت وراء تلك الحالات.

راقبوا هذه الأعراض
على كل منا أن يكون حذرًا إذا لاحظ أنه، أو أيًا من أفراد أسرته، تحدث له بشكل متكرر الأعراض التالية عند ملازمته الشاشة وقتًا طويلاً:
• ظهور زغللة في العين، أو ارتعاش في الرموش والجفون.
• ارتعاش في العضلات، أو حركات غير إرادية، أو تشنجات.
• فقدان مؤقت للذاكرة.
• اضطراب نفسي.
وعلى الرغم من أن هذه المشكلات نادرة الحدوث, ولا تحدث إلا للقليل جدًا من الناس، خصوصًا الأطفال, إلا أنها ستكون مشكلة تتجاوز حدود الفرد المصاب, فيتأثر منها عاطفيًا ونفسيًا جميع أفراد أسرته وأقاربهم ومعارفهم, بل جميع أفراد المجتمع عندما يقرؤون في الصحف أو المجلات عن هذه الحوادث العجيبة.. لكن هذا لا يعني أن نتغاضى عن التعريف بهذه المشكلة على ندرتها، فكم تسبب عدم معرفة المصدر الرئيس لحدوث هذه الأمور في تفاقم هذه المشكلات وتطورها، وزيادة الضغوط النفسية على المصاب وأسرته، وزيادة الإنفاق المالي على المستوى العائلي والحكومي لمعالجة آثار هذه المشكلات. ولعل ملاحظة تكرار ظهور أحد هذه الأعراض أو بعضها أو كلها على فرد من الأفراد عند التعامل مع شاشات الألعاب الإلكترونية خاصة يدل على أن هذه الشاشات هي المصدر المسبب لحدوث هذه الأعراض.

مشكلات الأضواء الوهَّاجة الخاطفة المتكررة
من المعروف أن صورة الأشياء التي نراها تنتقل في الأصل من العين إلى المخ عن طريق إشارات كهربائية تصل عبر الأعصاب. ونرى الصور والحركات التي نشاهدها في شاشات التلفاز وشاشات الحاسوب وشاشات الألعاب الإلكترونية بهذه الطريقة, لكن بعض الناس، خصوصًا أولئك الذين لديهم قابلية للإصابة بنوبات الصرع، قد يواجهون مشكلات خطيرة من هذه الأجهزة, فالأضواء الوهَّاجة الخاطفة المفاجئة التي تنبعث من شاشات ألعاب الحاسوب تثير لدى بعض الناس عاصفة من إشارات كهربائية تنتقل إلى المخ عن طريق العين. هذه العاصفة الكهربائية يمكن أن تسبب حركات لا إرادية في الجسم، وحركات شفوية لا إرادية، واضطرابات بصرية، وفقدانًا للوعي. ويسمى الصرع الذي ينتج من هذه الأضواء الوهَّاجة المتكررة الخاطفة بالصرع الحسِّيَ للضوء photosensitive epilepsy، ويظهر هذا المرض عادة في الذين تراوح أعمارهم بين السابعة والتاسعة عشرة.
وقد أكد مدير برنامج الصرع عند الأطفال في المدرسة الطبية بجامعة يل في نيوهافن أنه من الممكن أن تُحْدِث الأضواء الخاطفة المنبعثة من أجهزة ألعاب الحاسوب صرعًا حِسِّيَ الضوء للأطفال الذين يلعبون على مثل هذه الألعاب. ومن أهم المشكلات التي ربما يعانونها نوبات صرع مفاجئة لدى بعض الأشخاص الذين لهم قابلية للإصابة بمرض الصرع حِسِّيَ الضوء.
ولا تقتصر المشكلات الصحية على الذين لديهم قابلية للإصابة بمرض الصرع حِسِّيَ الضوء، بل ربما أن الشخص السليم قد يواجه مشكلات صحية أقل ضررًا كالغثيان والترميش اللا إرادي في جفون العين وحركات لا إرادية أخرى.
وربما تزداد هذه المشكلات سوءًا في حالة عدم الاهتمام بها وعدم مراجعة الطبيب لمعالجتها.
ويمكننا أن نستنتج مما أشار إليه الخبراء والمتخصصون في مجال طب الصرع وطب الأعصاب أن الأطفال أو الكبار الذين يلعبون لفترات زمنية طويلة على أجهزة الـplay station أو ألعاب الحاسوب قد يشعرون بالتوتر والمشكلات الأخرى، أما الذين لديهم قابلية للإصابة بمرض الصرع فإن احتمال الإصابة بالمشكلات الصحية المذكورة سابقًا لديهم يكون عظيمًا، خصوصًا في حال الإدمان على اللعب على أجهزة ألعاب الحاسوب، ولذلك نجد عادة نصائح وإرشادات مكتوبة ضمن كتيب كيفية التشغيل المرافق لكل جهاز ألعاب الـplay station. والأجهزة الأخرى تشير إلى أن القليل من الناس قد تحدث معهم نوبات صرع مرضية عند تشغيلهم هذه الأجهزة, وحتى لدى الأشخاص الذين لم يصابوا أبدًا بمثل هذه النوبات المرضية قد تحدث معهم مثل هذه الحالات دون أن تظهر عليهم مقدماتها من قبل. فلذا ينصح بشدة لمن يرى أي أعراض غير طبيعية على نفسه عند اللعب على الجهاز أن يتوقف فورًا، وأن يتوجه إلى الطبيب المختص الاستشاري.
وثمة نصائح وإرشادات بهذا الخصوص نجد أنه من الأهمية بمكان أن نقدمها:
• ننصح بشدة كل من كان في تاريخ عائلته حالات من الصرع حتى لو كانت بعيدة الزمن أن يراقبوا أطفالهم بصورة مكثفة، كي لا يتعرضوا للأضواء الوهَّاجة الخاطفة المتكررة التي تنبعث على وجه الخصوص من شاشات أجهزة ألعاب الحاسوب. أما إذا كان الطفل مصابًا بمرض نوبات الصرع فعندئذ ينبغي نصحهم بالابتعاد عن اللعب أمام أجهزة الحاسوب.
• بالنسبة للأشخاص العاديين الذين لا يعانون أي أمراض عصبية، أو أمراض الصرع، ولا يواجهون أي مشاكل صحية في أثناء انشغالهم على أجهزة ألعاب الحاسوب, فلابد لهم من وجود فترات استراحة لمدة 15 دقيقة على الأقل تفصل بين كل ساعة لعب.
وهناك نصائح عامة للجميع بخصوص التعامل مع أجهزة التلفاز، وأجهزة ألعاب الحاسوب على وجه الخصوص وهي:
• الابتعاد قدر الإمكان عن شاشات العرض، إذ كلما ابتعدنا عنها يقل احتمال حدوث المشكلات الصحية، فيلزم ألا تقل المسافة عن 4 أقدام.
• بالنسبة لأجهزة ألعاب الحاسوب فيفضل أن تكون شاشات العرض صغيرة، إذ كلما صغرت الشاشات تخف حدة الأضواء الوهَّاجة الخاطفة المنبعثة منها.
• يلزم في كل الأحوال، سواء عند اللعب على الحاسوب، أو عند مشاهدة التلفاز أن تكون الغرفة مضاءة إضاءة جيدة.