قصر شبرا
مشهد السياسة ومتحف الحضارة
لم يكن تحويل قصر شبرا التاريخي، الذي تم تشييده عام 1323هـ «1905م»
إلى متحف إقليمي لمحافظة الطائف، إلا انعكاسًا لقيمته الفنية المعمارية والتاريخية، فهو يعد، بحق، واحدًا من أجمل القصور والمعالم التاريخية والأثرية وأهمها
في محافظة الطائف، لما يمتاز به من روعة وفخامة في التصميم، وأسلوب مميز في العمارة التقليدية. وتنبع أهمية القصر كذلك من كونه أحد القصور التي سكنها
الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في بداية حكمه بعد أن وحَّد المملكة، حيث كان يدير شؤون الحكم في هذه الدولة الفتية من هذا القصر التاريخي في أثناء إقامته الصيفية بالطائف.
الطائف: أهلاً وسهلاً
تصوير: هشام نصر شما
كما شهد هذا القصر ولادة اثنين من أبناء الملك عبدالعزيز هما صاحبا السمو الملكي الأمير نواف بن عبدالعزيز، رحمه الله، والأمير طلال بن عبدالعزيز، ثم اتخذ الملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمه الله، فيما بعد، القصر مقرًا لرئاسة مجلس الوزراء في أثناء الصيف. ولقد شهد خلال تلك الفترة أحداثًا عالمية واستقبالات رسمية على مختلف المستويات.
كما اكتسب قصر شبرا شهرة تاريخية من خلال العديد من الشخصيات التي ارتبطت بالعديد من الأحداث التاريخية التي كان لها أثرها في الحياة السياسية والاجتماعية بالمملكة.
مركز حضاري
كما اتخذت وزارة الدفاع والطيران القصر مقرًا لها، حيث كان يوجد به مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، قبل انتقاله إلى قصر الضيافة في الخالدية.
وفي عام 1415هـ «1995م» تم تحويل مرافق القصر إلى مركز حضاري وثقافي يشتمل، إلى جانب المتحف، على مكتبة، وصالات عروض للألعاب الشعبية، والصناعات التقليدية، وقاعة محاضرات، وذلك بعد أن صدر التوجيه السامي الكريم بأن يكون القصر متحفًا يحكي تاريخ المملكة بصفة عامة وتراثها، ومحافظة الطائف على وجه الخصوص، علمًا بأن المتحف يحتوي على أربعة آلاف قطعة أثرية تحكي تاريخ المملكة العربية السعودية وحضارتها وتراثها منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر، بشكل موثق بالمعلومات، والصور، والرسوم التوضيحية، إلى جانب الشواهد الحضارية والأثرية لمختلف المراحل الحضارية.
روعة معمارية
قد استغرق بناء هذا القصر أكثر من عامين، ويقع القصر خارج سور الطائف في الشمال الشرقي منه، وشبرا هي المنطقة الممتدة على شكل مستطيل يفصلها من الناحية الشمالية حي الفيصلية «أم خبز سابقًا» الطريق الممتد بين المطار وشارع الجيش، وحدها الجنوبي يطل على ميدان باب الحزم وقصر النيابة وحي أسفل، أما الحد الشرقي فيبدأ بالمرتفعات المقابلة لحي الفيصلية من الجهة الجنوبية، ثم ينحرف ويتصل بشريط البنيان الموازي له، والذي يطل من غربه على ركبان «شبرا»، وتمام الحد الشرقي شريط البنيان وامتداده الذي يطل شرقه على شارع الحرس وحي الشرقية، ويطل غربه على بقية الركبان.
يتميز قصر شبرا بفخامة التصميم المتأثر بخصائص العمارة الرومانية القديمة، إلى جانب توظيف رائع لخصائص العمارة الإسلامية والمحلية التي تتجلى بوضوح في تصميم الأعمدة، والأقواس، والحمامات ذات الطابع الروماني الخالص من جهة، والرواشين، والأبواب، والشبابيك المزينة بالزخارف الإسلامية من جهة أخرى، الأمر الذي جعل من هذا القصر تحفة معمارية فريدة، تمت فيها الاستعانة ببعض المواد التي استجلبت من خارج المملكة، كالرخام من إيطاليا، والأخشاب من تركيا. أما مادة البناء الرئيسة، فقد كانت الحجارة المحلية التي تمت تغطيتها بمادتي الجص والنورة.
يتكون القصر من دور تحت مستوى سطح الأرض تعلوه أربعة طوابق ذات نسب ارتفاع ثابتة، حيث التناسق المبدع لأربع واجهات بنظام واحد، تتخللها أعمدة مصنوعة من الحجر والنورة. وهذه الأدوار صممت على شكل جناحين شمالي وجنوبي، يتوسطهما بهو رئيس واسع، تتوزع حوله الغرف والفراغات التي تتكرر بالحجم والتصميم نفسيهما في جميع الأدوار. وينتهي سور سطح القصر بزخرفة تميل إلى الطابع الروماني، ما أضفى جمالاً ملحوظًا على المنظر الخارجي من الجهات كلها. وللقصر سلم كبير يعرف بـ«السلملك» أمام مدخل القصر المؤدي إلى البهو.
ويمكن الصعود إلى الدور الأول عن طريق دَرَج واسع يتحول إلى مسارين في قسمه الثاني، بينما يمكن الوصول إلى الأدوار العلوية الأخرى عن طريق درجين جانبيين يبدآن بمدخلين يطلان على الفناء، يتوسطهما المدخل الرئيس الذي يمثل المدخل الثاني للقصر، والذي يقابل المدخل الرسمي المطل على الشارع، والواقع في الجهة الغربية للقصر.
كما يوجد في الدور الثاني للقصر حمام تركي، بني سقفه على شكل قبة تضم زخارف ملونة فائقة الروعة، وجدرانه مكسوة بالرخام، بينما يوجد في الدور الأرضي حمام آخر مماثل، ولكنه أصغر حجمًا.
آلاف الزوار
يتكون متحف قصر شبرا التاريخي من الأقسام التالية: قاعة العروض المتحفية، والإدارة، ومعامل التصوير، ومعامل الترميم، والمختبر، والمستودع، والمكتبة التي تضم مجموعة من الكتب المتخصصة، بالإضافة إلى بعض الدوريات والنشرات.
يعمل في المتحف ثلاثة مرشدين متخصصين في الآثار، وخمسة إداريين، كما يبلغ متوسط عدد زواره سنويًا ما يزيد على 6000 زائر، علمًا بأنه مفتوح للزوار مجانًا.
محتويـات العرض المتحفـي
يعد قصر شبرا عنصرًا رئيسًا في عملية العرض التي تبدأ من داخل البهو الرئيس للدور الأرضي بالقصر بإعطاء نبذة عن تاريخ القصر، إلى جانب بعض المعلومات التاريخية والجغرافية لمدينة الطائف، مع عرض نماذج من أثاث مكتب الملك فيصل في الدور الأرضي، وكذلك الأثاث الذي كان مستخدمًا لمكتب الأمير سلطان بن عبدالعزيز في الدور الأول.
وعن طريق مكتب الملك فيصل في الدور الأرضي، يمكن الوصول إلى أولى قاعات المتحف الذي يعتمد على توظيف التسلسل التاريخي للأحداث والمعروضات لعرض مقتنياته، من خلال ثلاث قاعات عرض رئيسة هي:
• عصور ما قبل الإسلام: تبدأ من العصور الحجرية حتى العصر الجاهلي، ويتم عرض مجموعة من القطع الحجرية والفخارية ولوحات من النقوش والكتابات الحجرية، بالإضافة إلى نصوص وصور تحكي عن كل فترة من فترات ما قبل الإسلام.
• القاعة الإسلامية: وهي بداية من هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة المنورة، وعهد الخلفاء الراشدين والفترات الإسلامية المتتالية، بالإضافة إلى عرض مجموعة من القطع الآثارية المختلفة ولوحات تتضمن نصوصًا، وصورًا، ومخطوطات تعود إلى هذة الفترة.
• قاعة توحيد المملكة: تتحدث عن بداية الدولة السعودية الأولى إلى عصرنا الحاضر، وذلك بعرض لوحات وصور عن فترات الدولة السعودية، بالإضافة إلى عرض أفلام تتضمن مجموعة مختارة من القطع التراثية للمملكة.