June2010Banner


كوشاداسي
سحر الإطلالة على بحر إيجة
تجمع كوشاداسي بين عمق التاريخ وسحر الطبيعة وحياة مزهوة بما حازته هذه المدينة من عناصر التفرد.

تطل مدينة كوشاداسي، قرية الصيد فيما مضى، على الساحل الجنوبي لبحر إيجة. تقع المدينة، وميناؤها، في منطقة تحفها التلال والوديان الخصبة التي تنتشر فيها أشجار الصنوبر والسرو، وكروم الزيتون، والبساتين.
منذ نحو ثلاثة قرون خلت، تحدث المؤرخ الروماني هيرودوس عن هذه المنطقة ومناخها الأكثر روعة في العالم،
وكيف تلطف نسائم الصيف قيظ حرارته. والواقع، أن سواحلها مذهلة بديعة، يتناثر عند أطرافها عدد لا يحصى
من الخلجان والروافد. كذلك، تنفرد هذه المنطقة بانتشار عدد واسع من المدن القديمة في ربوعها، وهو ما لا تنافسها فيه أي من المناطق الأخرى الممتدة بطول البلاد وعرضها.

فيرونيكا ماريا غاربوت
ترجمة: إيمان عبدالواحد

منذ ثلاثين عامًا مضت، حين اكتشف هواة الإبحار باليخوت في البحر المتوسط المدينة، كانت لا تزال مجتمعًا هادئًا يقطنه الصيادون والمزارعون. كانت كوشاداسي، التي تعرف باسم جزيرة الطيور، تضم طريقًا واحدًا غير ممهد يشق طريقه في منتصفها. واليوم، يستقبل ميناؤها الكبير عددًا من السفن يوميًا في فصل الصيف. ولقد أدى افتتاح مرفأ سيتور Setur Marina المطور إلى تخفيف وطأة الازدحام عن المراكز البحرية الأخرى في بودروم Bodrum ومرمريس Marmaris.

تجتذب المدينة، ذات الشواطئ الرملية الذهبية، الكثير من الزوار في مواسم السياحة، إذ تتوافر لهم أنواع الرياضات المائية كافة، والفنادق الفخمة، والحمامات التركية، والتسوق في متاجر رائعة، إضافة إلى الرحلات اليومية إلى جزيرة ساموس Samos اليونانية. هناك، تسير قوافل السياح على خطى قدماء الإغريق والرومان، يحيطهم سحر الطبيعة وجمال المكان الذي أضاف ازدهار تلك الحضارات إليه إبداعًا وألقًا. ولقد كانت تلك الحضارات مهادًا لظهور الفلسفة والعلوم والآداب. تعود الآثار والأطلال التي تجتمع في هذا المكان إلى عصور متفرقة، وخصوصًا في مدينة إفيسوس Ephesus وبريين Priene، وميليتوس Miletus وديدما Didyma. ومن هناك، تبعد مدن أفرودسياس Afrodsias، وهيرابوليس Hierapolis، ومنطقة باموكال Pamukkale، ساعتين برًا.

يعود تاريخ مدينة كوشاداسي إلى سنة 3000 قبل الميلاد، حين استوطنها شعب الليليجيين والكاريين، الذي انتشر غربًا بسبب اعتدال المناخ وخصوبة الأرض.
ثم في وقت لاحق، غزاها اليونانيون الآتون من الجزر، لتمتزج الحضارتان وتنجبا للعالم أشهر الفلاسفة والعلماء. في سنة 945 قبل الميلاد، وفد إليها الفرس، لكن بحلول سنة 2000 قبل الميلاد، كان الرومان قد حكموا المنطقة، وجف ميناء إفيسوس، وأصبحت كوشاداسي مركزًا تجاريًا مهمًا يعرف باسم آنيا Ania. ثم أطلق عليها التجار القادمون من جنوة وفينيسيا، ممن قدموا إليها في القرن الخامس عشر وفرضوا سيطرتهم على المنطقة، اسمًا إيطاليًا سكالا نوفا Scala Nuova.

في سنة 1413، في عهد السلطان محمد جلبي، بسط العثمانيون سيطرتهم على المدينة. واكتست كوشاداسي بحلة جديدة تحت حكم أوكوز محمد باشا، الصدر الأعظم في عهد السلطان أحمد الأول، وعثمان الثاني. ولقد قام محمد باشا بتشييد مساجد عدة ونزل، كما أعاد بناء القلعة الحصينة التي أقامها البيزنطيون على الساحل لتحمي المدينة من أي هجوم يشنه الأعداء بحرًا. في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في سنة 1919، عاد اليونانيون لغزو كوشاداسي، لكنها أصبحت جزءًا من الجمهورية التركية في 1922 على إثر الحرب التي قامت بين الجانبين. وعندما تبادل اليونانيون والأتراك السكان، انتقل أغلب اليونانيين غربًا عبر بحر إيجة.
تنبض كوشاداسي بالحياة، وخصوصًا في تلك المنطقة المحيطة بالنزل، أي عند تقاطع شارعي أتاتورك Ataturk Bulvari وليمان كاديسي Liman Kadessi في الطرف الآخر من الميناء. كما يعد شارع Barberos Hayrettu Kadessi، المخصص لسير المشاة، أفضل أماكن التسوق في المدينة. يؤدي الشارع إلى السوق القديم شرقًا. عند مكتب البريد، يمكنكم التوجه يسارًا للاستمتاع بالتجول وسط الشوارع الضيقة المذهلة التي تمتد في ربوع المدينة القديمة التي تسمى كالي Kale، وهي تزدان بالمطاعم والمتاجر التي يعلو أصوات بائعيها بالنداء على بضائعهم. يعد نزل محمد باشا، الذي تحول إلى فندق الآن، علامة مميزة في المدينة التي تضم 20 مركزًا واضحة المعالم.

يقع شاطئ Ladies Beach على مسافة 3 كيلومترات جنوب غربي المدينة، ويضم سلسلة من المنتجعات الفندقية. لكن أفضلها، ويقع في شاطئ توسان Tusan، يبعد خمسة كيلومترات عن الطرف الشمالي للمدينة على الطريق المؤدي إلى سيلاوك Selauk، وهو الأقل ازدحامًا بين غيره من الطرق. تتوافر الفنادق الفاخرة على امتداد الساحل في كل من طرفي المدينة على حد سواء. كما تتوافر سيارات دولموس Dolmus للتأجير، وهي تذرع الطريق الساحلي جيئة وذهابًا بانتظام لتنقل ركابها من المدينة وإليها، وتأخذهم، شمالاً، حيث شاطئ بيغالي Pygale Beach، وجنوبًا نحو Ladies Beach.

يمكن لهواة الرياضات المائية التوجه إلى منتجع غراند بلو سكاي Grand Blue Sky حيث تؤجر الدراجات المائية وأدوات التزلج على الماء، والقوارب البحرية الصغيرة. وفي كيرين Keryn، تتاح ممارسة التزلج على الماء بالمظلات، وركوب القوارب المطاطية، والترامبولين العائمة. أما هواة الغطس، فيمكنهم ارتياد مركز Aquaventure Dive Centre الذي يوفر لزبائنه المدربين، والغوص بالقوارب. على بعد كيلومتر واحد من الساحل، يقع متنزه ديلك الوطني Dilek National Park، وهو محمية طبيعية جبلية تضم عددًا من السواحل المعزولة الهادئة، ما يلائم الرحلات والنزهات، إذ تظللها أشجار الصنوبر الرائعة. تفتح المحمية أبوابها للزائرين في الثامنة صباحًا، وتغلقها دونهم في السادسة والنصف مساء طوال أيام الأسبوع.

بالقرب من كوشاداسي، تقع مدينة سلجوق Selcuk المتميزة بحداثتها وسوقها الحيوي المعروف بتنوع بضائعه تنوعًا كبيرًا، مقارنة بأسواق المنطقة كلها. تحتضن هذه المدينة متحف إيفيسوس Ephesus Museum الذي يضم كمًا هائلاً من المصنوعات اليدوية من المجوهرات، والأواني الزجاجية وأواني الطبخ. وعلى مسافة قدرها 9 كيلومترات شرقًا، تقع قرية سيرينجا Sirince اليونانية القديمة فوق أحد التلال، وتحيطها بساتين الخوخ والتفاح الرائعة. كانت هذه المجموعة المتميزة من البيوت المشيدة من الحجارة والجص، والمسقوفة ببلاط أحمر زاه، الموقع الذي شهد أحداث رواية ديدو سوتيريو Dido Sotiriou وداعًا الأناضول Farewell to Anatolia التي وثقت فيها واقع التجربة اليونانية والأحوال في آسيا الصغرى وتداعياتها بعد سنة 1922. ومما يبعث على الدهشة أن أحفاد المسلمين من سالونيك اليونانية لا يزالون يعملون في العناية بالبساتين حتى اليوم. كما لا تزال صناعة الأشغال اليدوية، ونسج السجاد والأبسطة قائمة في هذه المنطقة أيضًا.

لا يمكث أي زائر حاذق في كوشاداسي دون أن يخصص يومًا من أيام إقامته فيها لزيارة إفيسوس، أكبر المدن في منطقة البحر المتوسط وأكثرها احتفاظًا بكثير من معالمها القديمة حتى الآن. ويفضل زيارتها في الصباح الباكر، أو قبل غياب الشمس مباشرة. كما يمكن الوصول إليها بوساطة سيارات الأجرة المحلية التي تقطع مسافة 16 كيلومترًا قبل الوصول إليها. في السنوات الأخيرة من القرن الأول قبل الميلاد، بلغ عدد سكان إفيسوس ثلث مليون، ثم أصبحت، في وقت لاحق، العاصمة الرومانية في آسيا. ينفرد هذا الموقع اليوناني الروماني بجاذبية خاصة تتجسد في كمال روعته إذ يضم أماكن رائعة مثل المسرح الكبير، ومكتبة سيلسس Library of Celsus، والمنزل الروماني المنحدر Slope House ذي الثلاثة طوابق، وصالة ألعاب القوى Gymnasium of Vedine، ومدرج الألعاب الرياضية، والمسرح الصغير، وحمامات الميناء، ما يجعلها مدينة ساحرة لا يمكن إغفال زيارتها.

تبقى الكثير من آثار المستوطنات الأيونية في الأناضول واضحة المعالم في مواقع مدن ميليتوس Miletus، وبريين Priene، وديدينا Didyna. وللوصول إلى أي من هذه المواقع، يمكن تأجير سيارة، ولهواة السير على الأقدام، تتوافر الحافلات التي تبلغها عن طريق مدينة سوكي Soke. وتشتهر مدينة Miletus بمسرحها الروماني وحمامات فوستينا Baths of Faustina.

فوق التلال الخشبية التي ترتفع أعلى نهر مانديريس Manderes River، ترتقي مدينة بيريين التي شيدت ضمن مخطط شامل للمنطقة، ليحتلها الرومان فيما بعد، بيد أنهم غادروها دون أي تغيير يذكر في معالمها. ومن بين المعالم التي تحتفظ أطلالها بكثير من ملامحها الأصلية حتى الآن، يأتي المسرح ومجلس الشيوخ Terion، وعدد من البيوت الخاصة. يربط بين ميليتوس، وديدما طريق رخامي. يشتهر هذا بالأعمدة الكورنثية التي تنتشر فيه بكثافة. وفي الجهة المقابلة، يقع مطعم Asik، وهو يوفر المناخ الملائم للاسترخاء والراحة قبل استئناف الرحلة الماتعة.

على مسافة 150 كيلومترًا شرقي كوشاداسي، تقع أروع المناطق السياحية في تركيا، وهي بحيرات باموكال Pamukkale. في هذه البحيرات، تتلألأ المياه البلورية الرائعة وهي تنحدر إلى أسفل الجبل في لوحة بديعة ترسمها مع الشرفات، والينابيع الدافئة، والتكوينات الكلسية الصخرية الفريدة التي تمنح المكان ألقًا وسحرًا.

بعد تاريخ يضرب بجذوره في عمق الأرض ليعود إلى 14 ألف سنة خلت، تتبوأ مدينة بوماكال مكانة هي أهل لها بين مواقع التراث العالمي. يذكر أن اسم بوماكال يعني «قلعة القطن». كما ترجع مدينة هيرابوليس Hierapolis القديمة، التي تقع أعلى هذه الينابيع الآسرة، إلى العصر الروماني. هناك، يستمتع السياح بالسباحة في مياه بحيرة أنتيك Antique Pool الدافئة، إذ تبلغ حرارتها نحو 35 درجة مئوية، وذلك وسط قطع من الأعمدة الرخامية الأثرية المتناثرة هنا وهناك. ويا له من موقع يتميز بسحر تفرده، فقد كانت هذه المياه وسيلة رائعة للاستشفاء والاسترخاء.

من بين المواقع الأثرية الأعظم شأنًا، تأتي أطلال مدينة أفروديسياس Afrodisias، وتقع على مسافة 150 كيلومترًا شرقي إفيسوس. يرجع تاريخ أطلال هذه المدينة الإغريقية إلى سنة 5000 قبل الميلاد، وأهم معالمها هو المدرج الرياضي الرائع الذي شهد منافسات الألعاب الأولمبية في ذلك الزمان البعيد. هناك، لابد للزائر أن يهتم بمشاهدة أطلال أي من البيوت الكبيرة التي تضم أعمدة أيونية وكورنيثية مكتملة، والمداخل الأثرية المزخرفة، Tetrapylon، وحمامات هادريان Hadrianic Baths، والسوق الجنوبية، ورواق تيبيريوس Portico of Tiberius. أما اليوم، فترتبط المدينة باسم العالم الأمريكي كينان ت. إرين Kenan T Erin، فهو من نجح في وضعها في مكان يلائمها على خارطة العالم، وذلك في حقبة الستينيات من القرن الماضي.

من يملك فسحة من الوقت، يجب أن يغتنم الفرصة للارتحال، ولو ليوم واحد، إلى إزمير، ثالث أكبر مدن تركيا، والميناء الرئيس المطل على البحر المتوسط. ومن بين المعالم الأكثر أهمية في سميرنا، وهو الاسم الإغريقي للمدينة، يأتي السوق والحصن الإغريقي الواقع على هضبة قاضيفيكال Kadifekale hill. اليوم، اكتست المدينة بحلة من الجمال والأجواء الرائعة، وضمت شوارع الساناك Alsanak، وكوردوم Kordom Promenade المقاهي، والمطاعم التي تضاهي أرقى الأماكن السياحية في القارة الأوروبية.
كما تتميز، أيضًا، ببضائعها الفخمة مثل المجوهرات، والمنتجات الجلدية، والأحذية، التي تعد أفضل ما يعرض للزبائن في منطقة التسوق. وكذلك، يضم متحف الإثنوغرافيا Ethnography Museum نموذجًا أعيد تكوينه من الصيدليات العثمانية التقليدية.