June2010Banner


العيد..
فرح وبهجة وسرور
العيد فرصة ذهبية سانحة لصفاء القلوب، والتسامح والغفران، والصفح عن الهفوات، والعفو عن الزلات.

أ.د. عبدالكريم بن صنيتان العمري،
الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة

إشراقة يوم العيد، إطلالة يوم جديد، ترسل شمسه بأشعتها الذهبية، عبق عطورها الندية، وتنثر بطلعتها البهية، الفرح والسرور على النفوس الزكية، ليفيض بشرًا وبهجة وحبورًا على محيا الإنسانية، فالأمة بحاجة إلى التجديد والنشاط والحيوية، وإخراجها من دائرة الرتابة اليومية، حتى لاتصاب النفوس بالفتور والملل، فتنفر عن العبادة والعمل، والإسلام يحوط النفوس بالرعاية, ويتعاهدها بالتزكية والعـناية، لذلك شرع لها الفرحة بيوم العيد، فقد بدأت مظاهر الاحتفال، وتنوعت مشاهده تحت سمع المصطفى، صلى الله عليه وسلم، ونظره, حيث تنقل لنا أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، صورًا من معالم الفرحة بالعيد، التي حد ثت في بيت النبوة وقريبًا منه، فتقول: دخل عليَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنيان بغناء بعاث «أي: تضربان بالدف بأشعار قيلت في تلك الحرب» فاضطجع على الفراش مسجىً بثوبه، وحوَّل وجهه، فدخل أبوبكر فانتهرني، وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم, وذلك في يوم عيد؟ فكشف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ثوبه، وقال: «يا أبابكر دعهما, فإن لكل يوم عيدًا، وهذا عيدنا» رواه البخاري ومسلم. وهذا دليل واضح على مشروعية الفرح، وإظهار البهجة والسرور يوم العيد، بمايحصل من إشباع الحاجات النفسية, والترويح المعنوي المنضبط، بما يبسط النفس ويريحها.

ومشهد آخر، بالقرب من بيت النبوة, وفرحة عارمة بالعيد، وأناشيد تنطلق من أفواه الصبيان, وأهازيج الأحباش معهم يلعبون بالحراب, يمدحون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة، رضي الله عنها: والله، لقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في يوم عيد في المسجــد، فدعاني النبي، صلى الله عليه وسلم، لكي أنظر إليهم، وقال: «أتشتهين تنظرين؟», قلت: نعم, فأقامني وراءه، خَدِّي على خَدِّه، يسترني بردائه, ثم يقوم من أجلي، فجعلت أنظر إلى لعبهم، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة», فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم. متفق عليه.

فهذا دليل على أهمية تحقيق حاجة النفس من الترويح واللهو المباح, وجواز نظر النساء في مثل هذه الحال إذا أمنت المفاسد. والشريعة الإسلامية جاءت آخذة في الحسبان نوازع النفس، مراعية حاجتها إلى الفرح والسرور بعد العمل والجد, وقد جاء في رواية أخرى، قوله، صلى الله عليه وسلم، في الفرح والانبساط في العيد: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة, إني بعثت بالحنيفية السمحة» رواه أحمد.

إنها فرحة العيد، والابتهاج بمقدمه, يحتفي بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقر أمته عليها، ويأذن لأهله، لما يحصل من انبساط النفس، وترويح البدن، وإظهار السرور، فهي فرحة تأتي بعد تمام العبادة، وكمال العدة, حمدًا لله تعالى على عظيم هباته, وكريم عطائه, وشكرًا على تيسيره، }قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون{.

الاحتفال بالعيد، شعيرة من شعائر هذا الدين، واقتداء بسيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وابتهاج تألفه الفطر السليمة، والنفوس السوية المستقيمة، فيرسم العيد على محياها الابتسامة والحبور, والاستبشار والسرور، وتتعالى النفوس على آلامها، وتتغلب عى أحزانها وهمومها، وتستمتع بألوان العيد الزاهية. ففي يوم العيد لا مكان لوأد الفرحة، أو سرقة البسمة، أو الاتشاح بالسواد، أو تجديد الأحزان، بالتباكي على الجراح، واستثارة الأشجان بإبراز مآسي الأمة ونكباتها، وإظهار الجزع والسخط والكآبة، والتحجير على الغير، واللوم على إظهار الفرح والسرور والابتهاج, ليصبح العيد في مفهوم أولئك: نعيًا وتأنيبًا، وعبوسًا وتقطيبًا.

فلماذا يسلب أمثال هؤلاء بنظراتهم القاصرة الفرحة بالعيد من النفوس، ويصادرون حق الناس في البهجة والسرور، ويستكثرون على الأمة احتفاءها بهذا اليوم السعيد؟! ألم يأذن المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بفرحة العيد؟ ألم يحتفل المسلمون يوم العيد في المدينة على مرأى منه ومسمع؟! ألم يعرض على زوجته أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، النظر لمشاهد الاحتفاء وهو يسترها؟! ألم يكن عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم يحمل هموم الأمة، ويشغل باله نصرة هذا الدين؟!

مظاهر الابتهاج بالعيد شاملة لكل أفراد الأمة, يبرز من خلالها شعور الجسد الواحد، وأرقى صور التلاحم بإدخال السرور على النفوس، وتعميق التلاحم، وتوثيق الرابطة الإيمانية، حتى تعم فرحة العيد المجتمع بجميع أطيافه، ومختلف مستوياته، وتباين أحواله، فقد جاءت فرضية زكاة الفطر وإخراجها في يوم العيد، لإخفاء مظاهر البؤس، وإزاحة معالم الحاجة في هذه المناسبة السعيدة, ومسح دموع اليتامى والمساكين، وجبر خواطر الأرامل والثكالى والمكلومين، حتى يشاركوا إخوانهم فرحة العيد وبهجته وسروره,ويتبادلوا مع أقربائهم وجيرانهم وأصدقــائهم التهاني بهذا العيد.

العيد فرصة ذهبية سانحة لصفاء القلوب، والتسامح والغفران، والصفح عن الهفوات، والعفو عن الزلات، ونسيان الماضي المشبع برواسب الأحقاد والشحناء, والكراهية والبغضاء، لكل من أخطأنا في حقهم، أو أساؤوا إلينا، والانطلاق من جديد بنفوس سليمة خالية من التشفي أو الانتصار لحظوظها، أو مقابلة الإساءة بمثلها، ولتكن القلوب نقية من الحقد والحسد، ريانة بنور الإيمان، وبياض الود والألفة. فصفاء القلوب من صفات الأخيار الأصفياء، والأبرار الأتقياء. بالصفاء تسكن النفوس، وتطمئن القلوب، وتجمل الحياة، ويحصل الأنس والارتياح، وتسمو المشاعر، ويزول ظلام الشك والريب، وتصبح القلوب مهيأة لفتح صفحات بيضاء في سجل العلاقات مع الآخرين من ذوي الأرحام والأقارب والإخوان، والأصدقاء والجيران، ومد جسور التواصل والعطاء، وارتداء رداء التسامح والصفاء، والعيش في حياة آمنة سعيدة مطمئنة.

لنجعل من يوم العيد، يوم فرح وسرور، وبهجة وحبور، نشكر الله فيه على نعمه، ونحمده على كريم عفوه, ونحتفي به وفق الضوابط الشرعية، ولا يضيق على المسلمين, بحجة التباكي على جراح الأمة، فهل هناك أحرص من المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه على هذا الدين؟! فقد احتفلوا وفرحوا وأظهروا السرور في هذا اليوم السعيد, فلنستقبل العيد بقلوب عامرة بالإيمان، مفعمة بالأمل والتفاؤل، فلا شيء كالأمل، يحفز النفوس ويعلي الهمم، ويدفع إلى العمل، ويحقق المقاصد، ويضيء طريق الحاضر والمستقبل. عيـــدكم مبــارك.. وكل عــام وأنتــم بخيـر...