June2010Banner


طريف
على لائحة التراث العالمي
تاريخ عريق حملته الدرعية إلى قائمة التراث العمراني للحضارة الإنسانية.

الرياض: نجاة الوحيشي
تصوير: هشام نصر شما

يقع حي طريف التابع لمحافظة الدرعية على بعد 20 كيلومترًا شمال غربي مدينة الرياض، ويتميز بنسيج عمراني فريد. وتضم المنطقة المحيطة بالحي، عددًا من البيوت والقصور القديمة التي تعد نموذجًا للعمارة النجدية.
ويتمتع حي طريف الذي ألحق الدرعية بلائحة التراث العالمي، من بابها العريض، بخصائص معمارية عديدة، وطراز مميز من الفنون المعمارية اعتمد على الحجر والطين المعروفين في نجد بقوتهما وصمودهما لمدة طويلة في وجه التغيرات المناخية القاسية التي تسود المنطقة.

عاصمة الدولة السعودية الأولى
تقع محافظة الدرعية، وهي إحدى أشهر واحات وادي حنيفة، على بعد عشرين كيلومترًا، شمال غربي مدينة الرياض. وتتكون الدرعية من عدة أحياء رئيسة هي: حي الطريف، ويقع فوق الجبل الجنوبي الغربي من منطقة الدرعية، وهو حي يحيط به سور أثري قديم، يشرف على المدينة، وفيه آثار قصور عديدة ما زالت متناثرة هنا وهناك، وحي غصيبة، الذي يفترش سفح هضبة بوادي حنيفة، وهو الحي الرئيس للدرعية القديمة، وحي البجيري، ويقع على الضفة الشرقية من وادي حنيفة، وبه مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومدرسته وبيته.
إلا أن الامتداد العمراني الحديث، والتوسع الذي شهدته مدينة الرياض على مدى العقود الخمسة الأخيرة، وصلا بين العاصمتين، وجعلا من العاصمة الأولى امتدادًا للحديثة.
وتحظى الدرعية بمكانة تاريخية وقيمة أثرية مرموقة، لكونها تحتضن إرثًا يروي حضارة أمة، وشواهد تاريخية ضاربة في العراقة، وتمثل أنموذجًا فريدًا للطراز العمراني الأصيل، وفنونًا من العمارة الطينية التقليدية، أثارت فضول المؤرخين، وعلماء الآثار، والمهتمين بالأنماط العمرانية التقليدية المعتمدة على المواد البيئية من داخل المملكة وخارجها. وهذا يؤكد، إضافة إلى أهميتها السياسية كعاصمة للدولة السعودية الأولى، ومركز علمي وثقافي في جزيرة العرب، أهميتها التاريخية والعمرانية.

وقد أولت الدولة اهتمامًا مباشرًا بالدرعية التاريخية، حتى توج هذا الاهتمام بصدور الأمر السامي بالموافقة على أن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية تطوير الدرعية، ومنها حي الطريف. تلاه أمر ثان بتكليف الهيئة العامة للسياحة والآثار بالعمل على تسجيل موقع حي الطريف بالدرعية، ضمن القائمة التمهيدية للمواقع المراد تسجيلها في التراث العالمي.

التزام لا تشريف
ولأن «تسجيل المواقع التاريخية على قائمة التراث العالمي يضعنا أمام مسؤولية تاريخية للحفاظ على مكتسباتنا الوطنية»، كما يدرك القائمون على هذه المشاريع، فإن الهيئة العامة للسياحة والآثار تشرف بالتعاون مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض على تنفيذ متحف الدرعية في قصر سلوى، وكذلك جامع الإمام محمد بن سعود، وجسر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومتحف للتجارة والمال. كما تعتزم الجهتان تنفيذ مشاريع أخرى منها المتحف الحربي، ومتحف الخيل. وما زالت المشاريع كثيرة، والقائمة طويلة، لقناعة القائمين على هذه البلاد بضرورة مساهمة السياحة في دعم الاقتصاد الوطني، وأهمية حضور التراث السعودي في المشهد العالمي، وعزمهم على دعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على الإرث الوطني الهائل، وتنميته، ليظل موردًا ثقافيًا وتاريخيًا ينهل أبناؤها من نبعه، وحلقة متينة تربطهم بماض يعتزون بانتمائهم إليه.

حي طريف هو الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله على قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل موقع الحجر: «مدائن صالح»، للقائمة في عام 1429هـ، وهما موقعان من ثلاثة، صدرت الموافقة السامية في 1427هـ، على أن تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار استكمال إجراءات تسجيلها على لائحة التراث العمراني، هي: «مدائن صالح»، و«حي طريف»، و«جدة التاريخية»، التي تم تقديم ملف ترشيحها لليونسكو، في انتظار النظر فيه في الدورة المقبلة لمؤتمر لجنة التراث العالمي، الذي سينعقد في شهر يوليو من العام المقبل 2011 بمملكة البحرين.

ويشهد حي طريف حاليًا، ومنطقة الدرعية بكاملها، نهضة عمرانية وبيئية هائلة، ترمي إلى تأهيلها لتتربع على عرش السياحة الداخلية والخارجية معًا، لما حباها الله به من حضور جغرافي متميز، ومقومات طبيعية عالية، وشواهد تاريخية راسخة، فهي تجمع بين سحر الواحات الطبيعية، وشموخ نخلها الباسق، وعمق أوديتها السحيقة، وصرامة تضاريسها الغامضة، ومناعة أبراجها العالية، وأصالة معمارها النجدي، في نسيج عمراني بديع، يندر أن تجتمع عناصره كاملة في موقع واحد.

يقول د.علي الغبان، نائب الرئيس للآثار والمتاحف، بالهيئة العامة للسياحة والآثار: «تسجيل أي موقع على لائحة التراث العالمي يعد بداية رحلة جادة مع الوعي بأهمية الموقع، والالتزام بتطويره، والحفاظ عليه، وليس نهاية المطاف، وتشريفًا نناله ثم نركن إلى الراحة. فالهيئة عندما تقدم ملفًا ترشح بموجبه أحد مواقعها التاريخية والأثرية المهمة للتسجيل على لائحة التراث العالمي، تضمنه خطة موازية تلتزم بتنفيذها، واستراتيجية واضحة تتلخص في ثلاث خطوات رئيسة:

• خطة المحافظة على الموقع.
• خطة تأهيل الموقع وتطويره.
• خطة لإدارة الموقع بصورة تضمن استمرار بقائه على قائمة التراث العالمي».

بداية مشوار
تسجيل الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي يترتب عليه إذًا، بذل المزيد من الجهود لحماية الموقع، والمحافظة عليه، وتهيئته وفقًا لالتزامات فنية وبرنامج زمني، وخطة للإدارة تقدمت بها المملكة في ملف الترشيح في ضوء مواصفات حددها مركز التراث العالمي، وبالمستوى الذي يليق بالدرعية كموقع تراثي عالمي، وبسمعة المملكة العربية السعودية كبلد يعتز بأصوله ويحرص على هويته ويلتزم بالحفاظ على مكتسباته من منطلق وعيه بثقل هذا الإرث الحضاري، فالمدن هي «ذاكرة المجتمعات»، والعمل على ترسيخ مفهوم أن ما نبنيه اليوم سيكون تراثًا لأجيالنا القادمة، وإدراكه العميق لأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الحفاظ على التراث العمراني وتنمية السياحة في مواجهة قضايا معاصرة مثل العولمة والتغير المناخي.
ملف سعودي ثالث ينتظر أن تفرج عنه لجنة التراث العالمي، التابعة لمنظمة اليونسكو، في دورتها المقبلة التي ستنعقد العام المقبل بالبحرين، هو ملف «جدة التاريخية»، التي ستلحق بدورها بقائمة التراث العالمي، لما تتفرد به من مقومات حضارية عالية، فهي تكاد تكون الوحيدة المتبقية من طراز معماري تميزت به مدن عديدة كانت تطل على حوض البحر الأحمر، اندثر معظمها ولم يبق منها سوى جدة التاريخية!
ما زالت الهيئة العامة للسياحة والآثار تواصل في هذا الإطار، أعمال التصميم والتطوير لأكثر من 30 موقعًا منتشرًا بأنحاء المملكة كافة، تمهيدًا لتهيئة هذه المواقع السياحية بجميع الخدمات والمرافق، لكي تلبي حاجة السائح الداخلي والأجنبي، في مرحلة أولى، تليها مرحلة الاعتراف الدولي عبر بوابة لائحة التراث العالمي.